قالوا في الأم أشعارا وقصائد وكلمات وأوصافا ربما افقرت لغات العالم لغويا، وفي كل مرة اكتب بها عن أمي أجد نفسي عاجزة عن كلمة اصفها بها أو احكي ما في قلبي لها، وأواجه ذات الفقر اللغوي..
فأمي أكبر من الحياة ومن الحب ومن العطاء ومن التضحية ومن الإيثار ومن ومن ومن.. نعم أمي أكبر من كل هذا وأكثر، ليست لكونها أمّ خارقة، بل هي انا هي بقائي وحضوري وسندي وقوّتي ونفسي الذي يبقيني على هذه المعمورة.
ليت للمشاعر لغة خاصة نحكيها فتنقل ما نشعر به، لأتمكّن من صياغة القول الحقّ لأمي ولأمهات الدنيا، لأنه وبكل أمانة وعدالة، لا لغتنا ولا حتى لغات العالم تليق بالأمهات، هنّ بحاجة للغة حروفها من نور ومعانيها من حبّ، لغة لم ينطق بها حتى اليوم بشر، لغة تضرب بجذورها في قلوب سامعيها وتسمعهم لحن القول دون أن ينطق بها لسان متحدث، ليتنا نحن من نمارس الكتابة منذ عشرات السنين نملك مهارة الاختراع، لنخترع لغة للأم تليق بها، فأمي وكل الأمهات يليق بها (بهن) فقط اختراع لغة للحب.
اليوم، نعيش رمزية الاحتفال وليس احتفالا بأمهاتنا، اللاتي نحتفل بهن كل لحظة، اليوم وفي هذه المناسبة التي تقطر حبّا وعطاء ويتفق على الاحتفال بها كل رجال ونساء الأرض، نقول للأمهات في كل مكان شكرا بحجم عطاءكن، شكرا فأنتن فقط من منحتن الحبّ بمعناه الحقيقي لأبنائكن وللوطن وللأوطان، انتن من كانت اجسادكن وارواحكن وعقولكن قصة نجاحنا جميعا نحن معشر الأبناء.
اليوم، أقول لأمي حماك الله ومنحك الصحة التي تسعينا للحفاظ عليها من أجلي انا وشقيقاتي، فأنت الإحساس الطيب في حياتنا، وحتى احساس القوّة، أنت دفء منزلنا وربما أكثر، دفء حياتنا، انت مدرَسة لنا في كل ما هو طيّب، أنت فقط من أعشق ضعفي أمامك وارى به اكتمال لشخصيتي ولحالي، ولحضوري.
لن استخدم مفردات مستهلكة أمي، لكنك اقسم انكِ حاجتي الوحيدة، فأنت الجميع لي ولشقيقاتي أنت الحياة، وليست أيّ حياة، إنما تلك المليئة بالحبّ والعطاء والتضحية والوفاء، ونسيان الذات والأنا بشكل مطلق، أنت الجميع بعد والدي رحمه الله (محسن) حياتنا ونبضها الذي منذ وفاته باتت بلون واحد باهت نقلّب أوراق رزنامتها كروتين لمضي الأيام والسنين بعيدا عن تلك المشاعر التي كنّا نحياها بين ذراعية، فكنت الأم والأب، نعم كنت الجميع.
لا أحد يشبهك أمي في حياتي، فأنت مساحة الصدق والأمان والرضا، برضاك نحيا انا وشقيقاتي، ومنك نتعلم الحبّ غير المشروط، فأنت من منحتيه لنا كل ثانية من عمرك، عشناه وكبرنا عليه، لتبقى شمس حياتنا مضاءة بألق رغم كل ما عصفت بنا من ظروف، ورغم آهات فرضتها علينا الأيام تحديدا بعد وفاة والدي رحمه الله.
أعلم أنكِ بشر لكننا وكما كلّ مرة أكتب بها لكِ وعنك أمي نحن نحبّك بأنانية، رغم أنكِ من علمتنا الحبّ غير المشروط، أعلم أنك تتعبين وتمرضين وتعانين كما تفرحين وتضحكين، أعلم أنك تسترتين الوسادة بدموعك وبأنين ألمك فأنت من فقدت في هذا الشهر تحديدا (محسن) حياتك وحياتنا، وقبل أيام رفيقة دربك وسندك وكما تطلقين عليها اختي التي لم تلدها أمي، وبعد وفاتها لم يعد هناك من يسأل عنك ويفهم فرحك ووجعك، فقدت (هالة) الحبّ في حياتك والأمل، «عمتي» شقيقة والدي، أعلم أنكِ تبحثين عن القوّة بل تلملمينها من درب حياتك لنبقى على قيد الفرح الدائم والراحة، والإطمئنان، أعلم أنك تكرهين الضعف والمرض ليس لأجلك إنما لأجلي انا وشقيقاتي، أعلم أنك في حالة تفكير لا تتوقف بحياة أحفادك وحفيدتك، ومستقبلهم/ ها، أعلم أمي بكل هذا وأكثر، لكني أقسم أنك نفسي في هذه الدنيا ونبض وجودي، وحضوري وألقي، وقوّتي، لا أرى الحياة إلاّ بكِ ولكِ، ودون ذلك أقسم كله تفاصيل تتغيّر لتجعل من هذا العُمر يمضي بمزيد من الأيام والسنين، حماك الله أمي (ماما) ومنحك الصحة والعافية وطول العمر وأبقاك لنا الحياة في حياتنا أنا وشقيقاتي وأزواجهن وأحفادك، وحفيدتك.
في عيد الأم، اليوم كل عام وأمهات العالم بخير يشبه خير نفوسهن.
الدستور