facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تراثنا الثقافي غير المادي في ضوء الاتفاقيات والمعاهدات الدولية


أ. د. هاني هياجنة
12-02-2023 05:43 PM

صادقت الأردن على عدد من الاتفاقيات الدولية المعنية بتراثها الثقافي، لا سيما تلك الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة، تتمثل مهمتها العالمية في المساهمة في بناء ثقافة السلام، والقضاء على الفقر، والتنمية المستدامة، والحوار بين الثقافات. وبما أن الترتيبات السياسية والاقتصادية للحكومات لا تكفي في كثير من الأحيان لتأمين الدعم الدائم للشعوب، تعمل اليونسكو على تطوير أدوات تعليمية لمساعدة الناس على العيش كمواطنين متحررين من الكراهية والتعصب، من خلال تعزيز التراث الثقافي، والمساواة في الكرامة بين جميع الثقافات، ودعم البرامج والسياسات العلمية كمنصات للتنمية والتعاون، والدفاع عن حرية التعبير كحق أساسي وشرط مبدئي للديمقراطية والتنمية، وإدارة البرامج التي تعزز التدفق الحر للأفكار وتبادل المعرفة، بقي واجب هذه المنظمة راسخًا في إعادة التأكيد على المهام الإنسانية للتربية والعلم والثقافة.

سعى الأردن بقيادته الهاشمية الفذَّة ليكون في طليعة الدول في تطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الهادفة إلى تحقيق السلام بين الشعوب والمجتمعات والدول، والقائمة على احترام ثقافات المجتمعات وتنوعها، فكان لليونسكو قصب السبق في المحافظة على التراث الثقافي الأردني وصونه بشقيه المادي وغير المادي، وبوصفها منظمة دولية حكومية، فإنها تعمل بالشراكة مع الحكومة الأردنية من خلال المساعدة في تصميم وتنفيذ خططها الوطنية التي تهدف إلى تطوير اقتصاد قائم على المعرفة في بلدنا، وحماية بيئته الطبيعية، وتراثه الثقافي الغني.

إن المجال الثقافي الذي تغطيه اليونسكو واسع، وهو محكوم باتفاقيات متعددة صادقت عليها الحكومة من أجل وضع سياسات لحماية التراث الثقافي في الأردن وصونه، والحفاظ عليه، وكذلك تعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي. فاتفاقية التراث العالمي هي الأكثر شهرة من بينها، حيث تم تأسيسها في عام 1972، وترتبط بالحفاظ على المواقع الثقافية والطبيعية في جميع أنحاء العالم، علاوة على اتفاقيات أخرى لا تقل أهمية عن السابقة، ومنها اتفاقية اليونسكو لعام 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي، واتفاقية اليونسكو لعام 2005 بِشأن حماية أشكال التعبير الثقافي وتعزيزها، حيث أصبح بلدنا دولة عضوًا في هذه الاتفاقيات لتمكينه من العمل بشكل منهجي لضمان استمرار الحفاظ على التراث الثقافي في البلاد وصونه. إن مصادقة الأردن على مثل هذه الاتفاقيات يبرهن وبشكل لا شك فيه أن بلدنا، من خلال مؤسساته الحكومية والمدنية، يبذل الجهد الحثيث لصون ثقافة مجتمعاته، ونقلها إلى الأجيال القادمة كأساس يعضد الهوية الأردنية الجامعة، على المستويين الوطني والدولي.

لن نتناول في هذه العجالة دور اليونسكو في حفظ التراث المادي، إذ يتجاوز ذلك حدود هذه المقالة القصيرة، وما سأتطرق اليه في السطور التالية بعض نتائج التعاون مع منظمة اليونسكو في حقل صون التراث الثقافي غير المادي، الذي عُرِّف في اتفاقية اليونسكو 2003 بشأن صون التراث الثقافي غير المادي" على أنه "الممارسات والتقاليد والمعارف والمهارات – وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية – التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحياناً الأفراد، جزءاً من تراثهم الثقافي. وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلاً عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز من ثم احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية"، ويتجلى هذا المفهوم في مجالات منها على سبيل المثال لا الحصر، التقاليد وأشكال التعبير الشفهي، بما في ذلك اللغة كواسطة للتعبير عن التراث الثقافي غير المادي، وفنون وتقاليد أداء العروض، والممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية.

قام بلدنا بتعبئة العمل المؤسسي من خلال إنشاء لجنة وطنية عليا أردنية للتراث الثقافي غير المادي برئاسة معالي وزيرة الثقافة لرسم السياسات، ووضع الاستراتيجيات المتعلقة بهذا القطاع، بهدف تعزيز الوعي بأهمية صون التراث الثقافي غير المادي بمشاركة المجتمعات والجماعات والأفراد، والمساعدة في تحقيق نظام تصنيف خاص بالتراث الثقافي غير المادي الأردني على أساس منهجية مشتركة بين كافة الجهات المعنية. ويُذكر أن بعض المؤسسات الحكومية وغير الحكومية حققت فيما مضى كثيرا من الأعمال المتعلقة بالتراث الثقافي غير المادي تحت مسميات وعناوين عامة مختلفة، مثل "الفولكلور" و"التراث الشعبي" وما إلى ذلك، وهي إنجازات ما كانت لتتم وتنفذ دون الجهود الحثيثة لوزارة الثقافة الأردنية، إذ ستبقى تلك الإنجازات مصادر قيِّمة للتراث الثقافي غير المادي في البلاد. وبعد مصادقة بلدنا على الاتفاقية المذكورة عام 2006، سعى الأردن، تماشيا مع استراتيجيتها في صون التراث الثقافي غير المادي، إلى إدراج عناصر من التراث الثقافي غير المادي الأردني في القائمة التمثيلية العالمية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لإبراز مساهمته في مسيرة الابداع البشري على مستوى كوني، فقد نجح الأردن بفضل ادارته الثقافية الحكيمة في تسجيل خمسة عناصر في القائمة المذكورة، أولاها (الفضاء الثقافي للبدو في البتراء ووادي رم)، وذلك لإظهار دوره في إبراز العلاقة المعيشية التي تحافظ عليها المجتمعات البدوية مع الفضاءات التي يسكنونها ويعيشون فيها، وثانيها (السامر) كفن أدائي ينتشر في مناطق واسعة في الأردن، إذ يُعتبر من الفنون الأصيلة في الأردن، ويمارس في مناسبات مختلفة، فإدراجه في القائمة التمثيلية سيشجع المجموعات التي تمارسها على الحوار والتواصل. وثالث هذه العناصر (النخيل والمعرفة والمهارات والتقاليد والممارسات المتصلة به)، إذ اشتركت الأردن بتسجيله مع 15 عشر دولة عربية، وذلك لارتباط نخيل التمر بالمجتمعات العربية على اختلاف خلفياتها الثقافية والدينية واللغوية لعدة قرون، فكانت شجرة النخيل مصدرًا للعديد من الحرف والمهن والتقاليد الاجتماعية والثقافية والعادات والممارسات، كما كانت شكلًا أساسيًا من أشكال التغذية عند العرب على مر العصور. ورابع العناصر التي شاركت الأردن في إدراجها على القائمة التمثيلية للتراث القافي غير المادي للبشرية (الخط العربي: المعرفة والمهارات والممارسات)، وهو مشترك مع 15 دولة عربية، فالخط العربي كان له الدور الكبير في نقل الثقافة العربية بما تتضمنه من أبعاد اجتماعية ودينية وحضارية. وأما خامس تلك العناصر فهو (المنسف كوليمة احتفائية ومعانيها الثقافية والاجتماعية)، وذلك لإيمان الحكومة الأردنية ومجتمعاتها، وأطيافها المتعددة، بأن هذا التقليد يحمل معانٍ اجتماعية وثقافية عميقة لكونه أحد المكونات الرئيسية للتراث الثقافي غير المادي للمجتمعات الأردنية التي دأبت على تكييف المنسف وتقاليده كمظهر من تراثهم المتطور والمتغير، مع الحفاظ على مظاهرهم الثقافية وقيمهم الثقافية الخاصة.

ويذكر انه ومنذ مصادقة الأردن على اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي عام 2006 بُذِلت جهودٌ كبيرة لدعم الحكومة الأردنية، ممثلة بوزارة الثقافة واللجنة الوطنية الأردنية للتربية والثقافة والعلوم لتنفيذ الاتفاقية المذكورة، فنُظِّمت حملات توعية حول أهمية التراث الثقافي غير المادي، ودوره في التنمية المستدامة، ونُفِّذ مشروع "التراث الحي للبحر المتوسط" 2010-2012 الذي تشاطرت الأردن إنجازه مع مصر، ولبنان، ودار ثقافات العالم في باريس بهدف تعزيز القدرات المؤسسية في البلدان المعنية من أجل تسهيل مشاركتها الفعالة في الآليات الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي، ووضع تدابير ومشاريع صون بمشاركة المجتمعات المحلية، إذ تمكن القائمون على المشروع من تطبيق أول قواعد جرد مجتمعية للتراث الثقافي غير المادي القائم على المجتمع بالانسجام مع اتفاقية اليونسكو المذكورة، تبعتها إنجازات كثرة في مضمار جرد التراث الثقافي غير المادي في محافظات مختلفة. وقامت اليونسكو كذلك بتنظيم دورات تدريبية لبناء القدرات على المستوى الوطني، وتأسيس مناهج تعليمية للشباب واليافعة بهدف الاعتراف بقيمة التراث الثقافي غير المادي.

واعتمادًا على ما تم إنجازه خلال العقدين الماضيين، فسيكون الأردن في وضع يمَكِّنه من تأسيس تدابير ومبادرات جديدة بمشاركة المجتمعات والجماعات والأفراد لمواصلة صون التراث الثقافي غير المادي الخاص بمجتمعاته، بما يتلاءم مع متطلبات التنمية المستدامة وأهدافها، وبناء قدرات المجتمعات والجماعات، ودعم المؤسسات التعليمية لبث محتويات التراث الثقافي غير المادي في خططها التعليمية، وتعزيز دور المنظمات غير الحكومية العاملة في هذا المجال، وتعديل التشريعات القائمة لتنظيم هذا المجال، وتعزيز قنوات الإعلام والمعلومات لزيادة الوعي بأهمية التراث الثقافي غير المادي، ودعم المؤسسات لإجراء البحوث حول أفضل الممارسات لصونه واستثماره على نحو مستدام لرفاه المجتمعات بطريقة تضمن قدرة التراث الثقافي غير المادي على الاستدامة والبقاء كرأس مال ثقافي تتباهى بها الأجيال الأردنية القادمة وتفتخر.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :