facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الحُزنُ الفَرِحُ


د. نضال سالم النوافعة
25-01-2021 05:11 PM

"كل شيء يمكن أن يُؤخَذ مِن الإنسان، ما عدا شيء واحد، حريته في اتخاذ موقف محدد في ظروف معينة، حريته في اختيار طريقه الخاص. فرانكل"

إِنّ الإبحار في الذات الإنسانيّة يحتاجُ إلى قوةٍ فكريّةٍ، وثقافةٍ نفسيّةٍ، وخبرةٍ طويلةٍ، وأساليب تكيُّفٍ عميقةٍ؛ لتقوى الذات على مواجهة الترددات الداخليّة، والهزات النفسيّة، والضغوطات الداخلية؛ كل تلك العثرات, إذا ما تمَّ التعامل معها بالوسيلة المناسبة؛ ستُرَمَّمُ البنية التحتيّة للذات الإِنسانية، وستتحدُ التصدعات النفسية, مُخّلِّفَةً وراءها سلسلة جبال متحدة شامخة، وستُستصلَحُ الانهيارات الفيسيولوجيّة التي تصيب النفس البشرية بالشلل اللإدراكيّ, فالذات كالبنيان كلما كان الأساس متينًا، كان العمران مُؤذنًا بينَ أزِقَّتِها.

والآن لنا أَنْ نتخيَّلَ أننا بحَّارون محترفون في لُجِّ ذواتنا الإنسانيّة، سننبهرُ مِنْ كمية الصراعات الداخلية المُتضادة التي تسيطرعلى تفكيرنا، مثل الخير والشر، التعاسة والسعادة، الحزن والفرح، المزاج المرتفع والكآبة, كل تلك المتضادات تُقمَعُ وتُكبَتُ وتُهَدْهَدُ في أعماقنا، عدم القدرة على تحرير الأحاسيس والمشاعرمِن السجن البشريّ لأي سبب كان؛ هو مَنْ يولّد لدينا هذه الصراعات الداخلية المتأرجحة بين الكينونةِ والعدم، عندها يتحول اللاوعي الإنسانيّ إلى ميدان معركة، فيصبحُ الواقع الذي نعيش, عالم مؤلم يضم في أرضه البور كل أشكال الألم والمعاناة، إنها نتاجات سلبية مصروخة مِنْ رحم الكَبْت والتحرُّر, فمثلًا حصر السلبية في إطارٍ تكون أبعاده المحاكاة الفوريّة أوالتأجيل ينتج عنه تدهور في العلاقات الاجتماعية ودمارها، فجميع الأعمال اليومية التي تسيطر على حياتنا ما هي إلاّ نتيجة هروبنا مِنْ مواجهة مخاوفنا الداخلية، الذي يؤدِّي إلى إهدار قدرًا محددًا مِن الطاقة الداخلية لدينا، ومن ثم يستمر هدر الطاقة حتى النفاد، إنها غير قابلة للخلود, فكل ما كانت ظروف التفاعل التي تُستَهلَك فيها تلك الطاقة ظروف تراجيدية بَحتة؛ سنتحول ديناميكيًا إلى رقم حقيقيّ يسكن بكل الحزن الممكن في العالم تحت الطبقة الصفريّة, ومِنْ ثمّ سينعكس هذا التحول السلبيّ على مجتمعنا، فتظهر الأنانية، والقسوة، وكره الآخرين ، وعدم الثقة بهم إطلاقًا، وصولًا إلى الكائن الحيّ في حد ذاته التي ستنجرف قسريًا بشكل لا رجعةَ عنه داخل تيّارالعزلة العاطفية، وكره الذات، لكننا عندما نسمح برحيل الطاقة السلبية الداخلية، ونفتح لها كل أبواب الخروج المتاحة سرادقنا, سيكون هناكَ مُتَسع مِنْ المساحة القادرة على احتواء مقيم جديد, كالطاقة الإيجابية مثلًا، سيحرر المرء مِن الشعور السلبي، والضغط النفسي، فتعود بعد ذلك فسيولوجيّة الجسم إلى فطرتها الراضية والمتكيفة بطبيعتها، فتتزن بذلك نبضات القلب, مِنْ ثُمَّ يتغير لون البشرة، ويتلاشى ضيق التنفس..، فتنهض الحرية الداخلية لأعضاء الجسم، ويبدأ بالاستقرار، وتظهرعليه علامات الصحة، وتتطور الرؤيا، ويتغير إدراكنا لأنفسنا وللعالم الخارجيّ، فنشعر بالسعادة.

يكون التوتر دائمًا نتيجة _وبشكل أكبر_ المشاعر الداخلية المكبوتة والمقموعة، وأيضًا _وبشكل أقل_نتيجة العوامل الخارجية, فالضغوط الداخلية هي المسؤولة عن تشكل عالمنا الخارجي، فإذا ما سمحنا للشعور السلبي الداخليّ بالذهاب بعيدًا عن دائرتنا المنسوجة مِنْ نقاط العقل والنفس والقلب، عندها سيتحول عالمنا إلى عالم جميل، خالٍ مِن الإحباط، والمعاناة، والتفكير المفرط, فالأحداث الخارجية ماهي إلاّ تعبير, ونتيجة حتمية ضخمة, وسبب منطقيّ بسيط التأثير وعميق التأثرعما يدور داخلنا على المستوى الواعي واللاواعي، فالإنسان هو من يخلق الظروف الخارجية المعبرة عن مشاعره الداخلية من فرح وسعادة، وحزن وألم، فالتخلي عن مقاومة الشعور هو من يسمح برحيل كل الأفكار السلبية المقترنة به، فالأفكار ماهي إلاّ مبررات يصنعها العقل الباطني مرافقة للشعور، فعندما نتخلص مِن الشعور نفسه، ستنتهي الأفكارالمرافقة له تلقائيًا.

لقد رسم علماء النفس مقياسًا أساسيًا للطاقة الداخلية عند الإنسان ابتداءً من الطاقة العليا وانتهاءً بالطاقة الدنيا، فكلما ارتفعت طاقتنا أكثر كلما حصل الإدراك الروحاني، والرضا النفسيّ, والحدس، وتطور الوعي ، فنصبح أكثر وعيًا، فالذي لا يمكن رؤيته في المستويات المتدنية من الطاقة ، يصبح واضحًا جليًا في المستويات العليا، فإذا كان الشعور الداخليّ قويًا، علينا تفكيكه إلى أجزاء صغيرة؛ لنتمكن مِن التغلب عليه بالقمع، أو الهروب، أو بالمواجهة التلقائية غير المخطط لها, أو حتى بالتخلي عنه بشكل جزأيّ مع الاستفادة مِنْ مصادر القوة التي تمنحها الإرادة؛ حتى نصل إلى التخلي عن الشعور بشكل كامل لا تطغى عليه عناصر التلوث النسبيّة، وهكذا لن نترك آثارًا ضارةً، من وجع دفين، أو شعور بالذنب باللاوعي، أو تقديرذات منخفض، أو تكرار تجربة أليمة على جيل جديد مِن البشر, فكل أمر سلبي داخلنا له نقيضه أيضًا، فإذا ما انخفضت قوة تعلقنا بالقسريّ بالشعور السلبيّ, سيتلاشى لأنهُ لا يوجد هنالِكَ مِنْ يشدُدْ أزره ويبقيهِ حسًّا, فبذلك سيحل مكانه نقيضه الإيجابيّ، فإذا كنا نشعر بالفقرالداخليّ لا يمكن عندها لأي ثروة أن تعوضه؛ لأنّ التغير في أي شعور سيؤدي تلقائيًا لتغير الأفكار, وهذا لا يحصل إلا بدافع ضخم مِنْ الشعور الداخليّ السليم.

يجب أن نكون أكثر وعيًا، ونبحث عن حقيقة أنفسنا، بدلًا من أن نكون مبرمجين من الذات الداخلية بأننا لا نستطيع فعل ذلك، فلنتخلص مِن لعنة الخوف وهيمنة التردد التي يبثها فينا اللاوعي، ولنتنبه أيضًا إلى خصائصنا الإنسانية الخامة التي يمكن أَنْ نحولها بالمزيد مِنْ الإصرار إلى كلمة وفكرة وشعور، البحث بنهَم عن تلك الخصائص, يشغل الإنسان في ذاته, ويجعل بينها وبين الطريق المنحدر مسافة أمان؛ تمكنهُ مِن المُضي بسعادة في حياته، وقتها سيتعلم أنّ تركيب (لا أستطيع) مساوٍ في معناه لتركيب ( لا أريد)، لأنه أدرك نقاط قوته, وتغلب على نقيضتها, عندها فقط سيتغلب على خوفه، ويتجاوز أصل المشكلة، وعلاجها كليًا، فالأسى المقموع داخلنا هو المسؤول عن الأعراض السيكوسوماتية التي تؤثر على العقل الباطنيّ، وهو في الغالب غير منطقيّ، فعند التخلص مِن هذا الأسى، سيحل السلام الداخليّ الذي يُشعرُ الذات بالأمان السرمديّ بدلًا من البحث عن الذات القاصر، المقموعة والمكبوتة داخلنا التي عادةً ما تكون عابرةً في مسيرة البحث عن عوامل الاكتمال.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :