facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ثنائية الهجاء والحنين


د. أحمد يعقوب المجدوبة
31-01-2022 12:24 AM

هنالك ظاهرة أصبحت مألوفة لنا منذ مدة ومُسيطرة على الخطاب بأبعاده المختلفة في مجتمعنا، تتمثل في ثنائية نقد الحاضر وذمّه، ومدح الماضي وتمجيده: الحاضر سيئ، والماضي جيد.

والحقيقة أن هذه الظاهرة، المُبسِّطة والمُسطِّحة للأمور، هي ظاهرة إنسانية عامة، ولا تخصّنا نحن فقط، لكن ربما هي موجودة عندنا بدرجة أكبر هذه الأيام وتؤثر على شرائح مجتمعية أكثر بكثير من الأثر الذي نشهده في مجتمعات أخرى، بسبب غلبة التفكير العلمي في تلك المجتمعات أكثر منه في مجتمعاتنا العربية.

القاعدة العامة هنا أن المجتمعات تكون غير راضية عن الحاضر، ومُتقبِّلة أكثر للماضي، لا بل تُبجّله وتحنّ إليه.

والمقصود بالحاضر أي «حاضر»: الحاضر الآن في المضارع، والحاضر الذي مضى، أي أصبح جزءاً من الماضي، والحاضر الذي سيهلّ علينا قريباً من المستقبل.

بمعنى آخر، خذ حاضرنا الآن، تجد الأغلبية تتذمر منه وتنتقده، وفي أحيان كثيرة تشجبه. لكن ما أن يصبح هذا الحاضر ماضياُ حتى تجد الغالبية تمدحه وتمجده وتحنّ إليه.

والمقصود بالماضي أي «ماضٍ» كذلك: الماضي كما نعرفه الآن؛ وحاضرنا الذي سيصبح ماضياً بعد فترة من الزمن؛ والماضي الواقع في المستقبل الآن والذي سيصبح ماضياً عندما نعبره ونتعداه بعد زمن.

وأكثر من يعرف هذه القاعدة، ببعديها الاثنين، دارس التاريخ أو الحقب الزمنية المختلفة.

إليك هذا التمرين البسيط.

الق نظرة فاحصة على النصوص التاريخية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الأدبية – لنقل قبل مئة عام أو مئتين أو ألف، تجد هذه الثنائية مُتجسّدة فيها: نقد لاذع للحاضر، وحنين عارم للماضي.

لكن الحاضر الذي كان في الحالة الأولى أعلاه أو الثانية أو الثالثة، والذي كان مذموماً في حينه، صار للأجيال المتعاقبة ماضياً محموداً مُبجلاً.

ومن هم من جيلي شهدوا هذه القاعدة تتجسد في حياتهم في عدة حقب.

نذكر، على سبيل المثال، أن مجتمعنا لم يكن مسروراً من حاضره في السبعينيات من القرن الماضي، ولم يكن مسروراً من الثمانينيات والتسعينيات.

كنّا يومها نتذمر من الأوضاع كلها: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتقنية والتربوية وغيرها.

وقد كنّا نردد دوماً بيت الشعر الشهير، الذي يُدلل على مدى عدم رضانا عن حاضرنا، والذي يقول: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا

لكننا اليوم ننظر بحنين ورومانسية إلى تلك الأيام، وكأنها كانت تخلو من العيوب وكأننا عندما عشناها كنا راضين عنها.

الحقيقة أن لكل زمن – حاضراً كان أم ماضياً – إيجابياته وسلبياته، التي قد تكون مثل إيجابيات أو سلبيات غيره، أو تختلف عنها.

ومن هنا فالمطلوب ليس الهروب من الحاضر بنقده وهجائه والتنصل منه «بغير ذنبٍ» منه، كما يقول شاعرنا ذاته؛ وليس الهروب إلى الماضي بتبجيله وتمجيده والمبالغة في حسنه، بل بمواجهتهما بعين فاحصة ونظرة ناقدة ودراسة دقيقة وحكمة ناضجة تتبيّن الغث من السمين، بهدف تفادي الأول وتعظيم الثاني في حالة الحاضر، ووعي الدروس الحقيقية والإفادة منها والبناء عليها في حالة الماضي.

(الراي)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :