facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أضواء على سيرة الشهيد وصفي التل 7


د. فيصل الغويين
26-12-2020 01:58 PM

(1)
كان آخر عمل داخلي قام به التل قبل سفره إلى القاهرة هو إعلان “الاتحاد الوطني” الذي أراده حزبا للأردنيين كلهم من شتى الأصول والمنابت، يلغي فكرة فصل الضفتين التي أصبح لها تيار يمثلها داخل الأردن وخارجه، بدعم عربي وأمريكي واسرائيلي غير مباشر.

في 25 تشرين الثاني من عام 1971 اختتم رؤساء أركان حرب الجيوش العربية في القاهرة اجتماعاتهم التي كانوا قد بدأوها في اليوم السابق. وتقرر أن يبدأ مجلس الدفاع اجتماعاته يوم السبت 27 تشرين الثاني. ولما كان وصفي يتولى منصب وزير الدفاع، إضافة لكونه رئيس مجلس الوزراء، فقد قرر أن يحضر شخصياً تلك الاجتماعات، بالرغم من إبلاغ علي الحياري السفير الأردني في مصر له بأنّ إدارة الجامعة ووزارة الدفاع المصرية لا ترغب أن يكون رئيسا للوفد الأردني.

وعلى الرغم من نصائح عديدة له بعدم المشاركة لوجود مؤشرات خطر على حياته، إلا أنّه أصر على الذهاب. وفي يوم 26 تشرين الثاني حضر الملك حسين فجأة إلى المطار لوداع رئيس وزرائه، مقترحا عليه إلغاء السفر، وإجراء تعديل وزاري، يكلف بموجبه ابراهيم الحباشنة بوزارة الدفاع ليقوم بالمهمة، إلا أنّه رفض بشدة.

كان الحسين يدرك خطورة الخطوة التي أقدم عليها وصفي، ويعرف أنّ رئيس وزرائه يعرض نفسه لمجازفة كبيرة. وفي يوم سفره انطلقت حملات إعلامية شديدة ضد الأردن، شنتها إذاعات تابعة لمنظمات فلسطينية، تبث من القاهرة ودمشق وبعداد.

(2)
قال لأصدقائه قبل السفر هذه الجلسة حاسمة وأساسية، وعندي برنامج عمل أريد أن يتبنوه، عندي خطة تقوم على العقل، وأريد أن أرى إذا كان العرب يقصدون أن يتخذوا سبيل العقل والمنطق. إنّ لدى العرب إمكانات كبيرة يجب أن تنسق بشكل صحيح وبإخلاص. يجب أن أحاول وإذا أخفقت فسوف أطلّق السياسة إلى الأبد.

رافق التل في سفره عبد الله صلاح وزير الخارجية، وغازي عربيات نائب رئيس هيئة الأركان للاستخبارات العسكرية، وجميل نظيف سكرتيره الشخصي، ومرافقه الرائد فايز اللوزي، وثلاثة ضباط لحراسته. وقد نصح بأن يرافقه مزيد من الضباط زيادة في الاحتياط، لكنه استكثر مجيء ثلاثة ضباط معه، واعتبر ذلك تضييقا عليه. وفي مطار القاهرة ظهر واضحا موقف الحكومة المصرية السلبي من مجيء وصفي، فلم يستقبله أي ممثل للحكومة المصرية.

في آخر حديث صحفي له أجرته النهار اللبنانية، أكد أنّه يعلّق على الاجتماع أهمية قصوى، مبديا اهتمامه بالتقرير العسكري لرؤساء الأركان لكونه أكثر التقارير العسكرية فهماً وإدراكا، مشيداً بواضعه سعد الدين الشاذلي، معتبراً إياه شخصية عسكرية ذكية ملمة بأصول المهنة العسكرية.

وكان آخر ما قاله في اجتماع مجلس وزراء الدفاع العرب :”التقرير الذي قرأ علينا تقرير واقعي يعتمد على الحساب وعلى العقلانية، ويثير بعض الأمل ويبصرنا بحقيقة أنّ مجموع الجهد المحشود للمعركة أقل بكثير من ما تستحقه المعركة... وهذا لا يعني مطلقا السكوت على العدوان، ومن واجبنا جميعا الدخول في المعركة بالإمكانيات المتوافرة لدينا، والتقرير يبين أنّ عنصر الوقت عملية مهمة لو توافر المال والمعدات، ولا ينفع من أجل المعركة أن يكون لدينا جبهة قوية متكاملة وأخرى غير قوية ولا متكاملة، فتكامل الجبهات أمر ضروري من ناحية التساند العام.. والتخطيط بحاجة إلى قيادة سياسية وعسكرية، ويجب أن يكون جهدنا في المعركة حقيقيا وصحيحا ومحسوبا، وليس جهدا يوميا، وأي خطأ يرتكب في أي جبهة ينعكس علينا جميعا وعلى المجهود العام...”.

(3)
في 28 تشرين الثاني أغتيل وصفي أثناء دخوله فندق الشيراتون في القاهرة، وأعلنت منظمة لم تكن معروفة سابقا تدعى منظمة “أيلول الأسود”. مسؤوليتها عن حادثة الاغتيال الآثمة. وفي مساء ذلك اليوم الحزين رثاه الحسين، قائلا: "عاش وصفي جنديا منذورا لخدمة بلده وأمته، وقضى كجندي باسل فيما هو ماض بالكفاح في سبيلهما برجولة وشرف ...".

في القاهرة استكمل التحقيق والمحاكمة التي شابها الكثير من العبث، الرجال الأربعة الذين أطلقوا الرصاص من مسدساتهم قدموا إلى المحاكمة بعد اعترافهم، لكن تقرير الطب الشرعي أكد أنّ الرصاصة القاتلة لم تكن صادرة عن مسدس، وإنّما خرجت من بندقية قناص محترف جائته من مكان مرتفع في البناية المقابلة لمدخل الفندق، وعندما قرأ السادات الحيثيات التي توضح أنّ مقتل وصفي لم يكن من مسدسات المدعين داخل الفندق، وأنّ رصاص المسدسات الذي أطلق على الشهيد بعد أن وقع لم يصبه أوقف المحاكمة، ثم تدخل الرئيس الليبي معمر القذافي وأطلق سراح المتهمين.

(4)
يؤكد طارق علاء الدين الذي كلف بمتابعة ملف الاغتيال مع الجانب المصري أنّ المصريين أظهروا منذ البداية عدم رغبتهم في التعاون لمعرفة ظروف الاغتيال، أو المساعدة في الكشف عن من يعتقد أنّ له صلة بالحادث. وانتهى الأمر بالأشخاص الذين وردت أسماؤهم في شبكة تقاطعات المشاركة بتنفيذ قرار الاغتيال إلى الاغتيال الغامض في ما بعد.

ويرى سعيد التل أنّ من اغتال وصفي هو عميل وجهة لا ترغب في أن تتطور علاقة عمل سليمة بين الدولة الأردنية والمقاومة الفلسطينية. لقد خططت بعض فصائل التنظيمات الفلسطينية لاغتياله، وأسماء الذين خططوا معروفة، إلا أنّه يعتقد أن هذه الخطط تسربت إلى قوى خارج إطار هذه التنظيمات، وهي التي نفذت الاغتيال، ولم يكن للفدائيين في مسرحية اغتياله إلا لعب دور الكمبارس في الأفلام، ذلك أنّ الرصاصة التي قتلت وصفي كما هو ثابت أطلقت من بندقية قناص، ولم يطلقها الذين ادعوا أنّهم اغتالوه.

(5)
ثلاثة أطراف رئيسية على الأقل كان لها مصلحة في تغييب وصفي عن المشهد السياسي الإقليمي. وهي مصر والولايات المتحدة واسرائيل، وتملك أجهزة مخابراتها القدرة على توفير القناص المحترف. مصر السادات والإعلام المصري كانا طرفا أساسي في العملية المزدوجة، فالسادات كان يخطط للصلح مع إسرائيل منذ توليه المسؤولية بعد رحيل جمال عبد الناصر في أيلول 1970، كما أنّ قتل وصفي يؤدي من - وجهة نظر من خططوا له ونفذوه - إلى قطيعة أردنية فلسطينية قد تستمر سنوات، وهكذا وجدت كل هذه الأطراف أنّ الطريقة المثلى لوأد مخطط وصفي هو اغتياله.

وتبرز المصلحة الإسرائيلية في التخلص من الرجل، واحتمال دخولها على خط الاغتيال لا يبدو مجرد حديث في نظرية المؤامرة، فمراكز الرصد والقرار الإسرائيلية تعرف خطورة واستثنائية المشروع الذي ألزم نفسه به منذ ترؤسه حكومته الأولى، وبرنامجه للدفاع عن فلسطين الذي تحول لاحقا إلى مشروع حرب شعبية يشارك فيها الجيش الأردني.

(6)
لقد ظلم وصفي لأنّه التزم بمبادئ ومناقب الخلق والعقل والصراحة والجرأة، ومن سوء حظه أنّه عاش في ظل واقع سياسي عربي يسوده والتهريج والاتهام والادعاء، وطبيعة الأشياء تقتضي استحالة التوافق بين المناقب والمثالب.

كان رجل دولة من نوع خاص، وعلماً من أعلام الفكر والسياسة، جسوراً في عشقه لوطنه الأردن، واضح الرؤية، جريء الرأي، عميق الانتماء لقضية العرب الأولى، كتب لها، وناضل من أجلها، واستشهد في سبيلها.... يتبع





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :