facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




رواية "زقاق البهجة" ثنائية العشق والوطن


منذر السليمان
03-09-2022 02:53 PM

بالرغم مما امتاز به الأدب المنشور، عبر منصاتٍ إلكترونية خاصة بالأدب في الصين، من سهولة وسِعة وصول إلى أعداد هائلة من القرَّاء، وسرعة النَّشر، وتجاوزه لصعوبات وعوائق عملية النَّشر التقليدية، بالإضافة إلى ميزة التفاعل بين القرَّاء والمؤلف، والتي تؤدي إلى ما يُشبه التَّشاركية في العملية الإبداعية، حيث يتمُّ نشر العمل على شكل سلسلة من الفصول، يكتبها المؤلف تباعاً بعد الأخذ بآراء قرَّاء فصوله السابقة، إلَّا أنَّ ليس كلُّ ما يُقدم من أعمال على نفس السَّوية في جودة والمحتوى، وهذا ما ركَّز عليه موقع تلك الكتب الصيني العائد لدار "انتركونتننتال"، وذلك باختيار الأفضل، وتقديمه للقارئ العربي.

من تلك الأعمال المُنتقاة، نجد على الموقع رواية "زقاق البهجة" للروائي "ليو يه" والذي يَنْشُرُ تحتَ اسم "فارس فرسان الإمبراطور"، وقد تمَّ اختياره في العام "2020" من ضمن أفضل عشر كتَّاب للأدب التَّاريخي في الصين، وبين أقوى مائة كاتب من كتَّاب أدب الإنترنيت.

تدور أحداث الرواية في مدينة شانغهاي كبرى المدن الصينية، في العام (1942) إبان الحرب العالمية الثانية، حيث كانت المدينة تعجُّ بالأجانب من مستثمرين وصائدي فرص، ورجال مخابرات وجواسيس وسواهم من مختلف الجنسيات، وحيث عديد أحيائِها باتت موزعة كامتيازات ومناطق نفوذ للدول الاستعمارية الكبرى آنذاك، بعد الغزو الياباني واحتلالها لمناطق واسعة شمال شرقي الصين.

"زهاو" الشاب العشريني، الذي كان قد وصلَ إلى منطقة الامتياز الأجنبي في شانغهاي مع جموع اللاجئين الفارين من الحرب، ليعمل كهربائياً في مصنع هندسي، والذي يعيش حياة بسيطة رتيبة، أكثر ما يشغله فيها هو تأمين وجبات طعامه اليومية، ودفع إيجار الغرفة التي يسكنها في زقاق البهجة، غير أنَّ هذا الشخص الذي يعيش ليومه فقط، لن يبقى على هذا الحال، فيما سيأتي من أحداث.

إنَّ أكثر ما يلفت الانتباه في رواية زقاق البهجة، هو عبقرية المؤلف "ليو يه" في رسم شخوص عمله الروائي، بتنوع شرائحهم الاجتماعية، والتركيبة الذهنية لكلٍّ منهم، فمن خلالهم يُقدم للقارئ تصوراً دقيقاً عن البُنية الفكرية والاجتماعية المرتبِكة لسكان المدينة في تلك الفترة، والمُنسجمة مع الأوضاع السياسية المهزوزة بدورها، ويأتي بالدَّرجة الأولى شخصية "زهاو" وتركيزه على إبراز البنية النَّفسية والأخلاقية لبطل روايته، فـ"زهاو" العامل الكهربائي البسيط ذو التعليم المحدود، كما ذكرنا آنفاً، وإنْ كان لديه بعض الخبرات الأخرى من خلال عدة أعمال مارسها سابقاً، حيث عمل سائقَ عربة، وبحارًا، ومهن أخرى كثيرة، إلَّا أنَّ الأهم من ذلك كلّه هو ما بدا من خلال تعامله مع اللصوص ورجال العصابات، فهو ليس مستعداً لتقديم أيّة تنازلات لهؤلاء، لأنَّ روحه لا تقبل الإذعان للفاسدين، ولديه من الشَّجاعة ما يجعله متأهباً في أية لحظة للانخراط في عراك معهم، حتى ولو كان على يقين تام بأنّ معركته خاسرة، وربما يخسر حياته، ما دام وانطلاقاً من مبدأ أخلاقي لا يقبل بأن يترك ضعيفاً أو مظلوماً، لقمة سائغة لأفواه الفاسدين، كما حدث ليلة لقائه الأول بـ"كوكو" التي وقف مدافعاً عنها أمام رجال العصابات، ومن ثم قدم لها وجبة عشائه التي لا يملك سواها، وكل ما في جيبه من مال، وآواها في غرفته المتواضعة مُقتَسِماً معها فراشه، دون أنْ يخطر بباله أيَّة نوايا لا تتفق وأخلاقياته وحسّه الإنساني.

إنَّ ما قدم له المؤلف فيما يخص بنية "زهاو" النفسية وضمن الحدث الروائي، كان بمثابة مؤشرات للتحول الكبير الذي ستشهده هذه الشخصية المركزية في العمل، غير أنَّ المياه قد تبقى راكدة إلى ما لا نهاية، إنْ لم يصطدم أو يسقط بها ما يُحركها، فكان لقاء "زهاو" بـ"كوكو" بداية التحول على المستوى الشخصي، حينما بدأ صاحبنا يدرك أنَّ الحياة أكثر من مجرد وجبة يسدُّ بها جوعه، وغرفة تؤويه، أمَّا التَّحول الأهم فكان يوم شاهد بواسطة المنظار، ومعه "كوكو" في أعلى البرج، أعداد الجنود اليابانيين الكبيرة، وهم يستعدون للإنزال واحتلال المدينة، الأمر الذي زلزل عمق كيانه، ولَفَتَ انتباهه على ما هو أهم وأوسع.

"زهاو" و"كوكو" لن يتأخرا باتخاذ قرارهما بالتضحية بحبهما، وتنحية الأنا لأجل الكل، لتكون المواجهة مع الخونة والجواسيس وذيول المحتلين، غير أنَّ المؤلف ومع اقتراب لحظة التحرير، والتي قد يخطر للقارئ أن نهاية الرواية باتَتْ وشيكة، سوف يقفز بنا عبر الزمن إلى القرن الواحد والعشرين، حيث يلتقي "زهاو" بحفيدته "بان جانينغ" والتي تشبه حبيبته كوكو" جدتها" وكأن الكاتب يود لو يقول "لا شيء يذهب سدى" فكل هذه الحياة التي تعيشها الحفيدة هي بفضل تضحيات زهاو وكوكو، الجدَّيْن اللذَيْن أصرا على أن يترجما عشقهما من خلال تضحياتهما لكي يحقّقا لبلادهما وأحفادهما حياة تليق بالبشر. حياة خالية من الذل والاستعمار، والاستعباد والفساد.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :