facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




اشربوا قهوتكم قبل أن تبرد .. د. خالد الخلفات


17-05-2010 04:47 PM

عيناه مغمضتان ،فهو مصمم على إدانتنا ،ولا يحب أن يرانا فنحن الكبار مجرمون بحقه ، جسمه مسجّى على السرير بلا ذنب ، قتلنا فيه طفولته وهو ابن خمسة أشهر ،قلبه يحمل إصرارا على العيش ، وعلى الحياة لأنه ـ باختصار ـ لا يريد أن يموت ، أجهزة المراقبة تعمل لمتابعة وضعه ، صوتها يثير فيك الكثير من المشاعر والكثير من الأسئلة ، التي تبحث عن إجابة . وطفل آخر انتقلت إليه في رحلة البحث عن المصابين من أقاربي في حادث الحافلة الأسبوع الماضي ، نظرت إلى عينيه المفتوحتين ولكنه يتألم ، سلمت عليه وقبلته ، قلت له كيف أنت أيها البطل ؟ تحشرج حرف اللام في فمي ،وأظهرت تماسكي أمام هذا الطفل ، لا أريد أن يرى ضعفي وحزني ، فهو الابن الذكر الوحيد لوالده المسجى بين الموت والحياة في غيبوبة لا يبعد عنه ، إلا مسافة سرير ،ضحكت في داخلي عندما نعته بالبطل ، أي بطولة هذه التي أتحدث عنها بطولات الكبار أم بطولات الصغار ، بطولات معاركنا التي صارت ساحاتها وقتلاها طريق الموت أم بطولات معاركنا في جامعاتنا وقرانا ومخيماتنا ، لا أدري ولكننا ولدنا أبطالا وهميين ونريد لأطفالنا أن يكونوا كذلك ، قال لي محمد جوابا على سؤالي البطولي : الحمد لله . نعم ودائما الحمد لله على كل شيء ،الحمد لله على حافلاتنا المتهالكة : الحمد لله ، على سائقي حافلاتنا المتهورين ، والحمد لله على طرق سيئة، والحمد لله على كل شيء .

هؤلاء ثلاثة من عشرة أشخاص من أبناء عمومتي وبنات عمي وأطفال لهم في عمر الورود ، كانوا من ضحايا حادث الحافلة على طريق الموت الطريق الصحراوي ، (كانوا قد ذهبوا ليفرحوا ) وكانوا قد ذهبوا ليبحثوا عن الفرح في عمان ، وشاركوا أقارب لنا فرحتهم بعرس ابن وبنت لهم ،ودَّعَتْهم عمان فَرِحةً بهم وبغيرهم من ركاب الحافلة، ولكل منهم قصة وحكاية ،وفي طريق العودة أبت عمان قبل أن يتجاوزوا حدودها جنوبا إلا أن تستلب منهم الفرحة التي منحتهم إياها ، زغرودة الفرح لمّا تجف بعد لابنة العم ، انقلبت إلى صراخ وعويل ، وانقلبت الفرحة إلى حزن وألم ، هذه في المستشفى وأطفالها كلهم مصابون على أسرّة المستشفى حولها ، بعضهم بين الحياة والموت وهذه لا تدري عن حال زوجها وهذه وهذه وهذا وهذا في مستشفيات متعددة عانينا كثيرا حتى وصلنا إليهم في تلك الليلة ،في ظل غياب مرجعيات على الرغم من الجهد الكبير الذي تبذله أجهزة الدفاع المدني والأمن العام، فلهم منا كل الشكر،

معركة على طريق الموت ، كل من في الحافلة مات أو أصيب ، وكل بيت في الطفيلة رفع راية السواد على قريب أو نسيب أو صديق أو جار ، ففتاة حالمة تمتليء بالحياة والسعادة ،وهي طالبة في جامعتنا ذهبت إلى عمان لتجهز نفسها لحفلة عرسها، حملت ثوبها الأبيض معها من عمان ، وعاد ملطخا بالدماء ، وزفت إلى قبرها بدل أن تَزفَّ إلى بيتها . ، وتلك ذهبت لتزور مريضا في عمان وذاك ذهب للمعالجة وهذا عائد إلى بيته بعد أن أرهقه العمل في عمان ليرتمي في بيته ، ويقبل أطفاله الذين لن يراهم وآخر وأخرى.... والألم مستمر.

هذا شكل معاناتنا في الجنوب في كل يوم نقرر الذهاب إلى عمان نخاف ونحمل هم طريق الموت وركوب الحافلات أو حتى ركوب سياراتنا الخاصة ، سأبوح لكم بسر لا يعرفه إلا أهل الجنوب هو أننا في اليوم الذي نقرر فيه الذهاب إلى عمان واستخدام الطريق الصحراوي ، نمارس طقوسا خاصة لا يقوم بها إلا من عرف أنه يحمل بين جنبيه مشروع ميت ، نقبل أطفالنا ، ونلقي على البيت وأهله نظرة ربما تكون نظرة الوداع ، ونذكر الأهل بما علينا من ديون وحقوق للعباد وغير ذلك ، فكثيرون هم الذين يسافرون إلى عمان كل يوم ويعودون أو لا يعودون ، بالتأكيد هناك حكايات أخرى وآلام أخرى،نحن لا نريد أن نوقف نهر الدم والحوادث مطلبنا بسيط جدا نريد فقط طريقا آمنا ، طريقا بمسارب متعددة ، مسارب للحافلات والشاحنات التي نرى الموت من خلالها كل يوم ،ومسارب أخرى للمركبات الصغيرة ، نريد قادة للحافلات ممن وصلوا سن النضج والعقل ممن يزيد عمره عن أربعين عاما ، ليعرف معنى الطفولة ، ويحمل هم خمسين راكبا سيسأل يوم القيامة عما سببه من مجازر وقتل متعمد ، لن نتحدث عن اللامركزية التي ستسهم في تخفيف رحلات معاناتنا اليومية إلى عمان ، لأننا لن نستغني عن عمان ورحلتنا إليها.

ما النهاية ؟ النهاية واضحة ومكشوفة ومزعجة ومملة وسخيفة ، اشربوا قهوتكم قبل أن تبرد ، أصحاب العباءات نجلهم ونحترمهم ونقدرهم فكم من شيخ حل مشكلة وأطفأ نارا للثأر والدم ،ولكننا نريد حلا.

د. خالد الخلفات/ جامعة الطفيلة التقنية





  • 1 أبو عمر الكرك 17-05-2010 | 05:34 PM

    بوركت يا دكتور فقد تحدثت نيابة عن الجنوب في وجع من أوجاعنا لك كل التقدير

  • 2 محمد نور جامعة الطفيلة 17-05-2010 | 05:41 PM

    كل يوم يزداد اعجابنا بك يا دكتور سلمت وسلم قلمك أنت مفخرة للجامعة

  • 3 tamara.y 17-05-2010 | 05:58 PM

    د.خالد الله يعطيك العافية ع المقال الرائع والذي عبرت من خلاله عن جزء من مشاعرنا تجاه الناس الذين أصابهم ما أصابهم بتمنى من جميع الناس قراءة كلماتك هذه... وانت عودتنا دائماً على مقالات حلوة وحساسة وواقعيييييييييية تسلم يمينك.....

  • 4 Eanas. Q / TTU 17-05-2010 | 06:01 PM

    سلمت يمناك دكتور خالد
    جزاكم الله عنا كل خير على الموضوع الجميل والهادف

    والله يرحم الموتي ويشفي مصابي حادث حافلةالطفيلة

  • 5 الملثم 17-05-2010 | 06:36 PM

    بوركت يادكتور خالد على هذا المقال الرائع كما عودتنا دائما ولكنني اتمنى على الحكومه ان تدرس انشاء مراكز صحيه شامله على الطريق الصحراوي يوجد بها اسره كافيه وغرف علميات مجهزه باحدث الاجهزه الطبيه وتكون في تجمعات سكانيه على امتداد الطريق الصحراوي مثل القويره والحسينيه والحسا والقطرانه تخدم اهلى تلك المناطق وتقدم الاسعافات وان تكون خدمه متكامله في حاله حصول حوادث لا قدر الله مما يوفر في اختصار الوقت لنقل المصابين

  • 6 علاء الحساسنة 18-05-2010 | 10:42 AM

    أخي الدكتور خالد بوركت يمينك على ما قالت فقد عبرت عما يجول في خاطرنا وكلماتك جاءت على الألم الذي نعاني منه ولا يشعر به إلا نحن ولا نملك إلا أن نقول لك جزاك الله تعالى عنا كل خير ....

  • 7 ن خالد عدينات / جامعه الطفيله 18-05-2010 | 01:03 PM

    ففتاة حالمة تمتليء بالحياة والسعادة ،وهي طالبة في جامعتنا ذهبت إلى عمان لتجهز نفسها لحفلة عرسها، حملت ثوبها الأبيض معها من عمان ، وعاد ملطخا بالدماء ، وزفت إلى قبرها بدل أن تَزفَّ إلى بيتها .
    اه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه
    لن تاتي بعدكي منتهى يا منتهى

  • 8 خالد العدينات / الطفيله 19-05-2010 | 03:06 AM

    بالرغم من ماساتك / فقد ابدعت يا دكتور

  • 9 هاني العوران 19-05-2010 | 03:44 PM

    اه والف اه ابكيك ياوطني. ابكي ما وصل اليه حالك. رحم الله امواتنا واموات المسلمين. ولكن هل تظن ان في الاردن غير عمان ؟؟؟؟

  • 10 خالد عطية السعودي 19-05-2010 | 05:37 PM

    أخي د. خالد أعتقد أن المشكلة تكمن في:
    الإنسان الذي لم تعُد له قيمه!
    الطريق الذي لم يُعد صالحاً للسير عليه!
    القهوة التي أخذت طابع القداسة!
    وهكذا أصبح من المألوف أن ترى دماء باردة تُغطي سواد الطريق! وليس من المألوف أن تجلس عباءة وتبرد القهوة في حضرتها! أخي د. خالد تلك مكامن المشكلة ، أما الحل فكما قال المعري:
    غير مجدٍ في ملتي واعتقادي نوح باكٍ ولا ترنُّم شادِ
    وأقول للسائق:
    خففِ الوطء ما أظنُّ أديم الأر ض إلا من هذه الأجسادِ
    سر إن استطعت في الهواء رويداً لا اختيالاً على رفات العبادِ
    شكراً لأبي يزيد في كل مرة يُتحفنا، ويُتحفنا.. ونحن مدينون بهذه التحف..

  • 11 أبو محيسن 04-07-2010 | 12:14 AM

    الله يزيك الخير يا خالي أنا أنس ابن مروان
    (أبو أنس المحيسن)

  • 12 اباء محمد 28-07-2011 | 03:47 PM

    ابدعت دكتوري الفاضل .... ما شاء الله ... بارك الله حرفك ...


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :