facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




طلابنا يَرغبون عن العربيَّة


د. يوسف عبدالله الجوارنة
09-11-2022 11:40 PM

إذا كانت اللغة العربيَّة تعيش صراعًا على غير محور مع غيرها من اللغات في العالم. وإذا كان المستعمِر فَرَضَ لغته فرضًا على الدّول المستعمَرة، وحارب لغتها في عُقر دارها، وسعى في تَشويهِ صورتها في فكرها وثقافتها، وطَمسِ هُويَّتِها في لغتها ودينها وتاريخها- فإنَّ الشّباب اليوم هم جزءٌ لا يتجزّأ من هذا الصّراع المَحموم، تتقاذفهم حِممُه بشدّة بين "الأنا" و"الآخر"، حتّى غدت العربيَّة غريبةً في ألسنتهم يَقتربون منها استحياءً على هامش الحياة.

ولعلَّ من التّحدّيات التي تواجه طلّاب اللغة العربيَّة بعد ثنتي عشرة سنة من التّعليم العام، هو أنَّهم يدخلون الجامعة ويَدرسون العربيَّة كما يَدْرسون لغة ثانية –كالإنجليزيَّة والفرنسيَّة وغيرهما- فيصيبُهم العجزُ وقلَّةُ الحيلة في تَعلُّمها، لأنَّها في ظنّهم –وهو ظنّ خاطئ- لا تُغني غَناءً وافرًا عن اللهجة العاميَّة التي يتواصلون بها على خير وجهٍ، متناسين، وإنْ شئتَ لم يَبلغْهم أنَّ العاميَّة لا تَرقى أنْ تكون لغةَ فكرٍ وثقافة وحضارة وتراث في سياق الصّراع بين اللغات، والعربيَّةُ واحدةٌ من كبرى اللغات التي لا تُنافَس في هذا السّياق؛ إلّا أنْ يَنْحسر مَدُّها الحضاريُّ بما صنعته أيدي أبنائها.

وثمَّة جانبان يُذكرانِ عند الحديث عن التّحدّيات التي تواجه الطّلبة في تَعلُّم اللغة العربيَّة وآدابها، هما:
الجانب الأول: وهو تَحدٍّ خارجيٌّ يتمثّل في الآفاق الرّحبة، أو الأنفاقِ المظلمة- المترتّبة في كليهما على الآمال المرجوَّة بعد تَخرُّج الطالب في أقسام اللغة العربيَّة؛ فإمَّا أنْ تتحقَّق آمالُه بفُرصِ عملٍ يَتغيَّا بها حياة كريمة، وإمَّا أنْ تنهشَه بُنيّاتُ الطّريق أو ثَنيّاتُها، فيروح في الحياة ويغدو لا يلوي على شيء، فيندب حظّه أنَّه أضاع وقتًا من عمره في دراسة العربيَّة، وخاصّة إذا ما صاحَبَ هذا الإحساسَ نظرةٌ سلبيّة يَقذفُها المجتمعُ حممًا بركانيَّة تُجاههم. وهذا الجانبُ نحنُ بمنأى عنه، فهو يَخْضع في الدّول للوائح وتعليمات.

الجانب الثّاني: وهو تَحدّ داخليٌّ، يتجسّد في كينونة الطّالب نفسه، ويتمثّل في كيفيّة استعماله اللغةَ قراءةً وكتابةً ومحادثة. والواقعُ يعلنُ صراحةً من غير التواء أنَّ هناك ضعفًا عامًّا يَسْتفحل في استعمالها بين شرائح الطّلاب أثناء الدّراسة وبعد التّخرُّج، ويمكن إعادة ذلك إلى جملة أسباب، منها:
1. هناك تَصوّرٌ خاطئٌ عند الطّلبة أنَّ العربيَّة لغةٌ صعبةٌ بعيدة المنال، لا يمكن استيعابُها كغيرها من اللغات الأخرى؛ فالطالبُ عاش حياته في سياق الحارة والحيّ، يتواصل مع النّاس ويُواصلونه بلهجة تَعَوّدها منذ الصّغر، ولا يجد ضرورة لهدر وقتٍ في تَعلُّم لغةٍ عايشها عقدًا من الزّمان على هامش المدرسة؛ ففي اللهجة غُنية عنها ومَندوحة.
2. قلَّة الرَّغبة في تَعلُّمِها والإقبالِ عليها، وأنَّها تَعُقُّ أبناءها عند التّخرج؛ فلا تتوافر لهم فرصُ عملٍ لممارستها وإعادةِ توازن شخصياتهم بها.

3. عدم محاولة الطّلاب –حياءً وخشيةَ الوقوع في الزّلل- من ممارسة القواعد التي تَعلَّموها، فيما بينهم في مجالسهم الفصليّة والمقاهي، مكتفين بالعامّيّات الدّوارج حتّى مع الطلّاب من غير العرب أرومة، وهم كنزٌ ثمين يمكن الاستفادة منهم للنّهوض بعربيّتهم، لأنَّ هذه الشّريحة من الطّلاب الأجانب لا تَعرفُ العاميّة ولا يُحسنون التّخاطب بها. وهنا يمكن التّركيز على أمور منها:
- تعويدُ الطّلاب وإلزامُهم التّحدّث باللغة الفصيحة داخل القاعات الفصليّة.
- محاسبتُهم على أخطائهم المتراكمةِ في كتاباتهم واختباراتهم.
- تعزيزُ النّابهين منهم، وإشعارُهم بأهمّيتهم في المجتمع الجامعيّ، والمحلّي.
- إبرازُ أسماء المتفوّقين في لوحةِ شرفٍ والإشادةُ بهم، ويترتّب على هذا: تخصيصُ جوائزَ سنويَّةٍ أو فصليَة، وشهاداتِ تفوّقٍ لأكثر الطلّاب التزامًا باللغة العربيَّة.

4. قلّة الحِفْظ، وإنْ كان فحفظٌ -للأسف- غيرُ واعٍ، في مقرّرات "النّصوص القرآنيَّة"، و"البيان النّبويّ"، و"الأدب العربيّ" في أزمنته المتعاقبة؛ فإنَّ مداومة النّظر فيها، واستظهارَ ما يَروق لهم منها، جديرٌ به أن يَصون الألسُنَ ويُقوّم اعوجاجَها، بصرفِ النّظر عن حفظِ القواعد من عدمه؛ فإقامةُ اللسان قد تكون بها وقد لا تكون. ويترتّب على هذا: ضعفُ السّليقة اللغويَّة الغائبة أصلًا، حتّى "غدا الخطأ عادةً يُستغرب معها الصّحيح". وهنا أشيرُ إلى توجيه ابن خلدون (ت808هـ) في مَعْلمته "المقدّمة" إلى أهميَّة الحِفْظ في اكتسابِ اللغة والمَهارةِ بها إتقانًا وبراعةً وإجادةً، إذْ قال: "وَوَجهُ التَّعليم لمن يَبْغي هذه المَلَكةَ ويَرومُ تَحْصيلها، أنْ يأخذ نفسَه بحفظِ كلامِهم القديم، الجاري على أساليبِهم من القرآن والسُّنَّة وكلام السَّلف، ومخاطبةِ فُحولِ العربِ في أسجاعِهم وأشعارِهم، وكلماتِ المولَّدين أيضًا في سائر فنونِهم، حتّى يَتنزَّل بكثرةِ حفظِه لكلامِهم من المَنظوم والمَنثور، منزلةَ مَن عاشَ بينهم ولَقِن العبارة منهم".

5. اهتمامُهم بالأدب الشّعبيّ المكتوب بالعامَّيّة، وحفظُ ما تَهابطَ منه وتَسافلَ. وعليه، فإنَّه يتوجّبُ على المدرّسين:
- إلزامُ الطّلاب بالحفظ المقرّر في المنهاج وعدم التّهاون فيه، ومحاسبتُهم على التّقصير فيه، وإذا اقتضى الأمرُ ترسيبَهم فترسيبُهم حتمٌ لازم؛ فإذا كان هذا ليس بعشّك، فادرج.
- مراعاة الضّبط الصحيح، والأداء والتّلوين، وبخاصّة في مقرّرات النّصوص والقراءة.
- تشجيعُهم على القراءة الحرَّة في مدوّنات الأدب القديمة والحديثة الرّاقية سواءً بسواء، وتخصيصُ جوائز قيّمة لمن يُفلحُ في هذا الميدان الذي يَزيد في العقل، ويُثبت المروءة.
- إجراءُ مسابقاتٍ في الكتابة على مستوى القصّة بجميع أشكالها وصورها، وفي الشّعر، والخطّ العربيّ، والخطابة، والتّمثيل.

6. هناك جفوةٌ بين الطلّاب والكتاب، لا يريدون بحال أنْ يعتادوا عليه، فضلًا عن أنْ يصبروا على منغّصاته، وخباياه في زواياه؛ فينفرون إلى المذكّرات والملخّصات، وكلُّها لا تسمنُ ولا تغني من جوع.
7. غياب الطّالب مدّة دراسته الجامعيّة عن مكتبة الجامعة، وبعضُهم لا يَعرفون موقعها داخل الحرم الجامعيّ. ولا تُنظّم لهم –للأسف- زيارات مكتبيَّة، يتجوّلون بها، ويَطَّلعون من كَثبٍ على أرفف اللغة العربيَّة الكثيرة، وقد تَزيّنت بها مدوّنات الأدباء والنّحاة والبلغاء والمعاصرين.
8. غَزو مقرّرات "التّعليم عن بعد" الموضوعةِ لشريحة خاصّة، غزوُها طلابَ الانتظام، واعتمادُ الاختبارات المعلَّبة لهم في التّقويم والتّقييم- جَرَّ ويلاتٍ وويلاتٍ في القدرات والتّحصيل.

9. تدريسُ مقرّرات النّحو والصّرف بصورة فارغة جوفاء، بعيدًا عن النّصوص التي تبثُّ في القواعد روحها، ويعيشون فضاءها، وتقرّبها إلى الأذهان بكلّ سهولة ويسر. وإنْ كانَ لا بُدُّ، فمقرّرات "النّحو التّطبيقي" يجب أن تقوم على النّصوص، ومن خلالها يقف الطالب على القواعد، ويعيش النصّ بكلّ معانيه وتجلّياته؛ فإنَّ اللغة تُدرس جملةً واحدة، وتَخلّفَ طلابُنا يوم جزّأنا اللغة، فراح كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون.
10. انصرافُ الطلّاب عن الواجبات الموضوعة على هامش المقرّرات، ظنًّا منهم أنّها غيرُ ذات جدوى، وخاصّة إذا عدموا جدواها بعزوف المدرّسين عن الوقوف عليها وتصحيحها، وإذا تمَّ –وقلَّ أنْ يتّم- فلا تُناقش أوراقهم ولا يُبصَّرون.

11. شعورُ بعضهم أنَّ إمكاناتِهم ضعيفةٌ في تَعلُّم هذه اللغة الشّريفة؛ إذْ لا تُساعدُهم قدراتُهم في ريادةِ رياضِها والتّلذُّذِ بها. وهنا يَحسنُ بالجامعات أنْ تَرفع معدّلات القبولِ في تخصّص "اللغة العربيَّة" في أقسام العربيَّة وكليّاتها؛ لأنَّ النّهوض بالأمّة -أيَّة أمَّة- لغة وأدبًا وفكرًا وسلوكًا وأخلاقًا وثقافةً، وإنْ شئت سيادةً ورفعةً بين الأمم، لا يكون إلّا بلغةٍ حيَّةٍ على ألسنة أبنائها؛ فإنّه –على حدّ الرّافعيّ- "ما ذلَّت لغةُ شعبٍ إلّا ذَلَّ، ولا انحطَّت إلّا كان أمرُه في ذهابٍ وإدبار". وهذا ليس حكرًا على المختصّين بالعربيّة حسبُ، بل يوازيه ثلّة من أبناء العربيّة الجهابذة الأعيان، يَنهضون بالأمّة في ميادين العلوم –كلّ العلوم- النّظريّة والتّطبيقيّة، وفي السّياسة والاقتصاد، وعلوم التّربية والنّفس والاجتماع وغيرها.

12. ومن التّحدّيات الخطيرة التي تواجه الطّلبة في تعلّم اللغة العربيَّة، ويندى لها الجبين، و"تُسقط الحُبلى، وتُضحكُ الثّكلى، وتُسقط شعر الأقرع"- غيابَ القُدوة النّموذج في رسم صورةٍ حقيقيّة معبّرة تجذبهم إلى حبّ اللغة والعيشِ السّليم معها وبها ولها؛ إذْ قد يلحظون في حركاتِ الأساتذة وسكناتهم تَبرُّمًا من العربيَّة: يتحدّثون بالعاميَّة ولا يقيمون وزنًا لقواعدها في دروسهم، ويقرّرون أحيانًا كتبًا على هامش العلم والمعرفة، ويَستجيبُ بعضُهم -للأسف- للهجمة الشّرسة على العربيَّة، ويتفاعلُ أحيانًا معها ويسعى في خرابها؛ فإذا كان هذا حال (بعض) المتصدّرين لدَرْسها وتَدريسها، فكيف بورودٍ في رأد الضّحى لامَسَتْها حبّاتُ السّماء بردًا وسلامًا من ربٍّ رؤوف رحيم؟!

13. وبعد، فقد كان الإخفاقُ في تَعلُّمِ العربيَّة وتَعليمِها قديمًا –يوم كانت العربيَّة عالَميَّةً- من خوارم المروءة. ولعلّه تلوحُ في الأفق اليوم ردَّة حميدةٌ في الإقبال على تعلّم العربيَّة، في أوروبّة وأمريكة ودول شرق آسية؛ للوقوف على أسرارها وامتدادها ستَّة عشر قرنًا من الزّمان دون أنْ تتغيَّر وتتبدّل على غير المعهود في كلّ اللغات، وإنْ دلَّ فإنّما يدلُّ على الإعجازِ القائم فيها المستمدِّ من إعجاز القرآن، كتابٌ من عند الله دَلَّ به على صِدق نُبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، "لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :