لا أدري لماذا هي الحكومة غائبة عن ساحة الضبط العام في البلد، في الوقت الذي نراها حاضرة، وبكل قوّة، في رفع الأسعار، وتجميد الرواتب، وتوسيع دوائر الصرف من الموازنات على أمور، ستمر عشرات السنين، قبل أن نحتاج إليها. ولا أدري لماذا تُغيّب الحكومة نفسها عن القيام بواجبها نحو الرعيّة، حتى بتنا نظن أننا بلا حكومة. لذلك ما أن تسأل أي مواطن عن سبب إنفلات أمر الإّ ويجيبك من فوره "ليش هو في حكومة؟"

أين كانت الحكومة عندما بدأ الإجتراء على المال العام يتضخّم، حتى أصبحنا نسمع كل يوم عن فضيحة أو رشوة، أو جناية أو سرقة أو جريمة قتل بسبب المال؟

حاولتُ منذ زمن، أنا ومجموعة من الإخوة الحائرين، أن نرصد كيف تدير الحكومة البلد، فوجدنا بالمحصل أن هناك ترهلاً كبيراً، ليس في طريقة الإدارة فحسب، ولكن حتى في ردة الفعل أو الاستجابة لمتطلبات الضبط.

الحكومة في واد، والناس في وادٍ آخر. الحكومة صاحبة "القوة الإجبارية المشروعة"، حسب الدستور والقانون، أعطت لنفسها إجازة، وأدارت وجهها إلى الجهة الأخرى، وكل ما فعلته انها بدأت تُلقي باللائمة على هذه الجهة أو تلك.

أليس من واجب الحكومة أن تُراقب طرق الصرف من الموازنات؟، أليس من واجب الحكومة مراقبة البنوك والشركات الكبرى؟ أليس من واجب ا لحكومة أن تضبط الاختلاس والفساد؟ أليس من واجب الحكومة أن تضبط العلاقة بين القائمين على حماية الأمن وبين المواطن التي شهدنا أنها انحرفت تماماً عن الدرب الذي خُلقت من أجله؟ أليس من واجب الحكومة أن تقرأ ما يكتب الناس وتتابعه، بدل أن تتبنى شعار دعهم يكتبون "فينفسون" عن أنفسهم وحنقهم؟ أليس من واجب الوزير الذي يكتشف أنه لم يُدِرْ وزارته بنجاح أن يستقيل، ولا نقول أن يلحق بنفسه حجماً كبيراً من العقاب كما يفعل اليابانيون، ولكن أن يعتذر فقط علناً أمام الناس ويعترف أنه قد أخطا، ويستأذنهم بالرحيل.

الحكومة مسؤولة أمام المواطن، ولكن المواطن عاجز هذه الأيام، فلا هو بقادر على أن يلتقي مع المسؤول تحت ظل الدستور والقانون والنظام، فيحاوره ويسأله، وليس هناك "نائب" جاد موجود تحت القبة ليسأل. وحتى لو كان هناك، وقد كان، فماذا فعل، وماذا سيفعل؟.

سيدنا لم يقصّر بشيء، ولكن هل هو المسؤول عن التفاصيل؟ لا أظن ذلك، ولا أي صاحب لب يمكن أن يسأل مثل هذا السؤال. هو يتابع، وبكل جديّة وبكل حرص، ولكن أين الموظف العام، وأين الوزير، وأين المدير، وأين رئيس القسم؟

سيدنا يعمل ليل نهار، لا يكل ولا يمل، ولكن هل الدولة تقوم على أكتافه هو فقط؟ إذن فليقدم له كل المسؤولين استقالاتهم وليرتاحوا في بيوتهم ويتركونا معه، فهو الصدر الحنون، وهو العقل الراجح، وهو الذي تحمّل مسؤوليته بكل أمانة واقتدار. ولكن ليس من المنطق أن يكون هو من يدير كل شاردة وواردة، وإن يتابع شخصياً كل صغيرة وكبيرة.

كل حكومات الدنيا تأتي لتنفّذ برنامجاً عاماً وإستراتيجية عامة. وكل حكومة في الدنيا حتى في زمبابوي هي المسؤولة أمام الناس، وهي التي تُحاسَبْ وهي التي تواجه المسؤولية، وهي التي تتحمل الوِزْر، وإذا ما قصّرت فإنها يجب أن تتحمل النتيجة. ولكن أن تجد اختراقاً هنا، وإهمالاً هناك، وتقصيراً في مكان آخر، فهذا أمر غير مقبول أبداً.

أتمنى أن تقرأ الحكومة، أية حكومة، ولو سطراً واحداً من السطور القائمة في رأس سيدنا الذي وضع كل الخطوط بكل وضوح، ورسم السياسات بلك اقتدار. وأن تقوم بالواجب الملقى على عاتقها بكل أمانة كما أقسمت.