facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الاستغناء


سمير القضاة
23-04-2020 10:45 AM

يبدو أن الحياة ستتغير كثيرا بعد كورونا، وقد قلتُ منذ بدايتِها : ما سنستغني عنه خلال الأزمة، سيستمر الاستغناء عنه بعد نهايتها.
هناك زلزالٌ كبيرٌ سيطراُ على النهج الاستهلاكي والسلوك الاجتماعي وسير النشاطات الاقتصادية، حيث سيقلص الناس من استهلاكهم للأساسيات، وسيبدءون التعود على الاستغناء عن كثير من الكماليات والرفاهية، كالسفر وارتياد المطاعم ومساحة البيوت الكبيرة وعاملات المنازل وعدد السيارات للأسرة الواحدة وفخامتها.
سيبدأ الأفرادُ بالتفكير بالمستقبل بحرصٍ أكبر، وبمزيد من القلق، وسيكون تقليل حجم الإنفاق هو العنوان البارز، وصولاً للتخلّي التدريجي عن التعليم الجامعي بصورته الحالية، ليصبح غير أساسي في حياتنا، أو من طراز التعليم عن بعد، بمساقات أقل ومددٍ أقصر، لإعطاء بعض الإرشاداتِ والمهارات للراغبين بدخول سوق العمل.
العزائم والولائم ستكون إرثاً جميلاً للذكرى، وقد تضعُ العائلةُ صورةً تذكارية لوليمة مناسف عرس الجد والجدة، كنوعٍ من توثيق الماضي، مثل المهباش والسيف.
لن يكون الفرد مضطراً للاستيقاظ مبكراً، لتجهيز نفسه وحلاقة ذقنه والاحتياط لأزمة الشوارع في طريق العمل، لأن المكتب سيصبح على بعد سبعة أمتار من سرير نومه، ولكننا سنخسرُ حميميةَ الزوامير، ومشاحنةَ السائقين وحرب السيارات الطاحنة، وابتسامةَ موظفةِ البنكِ الآسرةَ وهي توقعُكَ على طلب قرضك السكني.
سيقل استهلاك العطور بشقيها النسائي والرجالي إلى العُشر، وسيتقلصُ سوق تصنيع الملابس إلى الخُمس، أما أطباق الشنكليش والفاهيتا والسوشي في المطاعم الفاخرة، فستختفي من ذاكرتنا.
سيخسرُ الفقهاءُ والدعاةُ جمهورَهم، فالسلطةُ بجرةِ قلم استطاعتْ إقناعَ الناسِ بجوازِ أداء العبادات الفردية، وكما تعوّدوا على التعليم عن بعد، فقد تعودوا أيضاً على صلاةِ الجمعةِ عن بعد، فالسلطةُ والمالُ يقررانِ كل ما نحتاجه، ويصيرُ مع مرورِ الأيامِ هو الصواب وما عداه الخطأ أو غير المألوف.
الحياةُ ستعودُ إلى البيت، ليكونَ مسرحاً للقيْدِ، ومساحةً للحبس، وغابةً للجدران. وسنكتشفُ كم كانت الحياةُ التي عشناها سابقاً وتذمّرنا منها جميلةً، وجميلةً جدا.
على الناسِ أن يقللوا من الإنجاب، من ذا الذي سيحتملُ أصواتَ أولاد الجيران في كل الساعات !! وعلى الزوجاتِ أن يبدأنَ بالتدريب على قلة الكلام والجدال والطلب، فلا صبرَ يستطيعُ الاتساعَ لسبعَ عشرةَ ساعةٍ يومياً من صخرة أميةَ على صدرِ بلال.
هل سيكون من الضروري أن نمتلكَ سيارةً ؟! الديليفري يسوقُ ويتسوَّقُ عنا، ولا زحمةَ تؤخرُ وصولهُ إلينا.
المدارسُ الخاصةُ صارت خارج الخدمة، فالأبوانِ في المنزل غالباً، ولا حاجةَ لهما ل(مضب) للأطفال، وهما يقومان بالتدريس البيتي، ولا داعيَ لرميِ آلافِ الدنانيرِ على قدميْ مستثمرٍ لا يتذكرُ أسماء المباحث ولا المعلمين والمعلمات.
فيما سيقل التزاوج، والذين سيتخذون القرار الصعب بالارتباط فلن يعودوا مضطرين لإقامة حفلات زفاف جماهيرية، مما سيتسبب باختفاء ظاهرة قاعات الأفراح وفساتين الزفاف، وستغلق كثير من محال المجوهرات أبوابها.
وماذا عن المتزوجين ؟! مثلما يعيد كوكبنا توضيبَ أحواله، وعلاقات كائناته ببعضها، سيتخففُ آلافُ فاقدي الوظائف من أعباء الأسرة، وسنرى حالات تفكك أسري مرهقةٍ للمجتمع، مع ما سيتبعها من جنوح فاقدي الأمل إلى الجريمة بشقيها المالي والأخلاقي.
الباصُ السريع، ستظلُّ جسورُهُ شاهداً على حسن النوايا، شيدناها لراحة سياراتكم، ولكن كورونا حذفتها بكبسةِ فيروس، ويا فرحة ما تمت...
النقود ستعودُ إلى الكهفِ، فلن يقبلها منا أحدٌ بعد اليوم، هناك كائناتٌ نورانيةٌ حصلتْ على توقيعٍ من لَدُنْهُ لتفتحَ مَحافظَ الكترونيةٍ، وتربحَ عن كل دينار نستهلكه نسبةً قليلة، ولكنها كافيةٌ لتجعلها في ثراءِ الجنةِ خلال مدة قياسية، فهذا عصر السرعة والذكاء الرقمي. استعدوا جميعاً، فسيقوم الكوكب بعمل سوفت وير جديد، والأبديت بدأ منذ اللحظة.
الذين سيخرجون من رحمةِ اللعبةِ، كثيرون جداً، ولن يكونَ أمامهم إلا العبوديةُ أو الانتحار...





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :