لم يكن يدور بالبال أن تتراجع دائرة الترخيص إلى ما كانت عليه قبل عقود, بعد أن حصلت على الجائزة الأغلى التي تتشرف بحمل إسم قائد الوطن, باعتبارها متميزة في العطاء والتنظيم وحسن الإدارة, ولم يكن يخطر بالبال, أن يشعر المواطن وهو يزور دائرة الترخيص هذه الأيام, بأنه كأنما يزورسوق خضار, يعج بالبائعين والمشترين, وتسوده الفوضى وعدم التنظيم, ولا يستطيع أحد الوصول إلى مسؤول واحد في هذه الدائرة التي كانت مضرب المثل في حسن الإدارة, ليشتكي من كل هذه الفوضى, التي يُحمَل من تسأله من أفراد الشرطة المتواجدين فيها مسؤوليتها لنظام كمبيوترجديد, تم اعتماده قبل التأكد من جاهزيته أو مقدرته على التجاوب مع حاجات الدائرة والمواطنين.

تدخل الدائرة لتصفعك المفاجأة الاولى, بأن النظام الآلي لحصولك على رقم لدورك في المراجعة قد ألغي, وحل محله شرطي يعطيك رقماً ويوجهك إلى أحد شبابيك المراجعة, وكل هذا مقبول, لكن غير المقبول أو المفهوم أنه لا أحد في تلك الشبابيك يعرف شيئاً عن تلك الارقام أو يحترمها, وعند كل واحد منها عشرات المواطنين يتدافعون بالايدي والمناكب للوصول إلى ضابط يتميز بالسأم وعدم الاكتراث, وله حق في ذلك, لأنه اعتاد نمطاً من النظام, يتيح له استدعاء كل مراجع حسب دوره ليستلم منه معاملته وينهيها في دقائق, وكان المواطن بحسب ذلك النظام يمتلك الحق في مراجعة مدير الدائرة إن تأخر إنجاز معاملته, أو تجاوز انتظاره ساعة من الزمن.

اليوم أنت بحاجة لما يقارب الساعة لتعرف أين تقدم معاملتك, ولأكثر من ساعتين للوصول إلى الموظف, إن كان لديك قوة شكيمة وعزم على مصارعة المراجعين الآخرين, وإذا وصلت بالسلامة فانك قد تعود إلى نقطة الصفر, لأن الطوابع على تلك المعاملة أقل بخمسة فلسات من القيمة المطلوبة, أو لأن عليك ختم معاملتك مجدداً من قسم المخالفات, لانك لم تتمكن في اليوم السابق الذي ختمت فيه من انهاء معاملتك بفضل الجهود الخيرة لادارة الترخيص, وبعدها أنت بحاجة لساعتين لتتمكن من المثول بين يدي الكاتب بالعدل, ولساعة لتتمكن من دفع الرسوم المطلوبة, وبعد كل ذلك عليك الانتظار لفترة غير محدودة ولا حساب لها في الزمن, لتتسلم معاملتك التي اعتدت سابقاً إنجازها في ما لايزيد عن ثلاثين دقيقه.

إذا كان النظام السابق أهَل مديرية الترخيص, للحصول على جائزة الملك عبد الله للتميز, فان السؤال هو عن الداعي لاختيار واختبار نظام جديد ثبت فشله منذ الثانية الاولى لتشغيله, وإذا كان ذلك النظام ينهي معاملات الجميع في زمن قياسي, فما الداعي لاستبداله بنظام سمعت من أحد الضباط في إطلالة نادرة على الكاونتر أنه ينوي تخصيص شباك خاص لمراجعات النساء, وبما يوحي أن الفوضى ستظل مستمرة, وأن النساء بحاجة للعزل حفاظاً على خصوصيتهن, مع أننا اعتدنا على رؤية النساء يجلسن بمنتهى الاحترام على مقاعد المراجعين بانتظار أن يعلن صوت على السماعات دعوة الواحدة منهن إلى شباك معين, لانهاء معاملتها أو استلامها منتهية.

بعد يومين من العناء والمعاناة, سنعود إلى دائرة الترخيص على أمل إنجاز معاملتنا, التي اكتشفنا ضرورة الاستعانة بواحد من معقبي المعاملات لإنجازها, وهي خطوة تعود بهذه الدائرة إلى الخلف عشرات السنوات, وتسلكها في نفس صف دائرة الاراضي, وتبتعد بها مسافات ضوئية عن دائرة الجوازات, وأكثر ما هو مدهش أن الضابط المسؤول عن القسم الذي تقوم بمراجعته, ترك كأساً من الشاي على طاولته, وقيل لنه إنه يتابع معاملات المواطنين على الكاونتر, ولكنه لم يكن لاهنا ولاهناك, لأكثر من أربعة ساعات من السعي للوصول إليه وعلى مدى يومين.
إن كنت تنوي إنجاز معاملتك في دائرة الترخيص, إبحث عن معقب معاملات قد يتمكن بشطارته وفهلوته أو بطرق لانعرفها من إنجازها في يومين على الاكثر, أما حساب الوقت المهدور لمئات المواطنين الغلابى فان بالامكان إضافته لإنجازات دائرة الترخيص, قبل أن يكون من حقنا المطالبة بسحب جائزة التميز منها, ومنحها جائزة على مهارتها في تعذيبنا وتضييع وقتنا وقلة احترامها لنا.