facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المعارضة السياسية الأردنية في مئة عام 1921-2021


النائب الاسبق د. بسام البطوش
20-03-2022 11:42 PM

في كتابه (المعارضة السياسية الأردنية في مئة عام 1921-2021) يؤسس المؤرخ الأردني د. علي محافظة لمسارات جديدة في الكتابة التاريخية حول الحياة السياسية الأردنية في المئوية الأولى من عمر الدولة، بمقاربته للملف التاريخي للمعارضة السياسية في الأردن، وبفتحه بهذا الجهد التأريخي الرصين الأبواب واسعة للبناء على هذا العمل التاسيسي، ولعل كل فصل من فصول الكتاب يستحق دراسة منفردة وموسعة، وبما يفتح آفاق واسعة أمام الباحثين لإجراء مزيد من الدراسات حول تاريخ المعارضة السياسية في الأردن.

في هذه الدراسة يقدم د. محافظة منهجاً بحثياُ يستند إلى الوثائق الفكرية والسياسية المتاحة، ويثير التساؤلات المثيرة لمزيد من الجهد البحثي المنهجي. وفي الواقع نحن أمام بانوراما تاريخية للحياة السياسية تبرز حيوية الشعب الأردني ووعيه ووطنيته وانخراطه في هموم أمته وقضاياها، وسعيه الدؤوب الموصول للحرية والديمقراطية والعدالة والوحدة ومواجهة أخطار الصهيونية والاستعمار ومطامعهما.

كما تبرز هذه الدراسة ما عرفته الحياة السياسية الأردنية من صراع وتجاذبات بين السلطة والمعارضة، لكنها بقيت دائماً في إطار الصراع السياسي غير الدموي، فالنظام الهاشمي عبر قرن من الزمان بقي يتعامل مع المعارضة وفقاً لقاعدة العصا والجزرة، ولم يذهب بعيداً في التعامل معها إلى حد كسر العظم والدموية وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية كما فعلت أنظمة عربية قريبة وبعيدة. فمن الطبيعي ونحن في إطار الدراسات التاريخية أن نعي أن السلطة أي سلطة عبر التاريخ لا تحبّذ وجود معارضة سياسية قوية، ولا تسعى لوجودها، بل تبذل قصارى جهدها لتحجيمها واحتوائها، لكن اساليب وطرائق التحجيم والاحتواء تتنوع. والمقارنة مع محيطنا العربي تمنحنا القدرة على فهم نوعية التعاطي الحكيم والعقلاني للسلطة السياسية في الأردن مع المعارضة السياسية عبر قرن من عمر الدولة الأردنية.

وتكشف هذه الدراسة - من وجهة نظري، وقد لا يوافقني المؤلف هذا الرأي – بأن التعثر الحقيقي الذي أصاب الحياة السياسية الأردنية نجم عن ارتباط كثير من الأحزاب والتجمعات والشخصيات السياسية تنظيمياً وسياسياً بدول وأنظمة ومنظمات خارجية، فكانت تتعامل مع الأردن وفقاً للمصطلح المتداول في فترات من زمن المئوية الأولى (الساحة الأردنية)! فالاحزاب الأيديولوجية والمرتبطة بأنظمة ومنظمات خارجية بعثية ويسارية وإسلامية وفصائلية تعاطت مع الأردن في محطات عدة عبر زمن المئوية الأولى كساحة للعمل وليس كوطن تتقدم سيادته وأولوياته ومصالحه على جميع المصالح.

وفي ظني أن الأردن خسر تجربتين أو محاولتين جادتين للتنمية السياسية ولمشاركة المعارضة الوطنية في الحياة السياسية بل وفي الحكم. ولبروز معارضة سياسية وطنية غير خاضعة لتعليمات الخارج وتمويلاته.

الأولى: تمثلت في الحركة الوطنية الأردنية التي ظهرت عقب توقيع المعاهدة الأردنية – البريطانية 1928م وأنتجت مؤتمراتها الوطنية الأردنية الخمس 1928-1933م، وحزبها السياسي "حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الأردني"، وهو في الحقيقة امتداد لحزب الشعب الذي ولد عام 1927م. فقد كانت حركة وطنية نابعة من التراب الوطني الأردني، تتمتع باستقلالية كاملة، ولا ترتبط بالخارج، تعي أولوياتها ومحدداتها الوطنية، غير منفصلة عن هموم أمتها، وتمتلك الوعي الكامل بما يحيط بالأردن من أخطار وتحديات. لكنها تجربة أجهضت مبكراً لأسباب ذاتية تتعلق بالنزاعات الشخصية بين قادتها ورموزها، وأخرى موضوعية تتعلق بموقف سلطة الانتداب والحكومات المتعاقبة منها، وسعيها الحثيث لاضعافها وتفتيتها، وتعميق الخلافات في صفوفها، واللجوء إلى سياسات الاسترضاء والاستقطاب والتوظيف في التعامل مع هذه الزعامات حيناً، واستخدام المضايقات الشخصية حيناً آخر. كما صدرت سلسلة من التشريعات كقانون العقوبات المشتركة، وقانون النفي والابعاد، وقانون الاجتماعات العامة، وتعاميم منع الموظفين من العمل السياسي، فساهمت في مجملها في تحجيم الحركة الوطنية التي ناصبت سلطة الانتداب عداء بعداء.

والثانية: تجسدت في فشل تجربة الحكومة البرلمانية الحزبية الأولى والأخيرة، عبر وصول الحزب الوطني الاشتراكي للحكم 1956-1957م، وهو حزب وطني أردني غير وافد من الخارج، جمع شخصيات سياسية ومجتمعية من الضفتين، لكن تحالفه الانتخابي ثم تحالفاته في اطار الحكومة الائتلافية مع حزب البعث والجبهة الوطنية بمكوناتها الشيوعية واليسارية أدخل التجربة برمتها في لعبة المحاور العربية، وصراعات النفوذ السياسي والهيمنة والتدخل التي مارسها البعث والناصرية. فكان عدد من وزراء الحكومة والنواب المشاركة أحزابهم في الحكومة لهم ارتباطاتهم وأولوياتهم الحزبية والسياسية المتأثرة بالخارج، مما فتح المجال للتدخلات السورية والمصرية في مواقف بعض الوزراء وتوجيههم نحو التطرف السياسي، وممارسة تأثيرهم داخل مجلس الوزراء وفي مجمل التوجهات العامة للحكومة، ومن أبرزهم وزير الخارجية في حكومة النابلسي. هذا مضافاً إلى تسلل الحزبية البعثية والمؤثرات الناصرية لصفوف ضباط الجيش، مما أسهم في وضع نهاية مبكرة لهذه التجربة السياسية الريادية على مستوى العالم العربي، بوصول إئتلاف حزبي للحكم عبر صناديق الاقتراع ومن خلال أغلبية نيابية، كان النظام السياسي ممثلا بالملك الحسين بن طلال- رحمه الله- قد عوّل عليها كثيراً وأراد جعلها إنموذجا يحتذى في صحراء العرب الخالية من الديمقراطية، لكن الرعونة السياسية الحزبية والارتهان لإملاءات الخارج وغياب الخبرة والتجربة وضعت حداً لهذه التجربة، وأدخلت البلاد في الأحكام العرفية25/4/ 1957م وحظر العمل الحزبي، حتى العودة الخجولة المترددة المثقلة بمخاوف الماضي عام 1992م للعمل الحزبي العلني.

ويورد د. محافظة أمثلة دالة على ارتهان المعارضة في بعض شخوصها وأحزابها ومراحلها للخارج، كموقف صبحي أبو غنيمة من أمير البلاد وحكومة الأردن وفقاً لتقلبات المزاج السياسي في دمشق(شكري القوتلي)، ولعل ما صرح به أحد قادة البعث العراقي في الأردن في مطالع ثمانينيات القرن العشرين من شعوره بأنه مجرد موظف يتلقى التعليمات من بغداد لينفذها في الأردن "وتبين لي من تعليمات مكتب التنظيم القومي أننا في الأردن مجرد أتباع وموظفين للعراق"، مما يدل على عمق أزمة تبعية بعض قوى المعارضة للخارج.

والمعلم البارز في مسيرة المعارضة السياسية الأردنية عبر مئة عام أنها غالبا ما كانت تعمل من داخل الأردن في حالتيها العلنية والسرية، وفي محطات قاسية لجأت إلى الخارج، لكن النظام السياسي كان يعمل جاهداً لفتح أبواب العودة لحضن الوطن والدولة أمام المعارضين ويسارع إلى احتوائهم ودمجهم في أجهزة الدولة، بل وتسليمهم مقاليد أكثر المواقع والمؤسسات حساسية!

ويلاحظ، أن هذه الدراسة غاب عنها إبراز دور التيار الاسلامي في المعارضة السياسية في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ولعل ما ميّز هذا الدور أن هذا التيار نأى بنفسه عن الانخراط في سياسة المحاور والتبعية للأنظمة السياسية العربية المعنية بالتدخل في الحياة السياسية الأردنية، بل إن التيار الاسلامي على محدودية تأثيره في هذه المرحلة وقف موقف الضد من الأنظمة العربية المناوئة للأردن، ولم يكن على وفاق فكري أو سياسي مع اليسار والبعث والناصرية وامتداتها في الأردن بضفتيه.

ويمكننا القول إن الدكتور محافظة أشّر على مسألة هامة أفرد لها فصلاً خاصا بعنوان " الهوية الوطنية الأردنية"، ناقش فيه مسألة الهوية الوطنية الأردنية وسيرورتها التاريخية، وطرح في هذه المقاربة أسئلة عميقة حول التشكّل التاريخي للهوية الوطنية الأردنية والمؤثرات المحيطة التي ساهمت في بلورتها حيناً وفي خنقها ومحاصرتها أحياناً كثيرة، وكشف محافظة عن إشكالية كبيرة في الثقافة الأردنية تدور حول مسألة الهوية الوطنية، وعمق أزمة الهوية في الحياة الأردنية، بخلاف ما حدث في الدولة القطرية العربية على امتداد الوطن العربي، فقد جرى تجاوز اشكالية الهوية بين الوطني والقومي إلى حد كبير، لكن بقيت الأزمة ناشبة في الحالة الأردنية، بفعل تأثير القضية الفلسطينية، ولعل ما أثارته مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظمومة السياسية من ردود فعل وجدل حين استخدمت مصطلح "الهوية الوطنية الجامعة" يكشف عمق هذه الأزمة أو الاشكالية في الثقافة الأردنية بل وفي الحياة السياسية الأردنية.

ملخص لورقة قدّمتها في ندوة نقاشية حول الكتاب بحضور الدكتور محافظة، أقامها مركز مسارات للتنمية في عمّان بتاريخ 19 آذار 2022.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :