facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التحديث وصيانة الثقافة


د. فيصل غرايبة
19-12-2021 12:15 AM

تقوم المدينة على التفاعل بين المكان والزمان، وعلى مقومات معنوية ومادية يحولها إلى نتاج فكري للمجتمع وإبداع للإنسان، منبعثا من هذا الإنسان ذي الروح المتوثبة والرؤية المتجددة والعقل المتطور، ولينتج عن هذه القدرات مجتمعة «المدينة» التي يقيمها الإنسان بروحه وعقله ورؤيته في كيان آخر جديد، لا يتوقف عن التغير والتطور، يسطر تاريخا متحركا عبر مكان معين، يتشكل من جدلية العلاقة الدائمة بين القديم والجديد، وبين الأصالة والمعاصرة.

فقد يكون الجديد عاتيا مدويا، يحاول أن يمحو من طريقه كل ما هو أصيل، وقد يكون هذا ما حدث في المدن العربية، التي تحولت إلى مدن متروبوليتانية ذات طابع عالمي، ولكن حدوث التغيير على هذا النحو لا يعني أن الروح الأصيلة قد غابت عن المدينة العربية. قد تكون المباني تبدلت، وقد تكون العلاقات الجمعية أصابها بعض الوهن، ولكن الروح التراثية الأصيلة تقاوم أحيانا وتتكيف أحيانا أخرى في احتكاك متواصل مع الثقافة الحديثة.

نلاحظ أن المجتمع البسيط غير المعقد الأصل، الذي تطور واتسع حتى أصبح مدينة حديثة، يصبح ذا قدرة على البقاء والاستمرار، كما يحدث الآن في مواجهة المقدسيين لمحاولة تهويد المدينة المقدسة، وكما حاولت السلطات السوفيتية تدمير حضارة المدن القديمة في الدول الإسلامية في وسط آسيا، وقطع جذور الأنماط الدينية والاقتصادية والأسرية.

ويقال الأمر نفسه في حالة استمرار بعض الطرز المعمارية والرموز الثقافية في بعض مدن إسبانيا وإنجلترا وألمانيا، وهي على عكس حال المجتمعات التي لم تمر في ظروف حضرية قديمة، فإنها لم تشهد نمط صمود الأشكال والرموز التقليدية في العمارة وفي أساليب العيش. فقد دخلت هذه المدن موجة التحضر السريع الذي حولها إلى خليط من أبنية مندثرة فاقدة لقيمتها العملية ومنشآت تفتقر إلى القيمة الحضارية، وتفككت معها الروابط الاجتماعية التقليدية، وعزلت مجالات الأنشطة الاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية عن بعضها لاعتبارات التخصص والتحديث.

يتم ذلك مقابل استمرار عناصر تراثية مميزة لهذه المدن كالمسجد، حيث تلتف كل نوية من نوياتها حول مسجد، وحيث تصاميم الجوامع والأضرحة والمقامات بقيت ثابتة، ولم يتغير منها سوى النقوش والزخرفة وما يتعلق بالسعة، نلاحظ في هذا الإطار خطة الإعمار الهاشمي لترميم وصيانة المقامات وأضرحة الصحابة، كما في مسجد أبي عبيدة الجراح بالقرب من ديرعلا بين الأغوار الوسطى والشمالية.

وما يزال قطاع عريض من سكان المدن يضرب الخيام أو السرادقات، وظهر منها نوع جديد باذخ، يستأجر بالأفراح والأتراح، تخليا عن استقبال المعزين أو الجاهات داخل المنازل الحديثة. وهكذا تعيد هذه الممارسات التقليدية روح الأصالة التي كانت سائدة في المدينة القديمة، كما أنها تعيد تجميع القبيلة، وتعيد إنتاج القيم التقليدية التي تسود في المجتمع ويحملها الناس من جيل إلى جيل.

dfaisal77@hotmail.com

الرأي





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :