facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مسار ماطر من سد وادي العرب إلى زقلاب (صور)


عبدالرحيم العرجان
06-02-2021 01:01 PM

دوماً نقول ما من مكان تضع فيه إصبعك على الخريطة، إلا وتستطيع أن تمشي به بمسار -ضمن المناطق المسموحة طبعاً-كان خيارنا لختام أربعينية الشتاء بدرب شفا غوري انطلاقاً من سد وادي العرب لينتهي بسد زقلاب بيوم لم يتوقف فيه خير السماء ورحمة الباري من الصباح حتى المساء.

عند نقطة البداية كانت الحرارة تساوي أربع درجات مئوية بمحاذاة سد وادي العرب، استكمالاً لرحلتنا إلى أم قيس قبل أيام ضمن درب الأردن السياحي إضافة عليه لتصبح إجمالي المسافة المخطط لإنجازها عشرين كيلو متراً، بظروف جوية تعتبر صعبة نوعاً ما.
إلا أن عامل التخطيط السليم ودور الخبرة وروح الفريق وحسن القيادة واستخدام الأدوات المناسبة يحقق الهدف دون وقوع حادث أو إصابة، والجميل بالأمر مدى رحابة الأهل هناك والنخوة التي وجدناها بدعوتهم لنا لدخول بيوتهم حتى انتهاء تساقط المطر، الأمر الذي يشعرك أنك بأمان أينما حللت.

للأسف لم يكن هناك إشارات تحذّر من الاقتراب من السد ومسافات الأمان أو تكامل السياج المتهالك حوله خصوصاً بهذا الوقت فقد يدخل شخص منطقة الخطر وهو لا يعلم ما ينتظره، فمن الممكن أن يجد أرضٍ رخوية يعْلق بها أو مياه جارفة تأتي من الروافد والشعاب دون سابق إنذار أو حتى من أماكن المهارب والنجاة غير المعلومة ولهذا كان علينا الالتزام بمسافة الأمان المتعارف عليها عند السدود بوقت الشتاء.

فمن موجبات المسارات المطرية أن تسير على طريق تعرفة جيداً ودراسة الحالة الجوية قبل المسار وتحديثها خلاله عبر تطبيقات عالمية متاحة بالجوال ترشدك لسرعة الرياح واتجاهها، غزارة الأمطار في كل مرحلة وأوقات ذروة تساقطها ودرجة الحرارة التي لم تتجاوز هناك التسعِ درجات، مع استخدام أدوات ذات جودة عالية من قناع وجه للحماية من برودة الرياح ومعطف وبنطال وحذاء مطريّ، بالإضافة إلى واقيات الوحل العالية للساقين لتمنع دخول الماء والطين فيه وارتداء قفازات جلد أو مطاط باعتبارمفتاح البرد للجسم هو اليدين، وبذلك تبقى العينين هما الشيء الوحيد الظاهر من الجسم، والأهم أيضاً عُصيّ الارتكاز مع تثبيت الحلقة المقعرة التي تمنع انغراسها أكثر من أربعة سنتيمترات في الأرض، واستخدامها بالشكل الأمثل بحيث تكون سابقة لكل خطوة مع الحرص على أن تكونَ ربطتها مثبتةً بمعصم اليد لتوزيع الضغط ولكي لا تنزلق منك، فهي التي تسحبك عند الصعود ويرتكز عليها جسدك بكامل وزنه حين النزول وإن لم تكن ذات نوعية جيدة تنكسر على حين غرة وقد تسبب لك كارثة، وأفضلها المصنوع من مركبات الكربون الخفيف المقاوم للكسر وإجهاد المعدن، وللأسف معظم ما هو موجود في السوق المحلي من الأصناف الرديئة سيئةِ الجودة مع أن سعرها مبالغ احياناً، آخذين بعين الاعتبار مسافة ثلاثة أمتار أمان ومتقيدينَ بالألوان الزاهية حتى يمكننا من رؤية بعضنا البعض بوضوح كما يفضل وجود ذات العواكس في حالة الضباب.

ابتعدنا كلياً عن بطون الأودية والشعاب وكان مشهدها مهيب بما يتدفق من ماء وطبيعةٍ تصنع وتكيف احتياجاتها وتغيرها من عام إلى آخر بوادي العامود والشيخ سراج وزحر ومغر الخشنة ودار به روافد السدين بين قرى مخربا وزبدة وصمة ووقاص من قرى عروس الشمال إربد، كنا نشتم رائحة مواقد الحطب من قبل الوصول إلى القرى، وتلويح الأطفال مرحبين بسعادة من خلف شبابيك البيوت.

وكي لا تبرد أجسادنا كان لنا استراحة واحدة للقهوة تحت شجرة سنديان تعمقت جذورها بين صخورٍ صماء، وبينها بدأت نباتات الأرض بالازدهار مبشرة بموسم الربيع والعسل، ثم مررنا بمقلع حجري وهو ليس بعيدٍ عنها حيث نعتقد أنه يعود للحقبة الرومانية من طريقة القص والقطع لصخوره البيضاء ومن المؤكد أنها استخدمت بعمارة إحدى مدن حلف الديكابولس المحيطة بنا.

استكملنا الطريق بين أشجار الزيتون وبيادر القمح دون أن نقطعها خشية اتلاف الزرع، فالعبور كان دون أذى، وبكل خطوة تدوسها تجهض بها سنابل ينتظر صاحبها خير حصادها لذلك كنا نسلك طرق التفافية حولها أو بمحاذاة خط الأسوار الحجرية حيث يعتبر ذلك واجب وأساس مهم من أساسيات وقواعد المسير والترحال في عبور القرى والمزارع واحترامها، ومن تكنيكيات المشي أن لا تخطو على نفس خطى من هو سابقك لأنها تعصر ما في التراب من ماء وتصبح قابلة للانزلاق، بل أيضاً تدوس بأي مكان حولها ويفضل أن تسير على العشب لأنه يخفف من الوحل العالق بالحذاء، ولابد الانتباه أكثر أثناء المشي على الصخر خصوصاً المبلول لخطورة السقوط، فالطبيعة هنا هيَ من تفرض عليك شروطها وتسن قوانينها وتتطلب منك أن تتكيف معها.

وبالثلث الأخير من المسار تبعنا كلبان أبيضان كنعانيان مسالمان استأنسنا مسيرنا حتى النهاية ليكون لهما حصة من الطعام، وبهذا فقد عادت ذاكرتنا لما قاله الشاعر الأموي الفرزدق بقصيدته التي مطلعها " وَأَطلَسَ عَسّالٍ وَما كانَ صاحِباً**دَعَوتُ بِناري موهِناً فَأَتاني" ولامية العرب للشنفري الأزدي وكيف كان من شيمهم الرفق بالحيوان منذ الجاهلية، لنختتم يومنا في محيط متنزه الأردن البيئي المجاور لجدار سد زقلاب والاهتمام بالمحافظة على التنوع الفطريّ للنباتات والحيوانات وضمنوه شاليهات خشبية صديقة وأماكن تخيم لعابرين الدرب وعشاق الترحال والطبيعة، لينتهي بضيافتهم يومنا الماطر بطبق حساء عدس دافئ وقلاية بندورة بعل ورغيف قمح من خبز الطابون بجانب موقد النار وإبريق زهورات قطفت من المحيط، ونختتم رحلتنا التي قد يعتبرها البعض ضرب من الجنون أو المجازفة لأننا اعتدنا الجلوس بالبيت طويلاً ولم نترك لأقدامنا عنان الأرض ولأعيُننا أُفق السماء والغيم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :