facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ملامح البعد الأسطوري للبحث عن الذات في قصيدة النثر "انكسارات"


وداد أبوشنب
20-09-2020 12:26 PM

في رحلة البحث عن الذّات يعلن المبدع التّائه محمد كنعان عن قلقه الإنساني وعن ضياعه في رحلة التّيه منذ أن كان بدائيا، مبتدئا، لا يهم، فالأهم أنّه بعد عشرينَ ألفَ قصيدةٍ حيث يُفْتَرَض التميّز والإدارك، لم يجد نفسه بعد، لا زال يتلعثم في رؤيته، ويسرق من الضوء لون الصفصاف، عند هذه النقطة تبدأ الأسطورة، يبدأ الشّاعر عظيما كـ"بروميثيوس" العملاق الذي حارب إلى صف الآلهة والذي سرق من الأولمب شعلة من أجل البشر، فهو هنا يعبث بإنسانيته ويتحدى الإله بسرقة لون من الضوء، وينتفض من شعوره بالعجز لتحدي وجه أسطوري آخر هو وجه إله الحبّ "أيروس" في الثقافة الإغريقية. وبينما هو يتأرجح بين أقطاب الوحي الإغريقي، دون تحقيق أدنى هوية تُذكر، يبدأ بتفكيك الأسطورة، لتقديمها إلى القارئ التائه مثله، إلى "أسطوريمات" وهي أصغر وحدة تكوِّن الأسطورة، وقد استعملها "كنعان" من أجل أسطرة نصّه بالكامل، فيخرج عن نطاق المألوف إلى الصّورة التي أنشأها بالتدريج ليجعل القارئ يقظا ومتنبها ومتلهفا ومنتظرا لكلّ قطعة "بازل" puzzleتضاف إلى النّص فيقوم بالتقاطها ليجعلها في المكان المناسب.
أغرق الشّاعر في توظيف الأسطورة في نصّه هذا من أجل إبقاء القارئ بمحاذاة الخيال، فالأسطورة تضفي نوعا من الغرابة، وكلّ غريب محبّب لأن العقل البشري لا يلمسه فيحيله إلى الميتافيزيقا التي يلجأ إليها كلّما خذله الواقع في تفسير الظواهر.
هكذا يضع الشّاعر قارئه في بوتقة من غموض يتضح حينا ليُغرق مرة أخرى في الرمز الذي يطرحه في كلّ مرّة مع إبقاء "خيط أرياندي" قائما بينه وبين المتلقي.
يُهدي كنعان نصا مرصوصا بالرمز لقارئ ليهدمه ويفكك جزيئياته، فيصنف أسباب الخروج عن المعنى، ليعيد بناءها من جديد بوجه من وجوه التأويل المتاحة، عندما يقول مثلا:
((فلا السّماء تشبه جلديَ الأزرق،
ولا الأرض خصبة مثل اصفرار وجهي))
هذه الجملة واقعُ دلالتِها لا يرتبط بالمدلولات الموجودة مباشرة، وإن اتفقنا كلّنا على أن سقف الانزياح هنا عال جدا، متنوِّع ما بين استعارة وتشبيه وبناء أسطوري خارق، فالجلد الأزرق قد يعود إلى رجل الطوارق الذي يعيش في صحراء الجزائر وما جاورها مثلا، إذ يلقب بالرجل الأزرق، لكن بتتبع فتافيت الرمز المطروحة في النّص نتعثر بالعبارة الأولى من المقطع الثاني من الانكسارات:
((كَبوذيٍّ يجتث جثة جدِّه من الرمّاد .. أجتاز العاصفة))
فتحضرنا مباشرة أسطورة "كريشنا" الهندوسية، ذلك الشخص الداكن، الأزرق المختلف، الذي أصبح أفاتارا للإله فيشنو. وتتصاعد الأسطورة في النّص بعد بضعة أسطر فيقول الشّاعر:
((صلبني قومي على جدران الحياة
دون خطيئة ودون حبيبة أيضا))
يتسع مدى البعد الأسطوري هنا بين "كريشنا" المصلوب بوجود حبيبة حسب إحدى الأساطير، وبين "المسيح" المصلوب أيضا، لكن بدون حبيبة، لأنه (الشاعر) أراد في واقع الأمر أن يقترب من الألوهية بشكل من الأشكال، وألوهية كريشنا مدحوضة، فنحى منحى النبوّة المتمركزة في المسيح. هكذا يتذبذب كنعان في بحثه عن الذات بين الإله والنبي لعله يجد جذرا يشده إلى هناك، وفي كلّ مرة يقترب من روحٍ تروقه، يرتد مرة أخرى، ومع كلّ ارتداد يسحب روح القارئ (المنساق إليه) معه، ويعلن ذاته بمجموعة من الصّفات المتتالية بسرعة، تمنح النّص إيقاع الحقيقة:
((أحاوِلُ لملمة الأسماء المتعلقة بي
شاعرُ..هاوِ..سكيرٌ.عاشقٌ..متطفلٌ.متلعثمٌ..معقدٌ..مريضٌ
مشاغبٌ..مشاكسٌ..بدائيُ التكوُر في القصيدة
محترفٌ في اقتلاع الظل من اسمي الذي أحمله مرغماً عنهُ
لأتسلل بهِ إلى منصّات الشِعر وأتّهِم الحضور بالجنون)).

وفي ختام الرؤية حيثُ اكتمالُها الصوريُّ، يحدّد كنعان في قوله:
((أنا لا يكتب لأكون وحيا يتقن طقوس الشعر
أو طاووسا أزرقَ يرقص في شوارع نيودلهي
بل أكتب حتى أسترجع وجهي المؤقت
واستدارة جسدي ووحمتي المبتذلة
من صرخة الكون)).
يعود الشّاعر من صورة الآلهة إلى بشريّ أقلّ من العادي، مستدير الجسد، بوحمة ليست بالأنيقة، ويعود إلى الإنسانية بوجهه المؤقت الآيل إلى الفناء. بعد أن اتّخذ من الأسطورة عرشا يعكس ذاته المترفة بكلّ شيء، عاد لأجل الكتابة المتواضعة من أجل استعادة هويته التي بحث عنها بصورة أجمل، لكنّه لم يقتنع بغير ما هو عليه. تلك هي مأساة الإنسان منذ أن اعتنق الأساطير لتبرير بساطته، لتبرير عدم القناعة التي يحيا فيها، لتبرير أشياءَ كثيرةٍ لم تخرج من فضاء التكوّر الأسطوري!!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :