facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مناظرة منصور وقطامين


محمد عاكف الزعبي
22-02-2022 04:43 PM

تابعت كما تابع الكثيرون المقابلة التلفزيونية التي جمعت الاقتصاديين والوزيرين الاسبقين معن القطامين ويوسف منصور على فضائية رؤيا بعد ان دعا الاخير لمناظرة للرد على ما ورد في تصريحات سابقة للقطامين عبر نفس الفضائية حذر فيها من "كارثة" اقتصادية قد تجر البلاد الى اعسار مالي واقتصادي على غرار ما حصل ولا يزال في الشقيقة لبنان، اذا ما واصل الدين العام طريقه صعودا بالوتيرة ذاتها التي حكمت الاتجاه العام للمديونية خلال السنوات الثلاث الماضية.

شخصيا اجد نفسي منحازا للراي الذي يمثله الدكتور يوسف منصور الذي حاول جاهدا عبر الحلقة، ووفق الى حد لا باس به في الدفاع عن اطروحته التي تقول ان ليس ثمة وجه للمقارنة بين البلدين، وان ارقام المديونية التي قادت الى ذلك الاستنتاج تحتاج الى شيء من التعمق لفهمها وسبر غورها ووضعها في سياقها الصحيح.

ولتحقيق ذلك فمن الضروري ان نوسع زاوية النظر التقليدية الضيقة التي لا ترى في المديونية الا حجمها ونسبتها الى الناتج المحلي الاجمالي، وان نتجاوز ذلك الى نظرة اكثر شمولية تاخذ في الاعتبار جوهر ومضمون هذه المديونية. ليس تقليلا من اهمية الحجم ولكن بحثا عن الصورة الكاملة غير المجتزأة التي تضم المديونية بكافة ابعادها التي تحدد مجتمعة العبء المالي الذي يترتب عليها وبالتالي قدرة الدول على خدمتها واستدامتها.

فالى جانب حجم المديونية هناك سعر الفائدة الذي يحدد تكلفة الدين العام و حجم المصروف السنوي الذي يترتب على خدمته. فكلما انخفضت اسعار الفوائد ازدادت قدرة الدول على الاقتراض وتحمل مستويات اعلى من الدين. وهو امر ينصرف على مديونية الدول بمقدار انصرافه على مديونية الافراد والشركات. اي ان فارق الحجم، الكبير اصلا، يزداد اتساعا ان نحن قمنا بوضع مديونية البلدين على مسطرة اسعار الفوائد لاجراء مقارنة عادلة على مبدأ مقارنة التفاح بالتفاح بحسب المثل الاجنبي الدارج. فاسعار الفوائد في لبنان ارتفعت بصورة كبيرة، حتى قبل ان تكشر الازمة الاقتصادية عن انيابها، بسبب النقص الحاد بالدولار وتآكل الاحتياطيات الاجنبية التي جرى تضخيمها على مدار سنوات بفعل اجراءات "الهندسة المالية" التي اقدم عليها البنك المركزي اللبناني والذي قام من خلالها ببناء احتياطيات شديدة التذبذب (unsticky reserves) في ضوء التراجع الكبير في روافد الاحتياطيات التقليدية المتمثلة بالمساعدات والسياحة وحوالات اللبنانيين في الخارج، الامر الذي عمق العجز في الحساب الجاري حتى وصل الى ٢٥% تقريبا من الناتج المحلي الاجمالي. فوصلت فاتورة خدمة الدين العام الى حوالي ٤٥% من اجمالي الايرادات وهي الاعلى عالميا بحسب وكالة التصنيف الائتماني موديز مقارنة مع ١٧% بالنسبة للاردن.

ويزيد من حساسية الاحتياطيات الاجنبية للحساب الجاري نسب الدولرة المرتفعة جدا في الاقتصاد اللبناني والتي ظلت لسنوات تراوح مستوى ٦٠% وهو مستوى مرتفع جدا لم يكن وليدا للازمة الاقتصادية الراهنة، بل صفة لازمت اداء الاقتصاد عبر السنوات على نحو جعله اكثر انكشافا على الظروف الخارجية واثرها على ميزان المدفوعات. وهنا يظهر فارق اخر يعبر عن التباين الكبير بين البلدين والنموذجين الاقتصاديين، اذ ان نسبة الدولرة في الاردن تبلغ ٢٢% فقط. ورغم الظروف والتقلبات السياسية والاقتصادية التي عصفت في المنطقة خلال العشرين سنة الماضية فقد ظلت النسبة دون ٣٠%.

والمفارقة التي حاول الدكتور منصور الاشارة اليها حينما قال ان مشكلة لبنان ليست مشكلة دين هي ان لبنان نفسها استطاعت عندما توفرت الاحتياطات الاجنبية ان تدير مستويات اعلى من الدين العام ولو كانت المشكلة بالدين، او على الاقل بالدين وحدة، لتعثرت وتخلفت عن سداد ديونها منذ سنوات. واستعرض الدكتور نسب المديونية في مجموعة من الدول حول العالم مثل الولايات المتحدة الامريكية واليابان ليعبر عن وجود عوامل تساعد الدول على تحمل مستويات مرتفعة من المديونية مثل الاجال الطويلة واسعار الفوائد المتدنية والاحتياطيات المرتفعة بالنسبة للاقتصادات الناشئة والنامية. وهو يعرف تمام المعرفة حين اجرى التشبيه مع تلك الدول انه تشبيه مع الفارق.

عامل اخر يدخل في تحديد العبء المالي المترتب على الدين العام هو متوسط عمر هذا الدين. فتركز الاستحقاقات على المدى القصير يزيد من مخاطر واعباء اعادة التمويل التي تنشأ عن الدين عند استحقاقه. والمهم هنا ليس فقط ان متوسط عمر الدين العام الاردني يفوق نظيره اللبناني بل ان الدين الخارجي الاردني مدعم بقروض خارجية ثنائية ومتعددة الاطراف بشروط ميسرة جدا تصل اجالها الى ثلاثين عاما وبما يقلل من مخاطر اعادة التمويل المترتبة على الدين الخارجي المعروف بمخاطره المرتفعة نسبيا. وقد اثنى صندوق النقد الدولي في تقرير المراجعة الاخير الصادر الشهر الماضي على الجهود التي افضت الى اطالة عمر الدين المحلي ليصل في المعدل الى ٦ سنوات.

الخطأ الذي يرتكب في المقارنة بين الاردن ولبنان، هو ذاته الذي يقع فيه البعض عند المقارنة بين الوضع الاقتصادي اليوم والوضع عام ١٩٨٩. حتى اولئك الذين يستنكرون التشبيه، فهم يقعون بالخطأ اذ يختزلون الفارق بمستوى الدين او شكله دون اي اعتبار لمضمونه المتمثل بتكلفته واجاله وحصة الخارجي منه وعوامل اخرى.

بحسب وكالة التصنيف الائتماني موديز، فقد بلغ الدين العام اللبناني في نهاية العام ٢٠١٩ حوالي ١٨٠% من الناتج المحلي الاجمالي مقابل ١١٠% تقريبا للاردن. الفارق بين الرقمين كبير، لكنه يتسع اكثر اذا ما نظرنا الى مكونات ومضامين المديونية في كل من البلدين ضمن سياق شمولي متكامل يأخذ اساسيات الاقتصادين بعين الاعتبار. وان كان المركز الائتماني للمملكة قد تراجع خلال السنوات الماضية فان الحديث عن الاعسار لا اساس له.

واجدني نهاية منحازا للدكتور يوسف منصور في دعوته للاقتصاديين والمؤثرين وصناع الراي بضرورة توخي الحذر في انتقاء مفرداتهم وتعابيرهم عند الحديث في الشان الاقتصادي، لان النبوءة الاقتصادية محققة لذاتها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :