facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




نكبة فلسطين من كليوباترا إلى الأسيتون


م. أشرف غسان مقطش
15-05-2020 05:12 PM

في مثل هذا اليوم، قبل إثنين وسبعين عاما حدثت ما يسمى في أدبياتنا ب "نكبة فلسطين"، والنكبة كانت وما زالت حتى اللحظة، صدمة مؤلمة جدا، بالنسبة لي على الأقل.

وفي كل مرة أبحث عن أسباب هذه النكبة أكتشف خيوطا جديدا من خيوط اللغز العويص، بحاجة إلى فكفكة وحلحلة، بترو وتأن، لعل وعسى، تظهر "الحقيقة"، ولو بدثار مخملي.

ولعلني لا أجانب الصواب إذا ما قلت أنه لا يكفي فساد الأسلحة أن يكون السبب الوحيد، ولا الخيانة كذلك، ولا سوء الإدارة والتنظيم أيضا، ولا تلكم الأسباب وحدها فرادى كل على حدة، ولا وحدها مجتمعة؛ فحتى ندرك "الحقيقة" ولو ظل بيننا وبينها حاجز شفاف على الأقل نراها لا نلمسها، وجب علينا الإحاطة بكل صغيرة وكبيرة لكل ظرف أحاق بتلك النكبة حتى نعرف لماذا خسرنا أنفسنا منذ ما يزيد عن السبعين عاما.

وفي هذا الإطار، أتساءل: هل من حتمية تاريخية فيما جرى على أرض فلسطين عام (1948)؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، أدعوك عزيزي القارئ لتمعن النص التالي:

"وفي سنة ٣٧ ق.م. مَلَّكَ أغسطس وأنطونيوس (٦٣ق.م. - ١٤ق.م.) هيرودس بن أبتباتر ملكا على فلسطين، ومنحه أنطونيوس بعد زواجه من كليوبترا بعض المدن النبطية، فاشتعلت الحرب بين الأنباط وهيرودس الذي احتل مأدبا". (1)

ولكي يتضح مقصدي من (الحتمية التاريخية) أكثر، دعني أعيد صياغة النص أعلاه بحيث يعبر المضمون الجديد عن وجهة نظري فيما جرى في فلسطين في الفترة ما بين وعد بلفور المشؤوم والنكبة:

وفي سنة ١٩١٧م منح وعد بلفور اليهود فلسطين وطنا قوميا لهم، وأعطى الإنجليز اليهود بعد تواطئهم مع الصهيونية بعض المدن العربية عام ١٩٤٨، فاشتعلت الحرب بين العرب واليهود الذين احتلوا القدس.

فهل انطبقت مقولة كارل ماركس على نكبة فلسطين عام (1948)م كإعادة مأساوية لأحداث النصف الثاني من القرن الأول ق.م.؟ أو قل كحتمية تاريخية؟ قيل أن ماركس قد قال ذات يوم: "التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة، وفي المرة الثانية كمهزلة".

من جهة أخرى، قد ينساءل سائل: ما علاقة زواج أنطونيوس بكليوباترا بمنح أنطونيوس هيرودس "بعض المدن النبطية"؟

يقال على ذمة التاريخ: "وفي أثناء حكم الإمبراطور "ماركوس أنطونيوس" (٨٣-٣٠)[ق.م.] طلب هيرودس الكبير من "كليوباتره" ملكة مصر وعشيقة الإمبراطور الروماني أن تتدخل الجيوش الرومانية لإجبار الأنباط على التخلي عن عمان، وتم له ذلك سنة ٣٠ ق.م.". (2)

إذن، ووفقا للنصوص الواردة أعلاه، نستطيع ترتيب الأحداث بالتسلسل التالي:

1) سنة (37)ق.م.: أنطونيوس يُمَلِّك هيرودس ملكا على فلسطين.

2) هيرودس بحكم صداقته مع كليوباترا -إن جاز التعبير- يسألها أن تنقل طلبه إلى عشيقها أنطونيوس بمنحه "بعض المدن النبطية". وهنا دق أنطونيوس على صدره وقال لعشيقته: غالية والطلب رخيص يا بعد عمري.

3) تزوج أنطونيوس وكليوباترا، وفيما بعد ذكرته بوعده لها بأن يلبي طلب هيرودس، فأوفى بوعده لها، وكان ذلك قد تم سنة (30)ق.م.

والسؤال الذي يرمي بثقله هنا: هل من علاقة نفعية متبادلة بين هيرودس وكليوباترا حتى تتوسط الأخيرة للأول لدى عشيقها؟

الإجابة على هذا السؤال مهمة لأنه بدونها يفتقد هذا النموذج من الرواية التاريخية حبكته.

فالحبكة في النموذج الثاني للرواية التاريخية التي أبطالها الإنجليز والصهيونية واليهود والعرب موجودة في علبة الأسيتون!

إقرأ معي عزيزي القارئ النص التالي:
"وقصة المذيب، الأسيتون، قصة نموذجية في ميدان المنتجات التي نحصل عايها من الكائنات البيولوجية الدقيقة. فخلال الحرب العالمية الأولى كان الإنجليز في حاجة لهذا المذيب الذي كان يستخدم في صنع الذخيرة.
واستعمل حاييم وايزمان، وهو كيميائي مهاجر من روسيا، ومن كانوا يساندونه، ما كان قد وصل إليه من طريقة لتحضير الأسيتون بتخمر السكريات، باستخدام صنف معين من البكتيريا، وحصلوا على وعد بلفور الذي أعطى فيه الإنجليز لليهود ما ليس حقا لهم، وتمكنوا من تنفيذه برعاية حكومة الانتداب التي صارت السلطة المتسلطة على فلسطين بعد الحرب". (3)

إذن يا ترى، ماذا قدم هيرودس لكليوباترا حتى تقنع عشيقها بمنحه "بعض المدن النبطية"؟

لم تسعفني كتب مكتبتي في الإجابة على هذا السؤال، لكنني أكاد أجزم أن من أسباب النكبة عام (1948) هو أننا نحن العرب لا نتقن فنون البراغماتية، وما دمنا كذلك، وبالإضافة لغير ذلك من أسباب وعوامل أخرى سبق أن ذُكِرَ بعضها، لعلني لا أغالي إذا ما قلت أن الحتمية التاريخية ستظل تتكرر مرارا وتكرارا كمأساة تارة، وكمهزلة طورا، وفيما يسمى بصفقة القرن اللعينة خير مثال على ذلك.

على هامش المقال:
نقرأ في كتاب (الإستشراق، المفاهيم الغربية للشرق)، لمؤلفه إدوارد سعيد، ترجمة د. محمد عناني: الترجمة العربية الكاملة للطبعة المزيدة المنقحة الصادرة عن دار بنجوين العالمية عام (1995)، رؤية للنشر والتوزيع (2006)، ص(188) :

فالعقل العربي لا يستطيع -سواء كان ذلك بالنسبة للعالم الخارجي أو بالنسبة "للعمليات" الفكرية- أن يتخلص من إحساسه العميق تجاه فردية الأحداث المجسدة وانفصال بعضها عن البعض.

حواشي المقال:

(1) كتاب (الأردن تاريخ وحضارة آثار)، لمؤلفه أ. لويس مخلوف، الطبعة الأولى (1982)، ص(124).

وللأمانة الأدبية أنوه هنا إلى أن النص الأصلي فيه أن ماركوس أنطونيوس توفي سنة (14)م وهو خطأ مطبعي على ما يبدو، فقمت بتصحبحه تلقائيا هنا في النص المقتبس. علاوة على ذلك، اشتمل النص الأصلي على هامش توضيحي بالنسبة لتاريخ ميلاد ووفاة كل من أنطونيوس وأغسطس، لم أجد من ضررورة لإدراجه هنا.

(2): المرجع السابق، ص(71)

(3): كتاب "دليل المواطن في العلم الحديث، عشية القرن الحادي والعشرين، رواية فلاناغان"، لمؤلفه دنيس فلاناغان، ترجمة الدكتور عادل أحمد جرار، مركز الكتب الأردني (1990)، ص(178).





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :