facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كُنْ معلِّمًا .. !!


د. يوسف عبدالله الجوارنة
03-10-2020 02:07 PM

تَبْدو الهُوَّةُ بين مُمثّلي المُعلِّمين والقائمينَ على إداراتِ التَّعليمِ -غالبًا- كبيرةً جدًّا، فلا غَرابةَ لذلك أنْ يكونَ ثمَّةَ شدٌّ وجَذبٌ بين الفريقين، يَتغيَّا فيه الأوَّلونَ الحفاظَ على رسالةِ التَّعليمِ، وإبقاءَها في سياقِها الحقيقيّ؛ نَشرًا للعِلْم، وتربيةً للأجيال، وحُبًّا للوطن، وحفاظًا على كرامةِ المُعلّمين، وهو ما لم تَتَّضحْ مَعالمُه عند الفئةِ الشُّوفينيّة القابعة في الغُرفِ الفاخرة، على الأرائك يَنْظرون إلى المعلّمينَ وَجَعِ الوطنِ، يَعْدُون ضَبْحًا، ويُثيرون نَقْعًا؛ لبناءِ جيلٍ يُؤمنُ بربِّه، وبالوطنِ قلعةً عَصيَّة على كلِّ العابرين من المماليكِ؛ يَتَعالَوْن في خطابِهم، وتَتضخَّمُ "الأنا" في مَراسيمِهم، ولا اجتهادَ في نُصوصِهم المُقدَّسة، والمُعلِّمون في أبجديّاتِهم رَعاعٌ من النّاسِ، ساقَهم القدرُ إليهم حقولَ تجاربَ، ولسانُ الحال: نَرفعُ مَنْ نشاءُ منهم، ونَخْفضُ من نريد، ولا قيمةَ لهذا "الهَمَج الهامج" في سياقنا؛ أنَّهم ذوو أثرٍ في إنجاحِ العمليَّةِ التَّعليميَّةِ والتَّعلُّميَّةِ تربويًّا وأخلاقيًّا ونفسيًّا، وعلاقةً حميمةً بين المُنشآتِ التَّربويَّةِ وشَرائحِ المُجتمعِ الأردنيِّ، فلا؛ لأنَّ الزَّمنَ تَجاوزَهم، وعفا على آثارِهم، وغَدوا نَسيًا مَنْسيًّا.

ألَا أيُّهذا القِرْمِزيُّ الزَّاجري أكونَ معلّمًا، وأنْ أشهدَ الطّابورَ: هل أنت مانعي؟
لو كنتَ مُعلِّمًا، لتواضعتَ في جاهِكَ، وتَذكَّرتَ فَقْركَ وعِوزَك وقلَّةَ ذاتِ اليدِ، وضيقَ الصَّدرِ والعَطَن- لكنَّك لم تَكن؛ فغابت عنكَ دروسٌ في المثاليَّةِ ومُحاضراتٌ في السُّلوك؛ حُرمتَها أنتَ، وثَقِفَها المُعلِّمون.

لو كنتَ مُعلّمًا، لَحنوتَ على فقيرٍ كَسيرٍ على هامشِ الأولاد؛ ارتسمَ على مُحيَّاهمُ حنانُ الأمِّ ورضى الأبِ؛ فيضحكونَ ويَبْكي، ويَلْعبون ويَنْزوي، ويَتراكضون إلى (المَقْصف) وهو مَحْروم، ولقرأتَ في وجهِ يتيمٍ انكسارَ اليُتْمِ، وحِرمانَ الغيابِ، ومَرارةَ العيشِ عند زوجِ أمٍّ، أو زوجةِ أب- لكنَّك لم تَكن؛ وسَطَّرتَ لنفسِك نموذجًا سَمْجًا في الأنفةِ والتَّعالي والاعتدادِ بالذات، وغابتْ هذه المفرداتُ عن قاموسِك الورديّ.

لو كنتَ مُعلّمًا، لرأيتَ قُدرةَ المعلِّمينَ على سَلِّ سَخائمِ المُتْرفينَ في مدارسِ الحُكومة، والوقوفِ بهم عند حُدودِ إنسانيَّتِهم- لكنَّك لم تَكن؛ فرُحتَ تُهرولُ على إخراجِهم مِن بين الفقراءِ والمساكين، والدَّفْعِ بهم إلى مدارسَ ذاتِ طرازٍ يناسبُ قامتَك وذاتَك العليَّة.

لو كنتَ مُعلّمًا ذا عيالٍ، لفكَّرتَ ألفَ مرَّةٍ وأنتَ تَطلبُ لواذًا دراهمَ مَعْدودةً مِن زميلٍ لك عازبٍ- لكنَّك لم تَكن؛ فجاءتكَ الدَّراهمُ تِباعًا، ورثتَها مِن ضرائبِ المُعْوزينَ والعاملينَ في قطاعاتِ الدَّولة، وكأنَّها استحقاقٌ دستوريٌّ لك.

لو كنتَ مُعلّمًا، لعاينتَ شرائحَ المجتمعِ المختلفةِ في حُجْرةٍ تَضيقُ وتَتَّسع، ولماشيتَ العامَّةَ في أحيائِهم وحاراتِهم وأسواقِهم، وجاريتَ جِدَّهم وهَزْلَهم، فضحكتَ لأفراحِهم وبكيتَ لأحزانِهم، وانكسرتَ لانكسارِ خواطرِهم- لكنَّك لم تَكن؛ وظننتَ كلَّ النَّاسِ يُساوونكَ في هيلمانٍ وقَصرٍ مَشيد، وقلتَ: هم شيءٌ ونحنُ أشياءُ، وهم سُوقة ونحنُ سادة؛ لا يستويان مثلًا!

لو كنتَ مُعلّمًا، لأدركتَ قيمةَ المكانِ الذي يعملُ فيه المعلِّمون؛ يُحافظونَ عليه بأيديهم، ويُعرِّفونَه (يزيِّنونه) بريشاتِهم، ويُغرِّدونَ للرَّايةِ صباحًا بحناجرِ أولادِهم، ويَهْتفونَ للملِكِ يَفْدونَه بأرواحِهم، ويُخْرجونَ منه للمجتمعِ نَماذجَ حيَّة، تَفيضُ حبًّا للوطنِ، وعشقًا للأرضِ، وولاءً للملِك، وإخلاصًا للأمَّة- لكنَّك لم تَكن؛ فبدتْ سوأتُك، وتَوارى جسمُك، وبُحَّ صوتُك، وعَرِيتْ وطنيَّةً طالمَا تَغنَّيتَ بها؛ فغرَّدتَ فلم تُحْسنِ التَّغريد، وتهيَّأتَ فارتجفَتْ ساقك، ولوَّحتَ بقدراتِك فانكشفَ عنك النَّاس.

لو كنتَ مُعلّمًا، لَذَرفتْ عيناكَ لِعَبراتِ زوجكَ التي أمَّلتْ أنْ تَتَسَّورَ بأصفرَ يُعيدُ إليها أنوثتَها المَكنونةَ الضّامرةَ في حناياها- لكنَّك لم تَكن؛ وظننتَ أنَّ امرأتك نُسجتْ على طِراقٍ غيرِ طِراقِ نساءِ المعلّمينَ، اللائي يَصْبرنَ لأجلِ الوطن ولا تستطيعُه زوجُك، ويُعلِّمنَ أولادَهن معنى الوطنيَّةِ الحقَّةِ الصادقةِ، لا المُزيَّفة الخَجْلى التي تَميسُ بها عَقيلتُك، ويَغْزلنَ الوطنَ خريطةً بهيَّة في بيوتهنَّ، وتَغزلُ زوجُك حريرًا تتأوَّدُ به في الليالي الحَمْراء؛ فزغردنَ للوطنِ وهَطلْنَ دموعًا حَرَّى، وغَنِجت عليكَ حليلتُك فكنتَ طَوعَ أمرِ المِغْناج؛ فإنَّها تأكلُ ما يَلذُّ لها ويَطيبُ، وترقدُ على الوثير، ولا تتمايلُ الماجداتُ إلَّا للوطنِ أيقونةً في وجدانِهنَّ، وشعارًا لحياتِهنَّ؛ فيأكلنَ الكَسيرَ ويَرْقدنَ على الحَصير.

لو كنتَ مُعلّمًا، لاعتذرتَ للمُعلِّمين ذوي أيادٍ بيضاءَ عليك، واعترفتَ لهم بِحقوقِهم المُغيَّبة، ولَسرتَ على الجادَّةِ من غيرِ تَخبُّطٍ ولا خُيلاء- لكنَّك لم تَكن؛ وقرَّرتَ أنَّ هؤلاءِ شِرْذمةٌ قليلون يُفسدونَ في الأرض.

لو كنتَ مُعلّمًا! لكنَّك لم تكنْ!
ما كنتَ ولن تكون؛ وتلك فضيلةٌ سَبَقكَ إليها المُلّمونَ سنينَ عددًا، وتَخلَّفتَ في سياقِها، وحُرمتَ نفحاتِها التي تُثيرُ فيكَ -لو كانتْ- إنسانيَّةً تَنْزلُ بها من بُرجكَ العاجيِّ، فتدخلُ في مَرابعِ النَّاسِ تَمْشي على الأرض.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :