facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هندسة الإنسان


د.م. أحمد محمود الحسبان
31-03-2022 10:53 AM

الإنسان؛ ذلك المخلوقُ الغريب؛ الأكثرُ جدلاً بين المخلوقات، والأكثرُ ظلماً لنفسه ولغيره، لم يسلم البرُّ ولا البحرُ من فساده بما كسبت يديه، وأهمُّ ما في فساده؛ الكيلُ بمكيالين، فنظرته للأمور غالباً ما تكون من خلف نظارة مزدوجة الرؤيا؛ إحدى زجاجتيها مكسورة ترى الأمور ضبابية متصدعة، والأخرى التي تعنيه شفافةٌ نقية، ترى ما تريد واضحاً جلياً، كما تشاء ومتى تشاء، غريبة فعلاً سرائره، مختلفةً عمداً عن ظواهره، لا يعجبه قليل، ولا يقنع بكثير، ويقبل لغيره ما لا يقبله لذاته، لذا قال عنه سبحانه وتعالى، الذي اتقن صنعه وأحسن تقويمه: (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) - سورة الكهف، الاية ٥٤، ويقرأها الانسان كل يوم جمعة، فيذكره الله بتلك الحقيقة المثبتة، ولآخر انسان يولد في هذه الحياة، بمعنى انه لا ينيب لحقٍ، ولا يزدجرُ لموعظة.

ومن احد مجالات الجدلِ والكيل بمكيالين؛ ان الانسان عندما وهبه الله نعمة العقل دون غيره من الخلق، ليكون مناط التكليف بخلافة الارض واعمارها، صنع العديد من الآلات الهندسية الميكانيكة والكهربائية والاليكترونية، وبعد ان اكمل صناعتها وبرمجتها وتشغيلها، وضع لها كافة انواع النشرات الفنية التي تضبط عملها وتشغيلها وصيانتها، فهناك نشرات للمشغل لبيان طريقة التشغيل وخطواتها، وهناك نشرات فنية لصيانتها الدورية الوقائية، الشهرية منها والربعية والسنوية، وأخرى لتصليح أعطالها اذا تعطلت، وبيان القطع المستهلكة ومواعيد تغييرها، لضمان أداء أفضل آمن، يؤمن فعالية الاداء واعتماديته لتلك الآلة حتى انتهاء عمرها الافتراضي، واخراجها من الخدمة، وهناك أيضاً نشرات لمعايرتها الدورية، واعادة ضبط المصنع لاعداداتها، كلما دعت الحاجة لذلك، وكلما لوحظ انحراف في قراءات مؤشراتها (البيولوجية مجازاً). وكل تلك النشرات مرفقة مع الجهاز او الآلة عند استخدامها وادخالها للخدمة الفعلية ولغاية احراجها منها، وهي ذات صفحات مفصلة وعديدة، وفيها الكثير من التحذيرات والتنبيهات اللازمة لأية استخدامات خاطئة، أو اية أعطال متوقعه، نتيجة لسوء الظروف المحيطة، كبيان درجات الحرارة الملائمة، ونسب الرطوبة المناسبة، وغير ذلك، ولا يجد المستخدم أو الفني أو المهندس حرجاً بانفاق الوقت الكثير لقراءتها مطولا لمرات عديدة ليجد ضالته كيف يصلح تلك الآلة اذا تعطلت، ويعيدها للعمل مهما كلف الأمر من وقت أو مال. ولكن المحزن في قضية الكيل بمكيالين، أنه اذا تعطلت لديه - هو نفسه - بعض خواصه البشرية القويمة التي خلقها الله فيه، لا يعود لتلك المواعظ السماوية التي نزلت معه للأرض، تلك الصحف الالهية، وآخرها القرآن الكريم، لتستقيم لحياته قناة، ويعمل بالشكل الأمثل الأعدل الأكثر استقامة، كما يعمل هو مع نشرات آلته التي صنعها بيده.

فعندما صنع الله الانسان وأحسن خلقه وخُلقه، بعث الرسل إليه بكتب ورسالات وصحف سماوية عديدة، فيها كل ما يحتاجه لإصلاحه قبل عطله، وتقويمه اذا عطلته الذنوب، والكتب هذه، بدأت بصحف ابراهيم وموسى الأولى، وانتهت بالقرآن، وكلها تشمل إصلاح الانسان في دنياه وليفوز في آخرته الفوز الاعظم. ومن ضمن تلك الرسائل وأوضحها، قد أفلح من تزكى وذكر اسمه ربه وصلى، فالصلاة اليومية خمساً، والصيام شهراً، هي من الصيانات الاصلاحية الضرورية لماكنة الانسان البشرية، لضمان ديمومة عمل برمجية هندستها بالشكل السوي، خلقا وخُلقاً. ولكن الانسان لا يعي ذلك أحياناً، قيقبل للآلة التي صنعها خضوعها للصيانة ضمن نشرات فنية كتبها بيده، ويرفض صيانة نفسه وجسده - بالصلاة والصيام، وحسن التعامل مع غيره، حسب ما أراده الله له، موثقاً بكتب الهيه محكمة التنزيل والتطبيق، لا يشوبها ضعف، ولا تغيرها الأيام.

مقصد القول؛ انما يخشى الله من عباده العلماء، لأنهم يعلمون كيف بدأ الخلق، وساروا في الارض ونظروا، فأيقنوا ماهية هندسة الانسان؛ ما يصلحه وما يعطله، ودرسوا الكتاب السماوي، كل في زمنه، وقارنوه بكتبهم واختراعاتهم، فعرفوا الحقيقة، وكانوا هم ورثة الانبياء، عابدين وعلماء، وليس عابدين فقط، وبذلك خافوا وخشوا الله خالقهم أكثر من غيرهم، فهم أصحاب المكيال الواحد، والمعتقد الواحد، والرسالة الخالدة.

خلاصة القول؛ ما يفهم من شهر رمضان لهندسة الانسان، هو صيانة لهذا الجسد، ولتلك النفس، مرة واحدة في السنة، فتخلصه من سموم جسده وضعيف خلاياه من ناحيه، وتنقي روحه و تزكي نفسه من ذنوبه من ناحية أخرى، فهو بمثابة أفرهول سنوي كامل لماكنة الانسان تلك، العاملة منذ سنين، لضمان زكاتها و تقواها (لعلكم تتقون) وفعاليتها لباقي عمرها الافتراضي، المحكوم بأجل مسمى. فلنصمه ان شهدناه، كما صاموه من قبلنا (كما كتب على الذين من قبلكم)، بكل رضى وهدوء وقرة عين، وبلا سخط ولا غضب ولا منة، فهو مطلب مستحق سنوياً لأجسادنا، وأبدياً لأرواحنا - هندسياً وإيمانياً.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :