facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




شاعر كرة القدم


د. موسى برهومة
01-12-2020 05:12 PM

غالباً ما تميل التعبيرات والأوصاف إلى المبالغة، لكنها في حالة مارادونا صادقة ودقيقة من حيث كونه «أسطورة» في كرة القدم والحياة، والأساطير تحكي، عادة، عن بطل خارق تنتجه فئة عرقية، أو شعب ما، في منطقة ما، في زمن ما، لكنّ اللاعب الأرجنتيني الراحل، اخترق حدود بلاده، وصار أيقونة عالمية، أحزن رحيلُه الصغار قبل الكبار، وتألم لموته الخاطف حتى الذين لا يعشقون كرة القدم.

اخترقت أسطورة مارادونا التاريخ أيضاً، فالذي تتلمذ على مهارات الجوهرة السوداء بيليه، ارتقى إلى عرشه ونازعه في لقب الأفضلية، رغم أنّ الفارق بينهما عشرون عاماً، فعندما سجّل بيليه هدفه الأول في مرمى الأرجنتين عام 1957 لم يكن مارادونا قد وُلد بعد.

ويعتقد كثيرون أنّ مارادونا انتزع العرش أو قاربَ من بيليه، وهذا ما لم يقوَ على فعله أي لاعب آخر من قبلُ ومن بعد. وقد تفوق على منافسه البرازيلي في حصيلة الأصوات التي حصل عليها في عملية الاقتراع لاختيار أعظم لاعب في القرن العشرين، قبل أن يغيّر اتحاد كرة القدم الدولي (فيفا) قواعد التصويت، ويخلص إلى تكريم اللاعبيْن معاً.

ورغم أنهما لاعبان ربما لا يتكرران كثيراً في عالم كرة القدم، إلا أنهما على مستوى السمات الشخصية مختلفان ومتناقضان، ولا يشبه أحدهما الآخر. بيليه رصين مهذب، لا يخرج عن النص، ولم تُعرف عنه أية فضائح، ولا تحفل سيرته بأية انزلاقات أو منعطفات، ولا يذكر أنه تعاطى المنشطات خلال رحلته الرياضية، ولم يدخل مشافي في حياته، إلا لإزالة الحصى قبل سنوات.

أما مارادونا فقد كان في الملعب وخارجه متمرداً على قوانين اللعب التي تعارف عليها خبراء الكرة؛ فهو قصير وممتلئ، لكنّ هاتين السمتين النافرتين كانتا من أسرار تألقه، فكان كالعفريت يركض في الملعب، ويراوغ، ويقفز في الهواء، متحدياً الجاذبية، ومسجلاً هدفه المختلَف عليه في مرمى منتخب إنجلترا في بطولة العالم عام 1986، حين قال إنّ يداً إلهية ساعدت في تسجيل الهدف.

وكما ملأ الدنيا وشغل الناس في الملعب، فقد فعل مارادونا الأمر ذاته في ملعب الحياة الفسيح؛ فحطّم كل القواعد، وأطاح القوانين، وأصغى إلى الطفل المشاكس في داخله، وأسلمه قيادَه حتى بطش به، وكاد في مرات كثيرة يودي به إلى التهلكة.

ابتسمت الحياة لماراودنا أكثر من مرة، وامتدت اليد الإلهية لتنقذه من براثن الموت، بعد دخوله في حالة الإدمان الطويل الذي يهدّم الهالة دائماً، لكنه في وضع مارادونا كان الأمر مختلفاً؛ فقد أحبّه الناس بكل عثراته ونواقصه، لأنهم ينتسبون إلى روحه الثائرة التي جعلته يعيش الحياة كقصيدة بركانية لا يُعرف مطلعها، ولا تُدرَك خاتمتُها، فصار بفضل ذلك «شاعر كرة القدم» بحسب وسائل الإعلام التابعة للفاتيكان، ولمواطنه البابا فرانسيس الذي التقى، غيرَ مرة، اللاعبَ.

العالم تسامح مع مارادونا لأنه يريد أن يردّ الديْن إلى اللاعب الذي ملأ قلوب الملايين بالبهجة، لا سيما أطفال الحواري في الأزقة الفقيرة المترامية على مدّ البصر من بوينس آيريس إلى عمّان، حيث في الأخيرة يدهن الفتية الصغار في مخيم اللاجئين بالطباشير الزرقاء فانيلاتهم البيضاءَ، ويضعون باللاصق الأسود الرقمَ 10 على ظهورهم، ويطلقون على أنفسهم اسم اللاعب البسيط، الهشّ، المأهول بالأحزان والخيبات، الوحيد رغم الكاميرات، الشعبي، غير الرسمي، وغير المتحفظ، النزق الذي يطلق الرصاص على الصحفيين، والساخر المسحوب من لسانه والذي قال عن كريستيانو رونالدو «يسجل هدفاً ويبيع شامبو»!

مارادونا لا يشبه أحداً سواه، وبرحيله نتساءل مع محمود درويش، الذي نُسب إليه أنه كتب عنه بعد أن أحرزت الأرجنتين كأس العالم عام 1986: مع مَن نسهر، بعدما اعتدنا أن نعلّق طمأنينة القلب وخوفه، على قدميه المعجزتين؟

(البيان)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :