facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عمرو موسى يكشف "خلفيات" تعيينه أمينا عاما للجامعة العربية


06-12-2020 11:52 PM

عمون - نشرت صحيفة الشرق الأوسط بالاتفاق مع دار الشروق الحلقة الثانية من فصول كتاب الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى «سنوات الجامعة العربية»، الذي سيصدر قريباً عن «دار الشروق» المصرية، يتحدث موسى عن فترة تسلمه منصب الأمين العام للجامعة خلفاً لعصمت عبد المجيد، وتفاوت وجهة النظر العربية بين بقائه وزيراً للخارجية المصرية وبين تسلمه منصبه الجديد. ويكشف موسى أن عبد المجيد فاتحه برغبته بالبقاء بعد انتهاء ولايته، إلا أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك رفض «لأن الجامعة نايمة وح تموت». ويتحدث موسى عن الدعم المادي الخليجي، خصوصاً من السعودية، الذي تلقاه وساعده على إحداث تغيير في الجامعة، بدءاً من مقرها الرئيسي وموظفيها، وصولاً إلى الدور الفاعل في كل القضايا العربية. وكان من أبرز القضايا التي طرأت بعد 4 أشهر من تسلمه منصبه، أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وما خلفته من تداعيات على العرب والمسلمين والتي أظهرت «المشاعر السلبية تجاهنا»، مستعرضاً مساعيه لمعالجتها بدءاً من اتصالاته وتصريحاته، مروراً بلقاءاته مع المسؤولين الأميركيين، وصولاً إلى تنظيمه مؤتمراً تحت شعار: «حوار الحضارات، تواصل لا صراع».

وتالياً ما نشرته الصحيفة:

حدثني الدكتور عصمت عبد المجيد، الأمين العام للجامعة العربية تليفونياً في الأيام الأخيرة من نوفمبر (تشرين الثاني) 2000. طالباً أن نلتقي لنتحدث في بعض الأمور الهامة، ومنها «منصب الأمين العام». فقلت: «وهو كذلك يا سيادة الأمين العام، سوف أزورك في مكتبك قبل نهاية الأسبوع»، وهو ما كان. ذكر الدكتور عصمت أن فترة ولايته على وشك الانقضاء، وأنه لا يزال قادراً على العطاء، وربما يكون من الممكن مدّ فترة الولاية سنة أو سنتين لأنه يعرف أن فترة ثالثة كاملة سوف تقابل بالرفض من عدد من الدول الأعضاء. وعدت بعرض الأمر على الرئيس مبارك، وهو ما فعلت مساء اليوم نفسه، وكان مما قلته للرئيس إنه قد يرى الموافقة ولو لفترة عام يمثل تكريماً، ويمكننا من التوافق على الشخصية المناسبة للمنصب. فكان رده: «قل له كفاية لحد كده.. يا راجل دا فيه دول مهمة في الجامعة أبلغتني أن الجامعة نايمة خالص وح تموت». ثم أضاف بشيء من الحدة: «كفاية كدا.. ما فيش تجديد».

بعد يومين أبلغت الدكتور عصمت تليفونياً أن هناك صعوبة في تلبية طلبه. تفهّم الرجل بهدوئه المعهود ولم يثر الموضوع مرة أخرى.

في صباح أحد الأيام الشتوية أواخر سنة 2000، وبينما أنا جالس على مائدة مستديرة في مكتبي بوزارة الخارجية أقرأ تقريراً ما، وأستمتع بشمس الشتاء، رن جرس التليفون الرئاسي. كان المتحدث سكرتير الرئيس للمعلومات السفير ماجد عبد الفتاح. بدأ حديثه بأن الرئيس يطلب من الوزير أن يعرض عليه اسماً أو أكثر يصلح أميناً عاماً للجامعة العربية، وأن الوقت أزف لتتقدم مصر باسم مرشحها للمنصب الكبير.

- رسالة مبارك

أردف السفير أنه «بكل صراحة يرى (بيننا وبين بعض) أنه لا أحد يصلح إلا سيادتك، وهو أيضاً رأي الرئيس». أدركت على الفور أنها رسالة من الرئيس مبارك. كان ردي: «شوف يا ماجد.. قل للرئيس إنني موافق». لم تأخذ المكالمة أكثر من عدة دقائق. عاد السفير إلى الرئيس بعدها بالحل: الوزير موافق على أن يكون هو المرشح.

أعلنت مصر خبر ترشحي لخلافة عصمت عبد المجيد رسمياً في 15 فبراير 2001. وهو ما أحدث ضجة كبرى في مصر، كما في عدد كبير من العواصم العربية، بل والدولية. أعتقد أن واشنطن وتل أبيب سعدتا بذلك الخبر كثيراً. في مقابل شعور عربي يرى أن بقائي على رأس الخارجية المصرية أنجع وأكثر فائدة للمصالح العربية العليا.

يحكي الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، وزير خارجية السودان الأسبق، أن العقيد (معمر) القذافي وعمر البشير كانا مجتمعين في الخرطوم ومعهما وزيرا خارجيتيهما - الليبي علي التريكي، والسوداني مصطفى عثمان إسماعيل - وقت الإعلان عن ترشحي رسمياً لمنصب الأمين العام لجامعة العربية. ناقش الرئيسان ذلك الترشيح، ورحبا بهذا الاختيار، لكنهما مع وزيري الخارجية كانوا قلقين بالنسبة لشخص وزير الخارجية القادم في القاهرة. وذكر مصطفى عثمان للقذافي والبشير أن «مصلحة العرب والمنطقة تستدعي أن يبقى عمرو موسى وزيراً لخارجية مصر».

- الدعم السعودي والخليجي

من ناحية أخرى، أبدى لي وزير خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل أن المملكة تؤيد عمرو موسى أينما كان وزيراً للخارجية أو أميناً عاماً للجامعة العربية، وأنني سوف ألقى منهم كل الدعم اللازم. أذكر أنني أثرت مع الأمير سعود الوضع المالي للجامعة الموشك على الإفلاس، وأنه من المهم دعمي بصفتي الأمين العام الجديد بما يمكنني من الحركة وإصلاح مؤسسة العمل العربي المشترك. وعد بالعرض على الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد آنذاك، مع دعمه وتأييده لهذا الطلب.

كنت أرى أن الجامعة قابلة للإصلاح، إذا أديرت إدارة حديثة، ووجدت الأموال اللازمة كي يشعر موظفوها بالأمان؛ ومن ثم يعطون أفضل ما لديهم. وبالفعل قمت بجولة في دول الخليج خرجت منها بوعود على أعلى المستويات بأنهم سوف يقدمون الأموال اللازمة في صورة دعم خاص للجامعة، بخلاف حصة كل دولة في الميزانية، مع تمكيني من التصرف فيها كما أريد، ثقة منهم في قدرة الإدارة الجديدة في الجامعة على دفع العمل العربي المشترك قدماً للأمام.

وبالفعل قرر الأمير عبد الله، ولي عهد السعودية آنذاك، دفع ستة ملايين دولار، وقرر السلطان قابوس سلطان عمان دفع ثلاثة ملايين دولار، وقرر الأمير حمد آل ثاني، أمير قطر، تقديم ثلاثة ملايين دولار، والصندوق العربي للتنمية في الكويت مليون دولار تخصص لتحديث الاتصالات في الأمانة العامة، وبعث إلي الشيخ حمدان بن زايد وزير الخارجية الإماراتية آنذاك بمبلغ مليون دولار اعتبرته تمهيداً لمبلغ أكبر في إطار ما يكنه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس الدولة، من إيمان بالجامعة العربية، ورغبته - رحمه الله - في دعم عمرو موسى، كما ذكر لي شخصياً.

- اليوم الأول في مقر الجامعة

في التاسعة والنصف من صباح 16 مايو (أيار) 2001 خرجت من بيتي وكانت سيارة الأمين العام في انتظاري. كانت سيارة قديمة ومتهالكة. لفت نظري رفع علم الجامعة العربية عليها. طلبت من الحارس إزالة العلم؛ فليس هناك ما يدعو لأن أسير في شوارع القاهرة بسيارة يرفرف عليها علم. قبيل العاشرة وصلت مقر الجامعة العربية في أول يوم لي أميناً عاماً لها. قصدت أول ما قصدت مكتب الأمين العام في الطابق الأول، ومعي السفير سمير سيف اليزل، وهو شخصية تنفيذية جيدة، انتدبته معي من وزارة الخارجية للإشراف على الشؤون المالية والإدارية بالجامعة. جلست أولاً في صالون المكتب، هالني أن الأنوار في الطابق كله خافتة، ودهانات الحوائط أكل عليها الزمان وشرب! قلت لسيف اليزل هذا المنظر يجب أن يتغير على الفور. افتحوا النوافذ، ادهنوا الحوائط بألوان فاتحة، واجعلوا الإضاءة زاهية كي لا تشجع على النوم!

كدت أجن عندما وقعت عيني على أسلاك التليفونات التي كان بعضها في الهواء أو على الحوائط. قلت إذا كان هذا المنظر في مكتب الأمين العام، فما بالنا ببقية المكاتب؟! طلبت حضور مدير الشؤون الإدارية. قلت له: هذا المنظر لا أراه في الغد. قال الرجل: «حاضر يا فندم.. لكن امنحنا وقتاً لأن الأمر مرتبط بمصلحة التليفونات». قلت: عندك إلى نهاية الأسبوع، مفيش حاجة اسمها أسلاك في الهوا وتحت الشبابيك وتحت السجاجيد وعلى الحوائط.. الكلام ده ما يمشيش.. فاهم؟ قال لي: حاضر. استغرق تغيير هذا الوضع أسبوعين، ولكنه تغيّر بالفعل.

على صعيد تطوير مبنى الأمانة العامة للجامعة العربية عرضت المملكة المغربية تطوير قاعة من قاعات الجامعة، وتم ذلك بالفعل على الطراز المعماري المغربي الجميل، وطورت الصين قاعة ثانية هدية لي شخصياً. ثم غيرنا من ترتيب جلوس الوفود في القاعات، فكان يبدأ بالياء وينتهي بالألف، فأصدرت أوامري بأن يبدأ بالعكس، فكل وفد يدخل يجد نفسه جالساً في غير المكان الذي اعتاده لعشرات السنين. أجريت ذلك كله لإحداث الشعور بأن هناك وضعاً جديداً في الجامعة - على الأقل من حيث الشكل - يبدأ من مكان الجلوس، ولون الحوائط وفتح الأبواب والنوافذ المغلقة.. إلخ.

- فريق العمل بالجامعة

اقتناعي كان راسخاً بأنه لا تطوير لمنظومة العمل العربي المشترك دون تطوير الكادر البشري من العاملين في الجامعة العربية والمؤسسات التابعة لها. بدأت ألتقي العاملين في شكل مجموعات، كل مجموعة تضم خمسة أو ستة أفراد لفرز من يمكن الاعتماد عليهم. من ضمن من قابلت ابنة الدكتور أحمد فتحي سرور، وكان رئيساً لمجلس الشعب وقتها. سألتها: أنت متعلمة فين؟ قالت: في مدرسة «المير دي ديو» la Mère de Dieu الفرنسية. لكنها قالت إنها نسيت اللغة الفرنسية، إذ لم تستخدمها منذ أن تخرجت.

قلت لها: هذا أول وآخر لقاء معك.. اذهبي إلى المركز الثقافي الفرنسي وتعالي بعد ثلاثة أشهر تستعيدين فيها اللغة. إذا رجعت من دون شهادة إجادة الفرنسية لا مكان لك في الجامعة العربية. ذهبت تشتكي لوالدها، فقال لها: ما قاله لك عمرو موسى هو عين العقل. يجب أن تستعيدي لغتك. ووبخها. وقد كان، وعادت بعد أن استعادت قدرتها على التواصل بالفرنسية، وأصبحت مديرة لإدارة، مجدة ومجيدة في عملها.

خلال أول شهرين من اللقاءات مع العاملين اخترت منهم نحو 30 فرداً يمكن الاستثمار فيهم والاعتماد عليهم. وبدأت أكلفهم بمهام، وجدت أن تعليمهم راقٍ ولديهم الاستعداد للتطوير والعمل. كانوا لا يقلون في المستوى عن العاملين في أي منظمة أخرى... فقط يحتاجون التوجيه والثقة.

- أحداث 11 سبتمبر 2001

نحو أربعة أشهر فقط مرت على تسلمي مهام منصبي أميناً عاماً للجامعة العربية، عندما تعرضت الولايات المتحدة الأميركية لهجمات 11 سبتمبر سنة 2001. وبينما أنا منهمك في إعادة هيكلة الأمانة العامة للجامعة لتتواكب مع النقلة النوعية التي أنشدها للعمل العربي المشترك، حدثت تلك الفاجعة المروعة ذات الآثار السياسية المدمرة.

كنت في مكتبي بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية يوم 11 سبتمبر 2001 عندما دخل أحد مساعدي مسرعاً في حدود الثالثة و10 دقائق بعد ظهر القاهرة (8:10 صباحاً بتوقيت نيويورك): سيادة الأمين العام.. سيادة الأمين العام.. أرجوك افتح التلفزيون. الولايات المتحدة تتعرض لهجوم جوي.

على الفور فتحت محطة CNN وإذا بها تبث صورة لطائرة تصطدم بأحد برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وتحدث فجوة كبيرة في الواجهة، وتنتشر سحابة دخان ضخمة من الطوابق العليا. لم تمر سوى 4 دقائق فقط على فتح التلفزيون وإذ بنا نفاجأ بطائرة ثانية تصطدم بوسط البرج الثاني من مركز التجارة العالمي وتحدث انفجاراً قوياً. قلت: يا إلهي.. ما هذه الحرب التي تبث على الهواء مباشرة!! إنها أميركا.. القوة الجبارة في العالم.. أيعقل أن نظامها الأمني هش إلى هذه الدرجة؟!

- من فعلها يا ترى؟

دعوت إلى اجتماع فوري لعدد من المستشارين والمساعدين، وتحدثت إلى وزير الخارجية المصرية، أحمد ماهر السيد. تحدثت تليفونياً إلى عدد من وزراء الخارجية العرب وكان منهم وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، الذي كان بالفعل مقدراً لخطورة الموقف، وتعّدى الأحداث في ذاتها إلى التفكير في عواقبها، ومن ثم بدأ مسار من التشاور بيننا فيما يجب أن نقوم به في الإطار العربي، وأخطرته بأنني أفكر جدياً في عمل تقوم به الجامعة العربية إعداداً واستشرافاً لردود الفعل على هذا الحدث الجلل.

عندما بدأت التقارير التي تبثها وكالات الأنباء وتذيعها القنوات الأميركية تشير إلى الاشتباه في تورط عرب في تلك الهجمات، قلت لزملائي: هذا ما كنت أتحسب له... ينتظرنا عمل شاق وطويل قد يستغرق سنوات، بعد أن أصبح العرب ودينهم الرئيسي (الإسلام) في موضع الاتهام.

طلبت من المساعدين المتابعة الدقيقة وموافاتي بالتطورات، وانهمكت في اتصالاتي مع قادة ووزراء عرب، بعضها تم بناء على طلبي، وبعضها تم بناء على طلبهم. في اليوم الثاني والثالث تلقيت طلبات من قنوات تلفزيونية أميركية للتعليق على الأحداث.. الجامعة العربية مدعوة للتعليق على عدوان مواطنين عرب على مدن الولايات المتحدة.. ذكر المستشارون أنه يجب تجنب الحديث في العلن باسم الجامعة العربية قبل اجتماع مجلسها على أعلى مستوى ممكن، وذكر آخرون أن التلفزيون الأميركي يحاول توريط الجامعة.. إلخ.

لكنني كنت عازماً على الرد على الاتهامات التي تطال كل العرب وكل المسلمين، ووجدتها فرصة لا يصح إضاعتها لتأكيد دور الجامعة العربية باعتبارها متحدثاً باسم الدول العربية في مثل تلك الظروف، فوافقت على لقاء أكثر من برنامج، منها لقاء محطة NBC التي كانت أول المحطات الأميركية التي وصلت القاهرة.

قبل اللقاء أجريت عدداً من الاتصالات بالوزراء العرب وكذلك بالسفراء العرب المعتمدين لدى الجامعة وأخطرتهم بأنني سوف أتحدث إلى وسائل الإعلام العالمية فوراً، للتنديد بالحدث الإرهابي، ولتعزية الولايات المتحدة، ولإعلان رفض أي علاقة لهذه الحفنة من الأفراد المنحرفين المتهمين بالضلوع في الجريمة بمسار السياسة أو الدبلوماسية أو العلاقات العربية مع الولايات المتحدة، وأن الخلافات لا تحل هكذا.

- هجمة شرسة على العرب والمسلمين

تعرض المسلمون، وبخاصة العرب منهم في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا في أعقاب أحداث 11 سبتمبر لموجة شرسة من الاضطهاد والتمييز، باعتبار أن أصابع الاتهام وجهت ضد عرب يدينون بالإسلام في الضلوع في تنفيذها. والحق أن التربة الأميركية والغربية كانت في تلك الأثناء - وما زالت - خصبة لمشاعر العداء والكراهية للمسلمين والعرب، وجاءت هذه الأحداث، لتمثل الذروة في التعبير عن هذه المشاعر السلبية تجاهنا. واستناداً إلى جريمة كانت بالفعل شنيعة.

أذكر أن رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني صرح في أعقاب أحداث 11 - 9 من برلين أن «الحضارة الغربية تفوق الثقافة الإسلامية، وأنه ليس للإسلام بصمات على الحضارة العالمية»، وهو ما رددت عليه حينئذ بمنتهى القوة؛ فقلت إن تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي «تجاوزت حدود العقل... لا نعتقد أن هناك حضارة متفوقة، وإذا كان قد قال ذلك الكلام فهو مخطئ تماماً، وعليه أن يعتذر»، وهي التصريحات التي نقلتها عني وكالات الأنباء وأشارت إليها كبريات الصحف العالمية.

وبالفعل تراجع برلسكوني عن تلك التصريحات العنصرية، فبعد أن قال في البداية، إن فهمه أسيئ، وإن كلماته أخرجت عن السياق، اجتمع مع سفراء دول إسلامية ودبلوماسيين كبار، وقال لهم إن التصريحات المثيرة للجدل، التي زعم فيها تفوق الحضارة الغربية على الإسلام، قد نسبت إليه زوراً، وإنه «لم يتفوه قط بهذه الكلمات».

كما زرت الولايات المتحدة في نوفمبر 2001 لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اقتصرت فعالياتها بسبب أحداث 11 - 9 على أسبوع واحد. التقيت خلال تلك الزيارة عدداً من المسؤولين الأميركيين، الذين بدوا في معظمهم على الأقل ممتنين لتصريحاتي التي أدانت بقوة هذه الأحداث. أكدت لهم أن العالم العربي يقف مع بلادهم ضد الإرهاب المخرب والمدمر‏. وقلت إن ما حدث من اعتداءات لم يتم باسم الشعوب العربية والإسلامية أو بتكليف منها. لال زيارتي للولايات المتحدة عقدت عدداً من الاجتماعات مع الجاليات العربية هناك، أولها كان في واشنطن‏. استمعت إلى مشاكلهم المتعددة. ونصحتهم بضرورة وجود صوت عربي يتحدث باسمهم‏. وناقشت ذلك خلال لقائي مع وزير الخارجية الأميركية كولن باول ومع آخرين في الإدارة الأميركية، مؤكداً على أن موضوع التمييز ضد العرب لا يمكن ولا يصح أن يستمر.

- «حوار الحضارات‏، تواصل لا صراع»

الحقيقة أنني خلال المناقشات مع عدد من المسؤولين والمثقفين الغربيين لمست أن بعضهم لا يتفق مع الحملة ضد العرب‏، وأنهم مدركون لخطورة تلك الحملة، ويرون أن العرب يجب أن يردوا عليها‏. وهو ما زاد من عزمي على عقد مؤتمر «حوار الحضارات‏، تواصل لا صراع» بمقر جامعة الدول العربية يومي 26‏ و‏27‏ نوفمبر 2001، بحضور أكثر من 100 مفكر عربي ذوي صلة بالوضع السياسي والثقافي في الدول الغربية‏، يمثلون الدول العربية والجاليات العربية في الدول الأجنبية‏.

لقد ناقش المشاركون على مدى يومي الحوار 40 ورقة عمل مقدمة للمؤتمر، إلى جانب ورقة العمل‏‏ التي أعدتها الأمانة العامة للجامعة العربية بشأن الخطوط العريضة للحوار، وذلك من أجل الخروج بخطة عمل للتحرك السريع ضد الهجمات الغربية على العرب والمسلمين، مع عرض الخطة بالكامل على الحكومات العربية وعرضها كذلك على القمة العربية التي كان مقرراً عقدها في بيروت في مارس (آذار) 2002. وهو ما تم.

وجه البعض انتقادات للمؤتمر، فقال: بدلاً من أن تقوم جامعة الدول العربية بدعوة المفكرين والمثقفين من كافة العالم الإسلامي، باعتبار أن الحوار سيكون بين الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات، فقد اقتصرت على دعوة مثقفين عرب فقط، وهو ما رددت عليه في حينه بأننا نعمل على تحريك التعاون العربي - العربي والفهم المشترك كمقدمة ضرورية للعمل على إطلاق تعاون عربي - إسلامي للمواجهة المشتركة للتحدي الحضاري القائم.

 


الحلقة الاولى:
بعد 3 سنوات من إصدار الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الجزء الأول من سيرته الذاتية، يصدر قريباً كتابه الثاني بعنوان «سنوات الجامعة العربية» عن «دار الشروق»، وهو من 19 فصلاً، موزعة على 574 صفحة من القطع الوسط.

يميط موسى في كتابه الذي تنشر «الشرق الأوسط» بعضا مما ورد فيه على 7 حلقات بدءاً من اليوم (السبت)، اللثام عن أسرار 10 سنوات (2001 - 2011)، مليئة بالأحداث الجسام في بلاد العرب، كان خلالها أمينا عاما لجامعة الدول العربية، إذ لم تُترك قضية سياسية، في أي بقعة من بقاع العالم العربي من محيطه إلى خليجه، كانت الجامعة وهو شخصياً، طرفاً فيها إلا وتناولها.

في هذه الحلقة من الكِتاب الذي خَصص له فصلين على مساحة 90 صفحة، تناول دوره في حل الأزمة السياسية التي ضربت لبنان منذ نزول المعارضة اللبنانية بزعامة «حزب الله» وحليفه الماروني «التيار الوطني الحر» إلى الشارع مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2006؛ للمطالبة بإسقاط حكومة فؤاد السنيورة، وصولاً إلى اتفاق الدوحة في سنة 2008.

في 14 فبراير (شباط) 2005 كنت في مكتبي في جامعة الدول العربية أجهّز للسفر إلى عدن لحضور أول انعقاد للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية خارج مقرها، والذي كان سيفتتحه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح. كنت أتابع «قناة الجزيرة» التي أعلنت فجأة وقوع انفجار ضخم في بيروت، وقد يكون أصيب فيه الرئيس رفيق الحريري. تنقلت بين المحطات الفضائية إلى أن وصلت إلى «قناة العربية» وسمعت إعلان مصرع رفيق الحريري، مع 21 شخصا.

اتصلت بمدير مكتبي، وطلبت منه ترتيب سفري إلى لبنان فوراً، واتصلت بوزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي وقلت له إنني لن أتمكن من الحضور بسبب ما حدث، وإنني سأتوجه إلى لبنان.

اتصل بي بعد قليل الرئيس علي عبد الله صالح، مشدداً على ضرورة حضوري إلى اليمن، قائلا: يا أخ عمرو إيه الحكاية دي؟

قلت له: يا سيادة الرئيس هناك أولويات... سأتوجه إلى بيروت وأعتذر منك.

أرجوك أن تقبل اعتذاري لأن اغتيال رفيق الحريري فاجعة عربية وتطور خطير جداً، ولا بد أن يكون أمين عام الجامعة العربية موجوداً في لبنان.

قال لي بطريقته: لا لا لا ملكش حق. حضورك ضروري.

عندما تعبت من إقناعه، قلت له: على أي الأحوال يا سيادة الرئيس، لن أحضر إلى اليمن اليوم.

سافرت في اليوم ذاته إلى بيروت، ومن المطار إلى قصر الحريري. وجدت نجليه سعد الدين وبهاء. قدمت لهما واجب العزاء، وكان القصر يموج باللبنانيين. كنت أول المعزين من خارج لبنان، وأخذت العزاء معهما أيضاً، وبقيت في القصر حتى ساعة متأخرة من الليل. الطريف في هذا الظرف الحزين، أن أول وزراء الخارجية العرب الذين وصلوا إلى بيروت كان الدكتور أبو بكر القربي، وزير خارجية اليمن الذي لم يحضر أيضاً اجتماع عدن.

في اليوم الثاني، كان تشييع الجنازة، ولم تكن الدولة اللبنانية مستعدة، وبالنظر إلى الوضع الأمني المتفاقم في بيروت في هذا الوقت، وضعني الصديق العزيز الرئيس نبيه بري تحت رعايته الأمنية عبر حراسة مجلس النواب.

كان واضحاً أن بعض أقطاب الطائفة السنية وبعض الأحزاب المارونية وغيرها، يشيرون بأصبع الاتهام إلى سوريا في جريمة اغتيال الحريري. وبعضهم أشار بأصبع الاتهام إلى «حزب الله»، ولكن بالأساس كان الاتهام موجهاً إلى سوريا، فوجدت أن أفضل شيء يقوم به الأمين العام للجامعة العربية أن يسافر إلى سوريا ويتحدث مع الرئيس بشار الأسد.

في اليوم الثالث على اغتيال الحريري، طلبت زيارة سوريا. قالوا لي: تفضل فوراً. توجهت في حراسة شديدة للغاية من قبل الحكومة اللبنانية حتى وصلت الحدود السورية، حيث تسلمني الحرس السوري إلى القصر الرئاسي مباشرة. استقبلني الرئيس بشّار وكان الحديث صريحاً جداً، وما قيل عن أن بشّار كان كثير الكلام قليل العمل ليس بالضرورة صحيحاً.

قلت له: يا سيادة الرئيس، إنني جئت من لبنان حيث المشاعر ثائرة بعد ما حدث، وإن مصرع رفيق الحريري لن يمر بسهولة، وإن موضوع الوجود السوري أصبح الآن مطروحاً بقوة، وهناك مطالبة كبيرة جداً بانسحاب القوات السورية، أصحاب هذه المطالب لا يتحدثون من فراغ عن انسحاب القوات السورية، بل يتحدثون استناداً إلى القرار 1559، الذي اتخذه مجلس الأمن في 2 سبتمبر (أيلول) 2004. أنا أنقل هذا الكلام وأسمع اتهامات واضحة لسوريا بمقتل الحريري، ومن ثم فإن الوقت مناسب لإعادة النظر في موضوع الوجود السوري في لبنان للتهدئة وإدخال عناصر إيجابية إلى موقف مليء بالسلبيات.

قال لي: أنا أول رئيس سوري يسحب قوات من لبنان، فقد كان هناك أكثر من 60 ألف عسكري سوري عند وصولي إلى الحكم، خفضت العدد إلى 35 ألف عسكري الآن، ومستعد أن أسحب وسأسحب قوات إضافية، ولا مانع لدي أن أسحب جميع القوات. فسألته: هل أستطيع يا سيادة الرئيس أن أعلن أنك قررت سحب الجيش السوري من لبنان؟

فقال: نعم، تستطيع إعلان ذلك، فأنا قلت لك إنني سأسحب الجيش.

خرجت وأعلنت أن الرئيس بشار الأسد فعلاً قرر سحب القوات السورية، وأنه سيبدأ بهذا قريباً، وأظنني قلت إن ذلك سيتم في إطار وقت محدد. حضر لقائي مع الرئيس وزير الخارجية فاروق الشرع. وتناولت الغداء معه، وكنت كلما أثير الموضوع، لم يكن الشرع يتمادى في الحديث عن سحب القوات. كان يريد تجاهل هذا الموضوع. لم يكن فاروق الشرع مرتاحاً لما قلته لعدد من الصحافيين السوريين من أن الرئيس قرر بدء انسحاب الجيش السوري من لبنان.

- حرب تصريحات

غادرت سوريا براً إلى بيروت وعدت بالطائرة إلى القاهرة ووصلتها مساء. فتحت الراديو في السيارة وسمعت على الـ«بي بي سي»: كذّب مسؤولون سوريون ما ذكره الأمين العام لجامعة الدول العربية عن أن الرئيس بشار الأسد تحدث إليه عن سحب القوات من لبنان.

استشطت غضباً، واتصلت فوراً بفاروق الشرع، فسألني: ماذا تريدنا أن نفعل؟

قلت: لقد استمعتَ شخصياً إلى الرئيس بشار وتأكيده بدء سحب القوات وعلى الطريق نحو سحبها نهائياً، وأنه وافق على أن أصرح بذلك. ومن ثم أرجو سحب هذا البيان وتأكيد تصريحي كأمين عام للجامعة بعد لقائي بالرئيس، وتجنب أن ندخل في حرب تصريحات لأنني سوف أصر طبعاً على ما ذكرته بعد اللقاء.

قال: حسناً سأعرض الموضوع على الرئيس.

وبعد دقائق حدثني وزير الإعلام السوري، وقال إن لديه تعليمات بأن يعود إلي لأذكر له ما أريد إذاعته وسيذيعون ما أريد.

كان واضحاً أن الرئيس الأسد أمر بإصدار تصحيح يؤكد أن الرئيس قال هذا الكلام للأمين العام، وهذا شيء مهم يدل على المصداقية، في حين أن المساعدين أو الإدارة السورية حاولت أن تضع غطاء على انسحاب القوات السورية، وربما كانت ضد هذا الانسحاب، إنما الرئيس كان واضحاً في تفكيره وفي حركته، وبدأ فعلاً بتخفيض القوات ثم سحبها كلها.

- دوافع الاغتيال

في تفسيري لدوافع اغتيال الحريري أقول: إنه كان زعيماً قادراً على أداء الزعامة وممارسة القيادة، كما كان ذا هيبة خاصة، سواء في أوساط سنة لبنان أو في الأوساط السياسية والاقتصادية والمجتمعية في لبنان كله، ثم إن وجود رجل في حجم الحريري على قمة الطائفة السنية كان يعني ثقلاً لا يمكن تجاهله في مواجهة ثقل (حزب الله). إن إزاحة الحريري من الطريق كان لحسابات إقليمية بعيدة المدى، ويرتبط بها جزء مهم مما نشاهده في لبنان الآن.

بين مارس (آذار) ويونيو (حزيران) 2006 توصّل مؤتمر الحوار الوطني اللبناني بمشاركة الزعماء والأقطاب، إلى توافق بشأن المحكمة الدولية والعلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا وترسيم الحدود، وتحديدها في مزارع شبعا، وحول السلاح خارج المخيمات الفلسطينية، وجرى نقاش جدي لم يستكمل بشأن سلاح «حزب الله».

أشعرنا الحوار الوطني أن الأمور تمضي إلى صيف لبناني هادئ، خصوصاً على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، لكن لم يمض وقت طويل على تلك الأجواء الباعثة على التفاؤل في لبنان. ففي 12 يونيو - تموز 2006 هاجمت قوة تابعة لـ{حزب الله» اللبناني موقعاً عسكرياً إسرائيلياً على الحدود، ونتج عن هذه العملية أسْر جنديين إسرائيليين؛ إضافة إلى مقتل 8 آخرين. ردت إسرائيل على هذه العملية بقصف مفرط القوة مثل الذي نفذته على غزة قبلها بأيام.

كان هناك انقسام عربي فيما يخص ما أقدم عليه «حزب الله» من تصعيد مع إسرائيل، حيث اعتبرت مصر والسعودية أن هذه مغامرة من جانب الحزب؛ وهنا يجب أن أقول إن إدارة السياسة العربية، خصوصاً حين يتعلق الأمر بأزمة ممتدة الجذور منتشرة الفروع تتصل بسياسات عالمية ومصالح متناقضة لدول كبرى مثل الصراع العربي - الإسرائيلي، لا يمكن ولا يصح أن تترك لتتأثر بحركات حزب أو جماعة أو عصبة. كما لا يصح أن تكون الحركة السياسية العربية رهناً لسياسة ذات مرجعية غير عربية. ومن ثم، لم أكن مرتاحاً لمسار الأمور على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية.

من هذا المنطلق، صغت موقف الجامعة العربية وحركتها السياسية في ذلك الوقت دون مساس بموقف الجامعة الثابت إزاء أحد أصول المشكلة، أي الاحتلال الإسرائيلي والممارسات الإسرائيلية التي لا يمكن قبولها أو التسليم بها على الإطلاق.

فور وقوع العدوان دعت الكويت بالتنسيق معي لاجتماع عاجل لوزراء الخارجية العرب بمقر الجامعة العربية بالقاهرة أعددته فوراً، وهو ما جرى في 15 يوليو (تموز) 2006، بعد 3 أيام من بدء العدوان الإسرائيلي. شهدت الجلسة الثانية المغلقة للاجتماع مشادات كلامية حادة بين الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، ونظيره السوري (وليد المعلم)، بدأ الأمر بقول المعلم مخاطباً الوزراء المجتمعين، وأنا هنا أتحدث من محاضر الاجتماع:

أريد أن أشاطركم بعض أحلامي المجنونة، أقول مجنونة لأنها لا توائم الأوضاع العربية الراهنة أو الأوضاع الدولية... حلمت بأن اجتماعناً سيبدأ بدقيقة صمت على أرواح شهداء غزة ولبنان، وأن الأمين العام سيدعو إلى اجتماعنا هذا في غزة... حلمت أن نجتمع في إحدى قرى الجنوب اللبناني في منزل أم سمير قنطار؛ لنعرف منها معنى الصبر والانتظار طيلة 30 عاماً لتحرير ابنها (...) أقول: حلمت لأنه لم يبق لنا حق نمارسه سوى الحلم... منعنا من حق الدفاع عن النفس... منعنا من حق دعم المقاومة الوطنية ضد الاحتلال... منعنا من حق إدانة العدوان.

وأنهى الوزير السوري كلمته قائلا: بكل صراحة وصدق... كل كلمة تخرج من هنا تفيد إسرائيل في عدوانها على لبنان سواء باسم العقلانية أو باسم العاطفة لن نكون طرفاً فيها.

- رد الفيصل والصباح

طلب الأمير سعود نقطة نظام للرد على المعلم قائلا: لم أكن أعلم عن الأخ وليد أن سياسته تسير بالأحلام، وفي حلمه اكتشف في بعض ما قيل من المواقف التي أعلنت من بعض الدول العربية ساعدت إسرائيل في هجومها على لبنان... وهذا أولاً كلام غير مسؤول، وثانياً غير صحيح... أنا لا أتصور مثلاً، ماذا سيكون عليه موقف الأخ وليد لو أن منظمة من المنظمات قامت بعدوان على إسرائيل من الجولان... ماذا سيكون الموقف؟ لماذا يكون مسموحاً لمن يريد أن يستخدم الأراضي استخدام الحدود اللبنانية في التهجم على إسرائيل ولا يستخدم الجولان؟ هل إسرائيل هجمت لأننا أصدرنا بياناً؟ إسرائيل هجمت بسبب ما قام به «حزب الله» في المنطقة. أي حلم ذلك الذي يعتقد أن التعقل ومنهج المنطق في اتباع السياسة هو خطأ فادح؟ هذه أحلام شيطانية.

بعد عدد من المداخلات أعطيت الكلمة للدكتور محمد سالم الصباح، وزير خارجية الكويت، فقال رداً على وليد المعلم: جميل وصف أخي أبي طارق عن الأحلام. والأحلام الوردية في بعض جوانبها تعود إلى تناول عشاء خفيف، معلهش اقبلها مني.. ألقي عليك شيئاً من الماء البارد لتصحو من الأحلام؛ لأن الحقائق على الأرض مزعجة، فهذا هو عصر الانشقاقات والانقسامات.

بقيت صامتاً أتابع بدقة كل ما يقال لعلّي أجد ثغرة في حديث أي من الفرقاء تمكنني من إحداث اختراق «يلم الدور» كما نقول في مصر. في الوقت نفسه كان من الصعب تغيير قناعات فريق كبير من دول الجامعة العربية بأن ما يقوم به «حزب الله» ليس مقاومة للاحتلال الإسرائيلي، بقدر ما هو جزء من لعبة سياسية تقودها إيران؛ تأكيداً لدورها الإقليمي المناهض للدور العربي والمصالح العربية.

- اجتماع الوزراء العرب

خلال الأسبوع الأخير من يوليو 2006، شعرت أننا بحاجة لعرقلة مشروع القرار الأميركي - الفرنسي في مجلس الأمن، لأنه يظلم لبنان؛ ولذلك كان الأمر يحتاج إعلاناً قوياً للتضامن مع ذلك البلد العربي الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي غاشم؛ ليشعر الجميع أن العرب أجمعين في ظهره. ومن هنا دعوت لاجتماع لوزراء الخارجية العرب في السراي الحكومي في بيروت على أن ينعقد في 7 أغسطس.

انعقد مجلس الجامعة برئاسة الشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، رئيس الدورة. وقرأ السنيورة بيانه المؤثر. بعدها تحدث عدد من الوزراء معلنين تضامنهم مع لبنان، ثم أخذ الكلمة وزير خارجية سوريا وليد المعلم، ومنذ هذه اللحظة ستتغير الأجواء الودية التي تحيط بالاجتماع، لأنه بعدها سيدخل في سجال طويل مع فؤاد السنيورة بشأن نقاط كثيرة في البيان. قال المعلم في كلمته:

أولاً... أتساءل بعد 26 يوماً ونحن في بيروت والحرب ما زالت مشتعلة... كيف لا نحيي صمود المقاومة الوطنية اللبنانية البطلة التي تخوض أشرس المعارك دفاعاً عن كرامة لبنان وكرامة الأمة العربية؟! فعلاً أستغرب ألا يتضمن مشروع هذا القرار فقرة تعطي الدعم العربي لهذه المقاومة الباسلة بعد 26 يوماً من هذه الحرب الطاحنة (...) وأخيراً أتمنى على دولة الرئيس (يقصد فؤاد السنيورة) - وأنا أشيد بكلمته إشادة تامة - ألا يعني بلدي (سوريا) بعبارة الوصاية، نحن لا نبغي هنا أي وصاية - دولة الرئيس - نحن نتضامن مع لبنان كشعب شقيق، جار لسوريا، وما يصيبه يصيبنا، وشكراً.

كان فؤاد السنيورة قد قال في كلمته إن «لبنان لا يتحمل تكوينه الاجتماعي والسياسي تكرار اجتياحات واعتداءات وصراعات ووصايات محلية أو إقليمية أو دولية، وهي البطحة التي تحسسها وليد المعلم دون سائر من كانوا في الاجتماع!

تحول الاجتماع بعد ذلك إلى سجال مرير وطويل بين المعلم الذي يصر على تحية «حزب الله» في قرار مجلس الجامعة العربية، والسنيورة الذي رد عليه قائلا: (وزراء الخارجية العرب جاءوا إلى هنا لدعم موقف لبناني موحد. أصر المعلم على مطلبه، لكن سائر وزراء الخارجية العرب أيدوا رؤية السنيورة.

في النهاية توصل المجلس لمجموعة من القرارات أهمها تكليف وزير خارجية الإمارات، رئيس مجلس الجامعة، ووزير خارجية قطر بصفته ممثل الدول العربية في عضوية مجلس الأمن والأمين العام لجامعة الدول العربية، لعرض وجهة النظر العربية بشأن الموقف في لبنان، والتشاور معهم في كيفية علاج الموقف الخطير الناجم عن الدمار الكبير الذي تعرض له لبنان والتطورات المرتبطة به.

- السفر إلى نيويورك

من بيروت قررنا السفر مباشرة إلى نيويورك. الشيخ عبد الله بن زايد قال إنه سيعود لأبوظبي ومن هناك سيتوجه لنيويورك، أما حمد بن جاسم فكانت أسرته في هذا الوقت في مدينة كان الفرنسية. ولما أعلنت أنني ووفد الجامعة جاهزون للسفر من بيروت مباشرة إلى نيويورك عرض علي الشيخ حمد بن جاسم أن أستقل والوفد طائرته الخاصة، حيث إنه متوجه مباشرة مع توقف بسيط في فرنسا في الطريق إلى نيويورك.

نزلت الطائرة في مطار كان في جنوب فرنسا. وذكر لي حمد أنه سوف يتوجه إلى منزله، لرؤية عائلته، وأنه حجز جناحين في فندق «ريتز كارلتون» لي وللوفد، على أن نتوجه لنيويورك صباحاً باكراً، إذ أصبح الوقت متأخراً، وكان السفر من بيروت إلى كان سهلاً؛ لأنه عبر فوق الأجواء الإسرائيلية واختصر وقتاً طويلاً للرحلة!

في هذا الوقت من الصيف تمتلئ كان والكثير من المدن الأوروبية بالسياح العرب، وهو ما كنت أتحسب له. فماذا يقول أي مواطن عربي يشاهد الأمين العام للجامعة العربية في مدينة سياحية في وقت يتعرض فيه لبنان لعدوان إسرائيلي... أكيد بيتفسح!. بالفعل قابلتني سيدة كويتية كبيرة في السن، وأنا داخل إلى الفندق وهي خارجة منه. قالت لي: أنت عمرو؟ قلت: نعم أنا هو. قالت: إزيك يا بني... إزي صحتك إحنا بنحبك... ثم سألت السؤال الذي أتحسب له: أنت بتعمل إيه هنا؟

قلت وأنا في غاية الحرج: الطائرة توقفت في كان وأنا في طريقي للأمم المتحدة في نيويورك للعمل على وقف الحرب على لبنان، ومسافر أول ما يخطروني أن الطائرة جاهزة.

قالت: طيب ربنا يوفقك.

بعد أقل من 20 متراً قابلتني سيدة أخرى وكانت من البحرين. قالت لي: أنت عمرو موسى؟

قلت لها: نعم.

قالت بنبرة متحدية، واضعة يديها في وسطها: وبتعمل إيه هنا... والحرب شغالة على لبنان؟

قلت لها: والله الطائرة عطلت واضطررت للمبيت هنا.

تكرر الموقف كثيراً، إلى أن قررت أقضي سواد الليل في غرفتي إلى أن يمر علي بن جاسم ونتوجه لنيويورك. في المصعد قابلت صديقي العزيز محمد جاسم الصقر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الكويتي. قلت: له عظيم أني التقيت بك. سألته: إلى أين أنت ذاهب؟

قال: سأذهب للعشاء في أحد المطاعم.

قلت: سأتعشى معك.

وحكيت له أنني كلما قابلت عربياً أو عربية يقولون - ولهم الحق -: لبنان بتحترق وأنت بتصيف في كان؟! وأضطر أشرح مراراً وتكراراً أن الطائرة تعطلت وأني غداً سأتوجه لأميركا. فكاد الصقر يقع مغشياً عليه من الضحك على طرافة الموقف. ودعاني إلى مطعم جانبي داخل الفندق، ولكنه خارج دائرة التجول المعتادة للنزلاء.توجهنا، بن جاسم وأنا ووفد الجامعة، في اليوم التالي إلى نيويورك ولحقنا عبد الله بن زايد، وبدأنا الاتصالات مع معظم الوفود في الأمم المتحدة. طرحنا على مجلس الأمن الدولي خطة النقاط الـ7 التي طرحها رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان‏.‏ وقلنا للوفود إن هذا تعبير صادق عن الإرادة الجماعية للشعب اللبناني لإنهاء الأزمة‏.‏

انتهى الأمر بأن أصدر مجلس الأمن القرار 1701 في 11 أغسطس 2006، ومن خلال القراءة القانونية للقرار أقول إنه منحاز بدرجة كبيرة لإسرائيل، لكن يمكن اعتباره في حدّه الأدنى أفضل من مشاريع القرارات السابقة التي رفضها «حزب الله» والحكومة اللبنانية على حد سواء. فبحسب حسن نصر الله، كان هذا القرار الأقل سوءاً بين جميع مشاريع القرارات الأخرى.

- باتفاق خاص مع «دار الشروق».





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :