facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




في ضفاف البحر الميت .. الذي أحيته السياحة


علي صالح الخلاقي
20-01-2022 12:34 PM

قبل إنهاء زيارتي للأردن كان لا بد من رحلة خاصة إلى البحر الميت الذي طالما اشتقت إليه لسببين، الأول: التعرف على هذه البحيرة التي تعتبر أخفض نقطة على سطح الكرة الأرضية، حيث يبلغ منسوب الشاطئ هنا حوالي 400 متراً تحت مستوى سطح بقية البحار، فضلاً عن ملوحته العالية التي تمنع ظهور أي معالم حياتية فيه لكائنات مائية أو نباتات نتيجة ملوحته الشديدة، وذلك سر تسميته بالبحر الميت. والسبب الثاني: لكي تتاح لي فرصة مشاهدة فلسطين الحبيبة- ولو عن بعد- من الضفة الأردنية للبحر الميت ومعانقتها روحياً لا سيما وأنها لا تبعد كثيراً وتُرى جبالها ومدنها بالعين المجردة.

تحركت من عمّان العاصمة، في يوم مشرق ومشمس، مع دليل رحلتي الأستاذ يوسف التعمري، بسيارته الخاصة، وكان ثالثنا طوال الرحلة الفنان الكبير الراحل أبوبكر سالم بلفقيه الذي رافقنا بصوته العذب في ذهابنا وإيابنا وهي يشدو بأغانيه الجميلة التي تشنف الأذن وتبهج النفس.

ما أن غادرنا العاصمة عمان حتى بدأنا ننزل هبوطاً في طريق معبد يتلوى بنا بأريحية في منحنيات انسيابية لا يكدر صفوها مطب، لانعدام المطبات، ولا يفاجئك قادم في خط معاكس، كما يحدث في عدن، لأن الجميع يلتزمون بإرشادات الطريق، فضلا عن كون الطريق تتكون من خط ذهاب وخط آخر للإياب، كما في أنحاء الأردن، وكل منهم تسير فيه السيارات بثلاثة خطوط، اليمين لمن يسير الهوينا والوسط لمتوسطي السرعة واليسار للخط السريع ، ولا يتجاوز أحد السرعة المحددة التي تحددها العلامات الإرشادية على جانبي الطريق.

منذ الوهلة الأولى لإطلالتنا من علو على البحر الميت تبدو لنا في الأسفل صفحة مياهه الغائرة في شق مستطيل أو فجوة عميقة، وأدركت فعلا مدى انخفاضه على مستوى سطح البحر، حتى إننا كلما أوغلنا في الهبوط كلما ارتفعت حرارة الجو، مقارنة بأجواء عمّان الباردة. وعلى المرتفعات وفي بطونها نشاهد التجمعات السكنية المكسوة بالخضرة في كثير من جوانبها، وعلى ضفة البحر تتراءى لنا المزارع والحقول الخضراء التي تنتج الخضار والفاكهة والذرة، وعلى جانبي الطريق يقف المزارعون يعرضون ثمار ومنتوجات أرضهم بطريقة منظمة وجاذبة لمن يرغب بالشراء من المارة والزوار، ممن يحصلون عليها طرية (من المنتج إلى المستهلك)، وبسعر أقل مما هو في العاصمة.

اقتربنا من البحر الميت، وعلى ضفته بدت الحياة منبعثة في المنتجعات والفنادق والشاليهات السياحية العديدة التي يؤمها السائحون والزوار من الداخل والخارج. دخلنا أحد المنتجعات الجميلة والنظيفة، لنلج من خلالها ردهتها على مسابح عذبة في باحته الخلفية للكبار والصغار كان روادها غالباً من العرب مع أسرهم وأطفالهم ربما للخوف على أطفالهم من محاذير السباحة في مياه البحر شديد الملوحة، ثم نزلنا باتجاه ساحل البحر في ممرات نظيفة تزينها الأشجار والورود، وكان رواد البحر غالباً من الأجانب، من جنسيات مختلفة، روس وأوروبيون وبعض العرب. هناك تشاهد من يطلي جسمه ووجهه بالطين الأسود حتى تكاد تتغير ملامحه، وآخرون يسبحون بهدوء على صفحة مياه البحر الهادئة التي تطفو بهم دون حراك، ومنهم من يستلقي معرضاً جسمه لحرارة الشمس، ومنهم من يستحم في رشاشات المياه العذبة المتوفرة للاغتسال من الطين ومن مياه البحر قبل المغادرة..الخ.

جلسنا أنا وصديقي يوسف تحت مظلة تقينا حرارة الشمس، نتأمل المشاهد أمامنا، وقررت أن أختبر ملوحة ماء البحر، فتحركت وغرفت منه ملء كفة يدي اليمنى وتمضمضت به فشعرت بملوحة شديدة لا تطاق وكأنني أشرب منقوعاً كاملاً من الملح، وحين تناثرت بعض القطرات على قميصي سارع زميلي يوسف لغسلها بماء عذب من قنينة في يده حتى لا تتلف لون القميص- كما قال- لتركيز ملوحتها العالية. ولا غرو في ذلك ، فالبحر الميت يتميز بشدة ملوحته العالية، إذ تبلغ نسبة الأملاح فيه حوالي 34%، وهي ما تمثل قرابة عشرة أضعاف نسبة الملوحة الاعتيادية في البحار. ولهذا السب تكثر اللوحات الإرشادية الموجهة للزوار الراغبين في السباحة، تحذرهم من تجنب ملامسة الماء للعين أو حتى محيط العينين، والتأكد من خلو أجسامهم من أية جروح أو تشققات قد تتأثر عند ملامستها لملح البحر، والاهتمام بالأطفال ممن لا تحتمل أجسادهم كمية الملح الكبيرة في المياه وقد يصابون بالتسلخات، وبسبب هذه المحاذير رأينا بعض الأطفال يلعبون على الساحل أو يدخلون قليلاً مع عناية خاصة من مرافقيهم، ولا حظت أن بعض الزوار يأخذون معهم كمية من مياه وطين البحر الميت في أوعية مناسبة وذلك لكي يستخدمونها لاحقاً في أماكن إقامتهم.

ولمياه البحر الميت فوائد علاجية للكثير من الامراض الجلدية، لاحتوائها على تركيبة طبيعية مركزة وعالية من الاملاح المعدنية مثل الكالسيوم والمغنسيوم والمنجنيز والزنك وغيرها من العناصر المهمة لصحة البشرة. كما أن الطين الأسود على شواطئ البحر الميت غني بالأملاح المركزة، ويستخدم لتنقية البشرة وعلاج الأمراض الجلدية والفطريات وتنشيط الدورة الدموية، وتخفيف أوجاع آلام المفاصل، وغير ذلك. ولا غرابة أن وقع اختيار منظمة الصحة العالمية في عام 2011م على البحر الميت كمركز عالمي لعلاج الكثير من الأمراض الجلدية، الأمر الذي ضاعف من أهميته في مجال السياحة العلاجية الطبيعية، وجعل منه مركز جذب للزوار الذين لا تنقطع أفواجهم على مدار العام.
وإلى جانب السياحة العلاجية هناك السياحة الدينية والأثرية التي تجذب كثيراً من الزوار حيث توجد معالم تاريخية وأثرية مثل كهف لوط ومقامات الصحابة معاذ بن جبل وشرحبيل بن حسنة ومقام جعفر الطيار وغيرهم.

أما في الجانب الصناعي فإن الأردن ينتج حوالي مليوني طن من البوتاس سنويًا، بالإضافة إلى كلوريد الصوديوم والبرومين، ويجني من الصناعات المعدنية في البحر الميت حوالي 1.2 مليار دولار، كما تنتج مختبرات البحر الميت الكثير من مستحضرات التجميل المصنوعة من المعادن المستخرجة من طينه.

وقبل مغادرة البحر الميت طلبت من صديقي ودليل الرحلة الأستاذ يوسف التعمري الانتقال بنا إلى أقرب نقطة يمكن لنا فيها رؤية مدينة (أريحا) على الضفة المقابلة من نهر الأردن، وقادنا في طريق تحوطها المزارع الخضراء التي تحجب عنا رؤية الضفة الأخرى من البحر الميت، ومررنا على موقع الكرامة التي دارت فيه معركة الكرامة الشهيرة حتى تجاوزناه، فوقف بنا في أطراف مزرعة خضراء لالتقط صورة مقربة لأريحا التي نراها أمامنا، رغم عدم وضوح الرؤيا لضبابية الأجواء، وحينها حدث لنا موقف طريف لم نكن نتوقعه، إذ رآنا فلاح شاب كان في مزرعته مع آخرين وأخذ يصيح بنا لمنعنا من التصوير من أطراف مزرعته، وهرع إلينا مسرعا ..قلت له فو وصوله: اطمئن.. إننا نصور أريحا فقط.

وعرضت له الصورة التي يبدو منها جزءا من مزرعته. قال بلهجة محلية:" انتوا صورتوا البيت وفيه أمي واختى لابس لا هون"..وأشار الى ركبته..فعرضنا عليه الصور ثانية فاطمئن بكل براءة ان الكاميرا لم تصور داخل البيت..وطلبنا منه ان يلتقط لنا الصور التي أبدو فيها مع يوسف وخلفنا تبدو مدينة أريحا الفلسطينية...وغادرنا البحر الميت وضفافه ومزارعها مودعين بعد ان انتابتنا موجة استغراب وضحك على هذا الموقف الطريف الذي لم نتوقعه..

وفي الأفق، هناك في الضفة المقابلة، تلوح أريحا وجبال القدس وفلسطين المسكونة في قلوبنا، فاستحضرت ذاكرتي أبيات شاعر فلسطين، محمود درويش أوردها كمسك ختام:

وأتْرُك أَريحَا تحْت نَخلته،

ولا تَسْرقْ منامِي

وَحليبَ امرأتي،

وقُوتَ النَّمْل في جُرْحِ الرُّخامِ!

أأتيْتَ... ثُمَّ قَتَلْتَ..

ثُمَّ وَرِثْتَ،

كَي يَزْدادَ هذا البحْرُ مِلْحاً؟

وأنا أنا أخضرُّ عاماً بعد عامٍ

فوْقَ جِذْع السَّنديانِ

هذا أنا،

وأنا أنا،

هنا مَكاني في مَكاني.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :