facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




في ذكرى الكرامة أكتب


د. رجائي حرب
22-03-2023 12:55 AM

أبدأ كتابة هذه المقالة وأنا أدقق في المشهد الوطني والتحولات المهمة منذ انتهاء العمليات العسكرية لمعركة الكرامة قرابة منتصف تلك الليلة الربيعية من آذار عندما اندحر الظالمون في غور الكرامة وكأن الزمان يعيد نفسه، فبالأمس غُلبت الروم في أدنى الأرض، ويوم الكرامة توج الأردنيون معنى هذه الآية بهزيمتهم لأدنى البشر في أدنى الأرض، فكانت العلامةَ الفارقة في المعادلة العسكرية عندما يتمرد الكف على المخرز وعندما يثور الدم على السيف فيرسم أهازيج النصر من سلاقات الايمان بالله والتوكل عليه والتصديق بأن ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم )، فكانت أول خيبات أحلام الإسرائيليين، وثانيها خوفهم من صناديد الجيش المصطفوي الذي قلبوا موازين التعسكر والمشاغلة على أرض المعركة، وثالثها تعطيل قدرة سلاح الجو الإسرائيلي وتحييده في حسم المعركة بعد التحام الجيشان دبابةٌ الى دبابة وجنديٌ الى جندي. فكان الحسم للسلاح الأبيض وللروح المعنوية التي فرضت هيبتها وقوتها وجبروتها على الذي أتوا الى معركةٍ اعتقدوا أنها نزهةُ صيف.

إننا ونحن اليوم كأردنيين جزءاً من منطقةٍ ما تزال غارقةً في آثار ولواعج الهيمنة الإمبراطورية الغربية على القرار الدولي، ومنطقةٍ ما تزال تلعن نفسها، وتسب القادم من أيامها ويعملُ مبضعُ الجوع في جسدها بفعل الهيمنة نفسها المسماة بالنظام العالمي الجديد. أحوج ما نكون لإظهار القدرة الأردنية المتمثلة برجالها وشيبها وشبابها وجنودها البواسل ومواقفهم المبهرة في تلك المعركة الخالدة ليعرف الجميع أننا في هذا الوقت الصعب من عمرنا ما زلنا بأفضل حال من ذلك الزمن الذي خضنا فيه معركة بطولية بأقل الإمكانيات ورسمنا في دفاتر الأيام قصص النصر والبطولة والفداء والدفاع عن هذا الثرى الطاهر، والتي بدورها يمكن أن تشكلَ مصادر عزتنا والهامنا لننتصر من جديد على حالة التفقير التي نعيشها وعلى دورة الأيام التي فرمت في رحاها دولاً وزعامات كثيرة، وعلى المشككين بشرعيتنا، وعلى الناعقين بالموت الزؤآم، وعلى خوارج العصر من تلك العصابات الإجرامية الإرهابية التي لبست ثوب السلام وقلوبها تمتليء كفراً وقهراً وسُماً زعاف.

إننا في أردن العز اليوم نقف بكل اعتزاز لنقول للعالم وليس لأمتنا وحدها، ما هي هذه المعادلة التي جعلت ستة جيوش عربية تخسر في حرب 1967، في حين حقق الأردنيون النصر لوحدهم ؟؟؟؟ أجيبوني بالله عليكم .... ما هي هذه المعادلة التي تنازل فيها الأردن في حرب ال 67 عن قيادة جيشه لمصلحة قيادةٍ عربية موحدة لخدمة الأمة فيخسر مع أشقائه العرب في حين يقود جيشه العربي لوحده في حرب الكرامة ويحقق النصر ويكسر معادلات التكتيك العسكري وقواعد الالتحام والاقتحام ؟؟؟؟ أجيبوني بالله عليكم لماذا خسرنا ونحن كثرة، كعرب ؟؟؟؟ في حين كسبنا كأردنيين ونحن قلةٌ آمنت بربها وأيقنت أن النصر من عند الله ؟؟؟؟

وأقف عند الحدث الأخير الذي كشف عن متانة النسيج الاجتماعي الأردني، وأعني انتصارُنا ونحن قلةٌ أمام عدوٍ متغطرس، ثم تجاوزنا لمحنة الأحداث الأمنية عام 1970، والتجاوزات الإسرائيلية الدائمة في ذلك الوقت، وأحداث المنطقة التي كانت تلقي دوماً بظلالها على الأردن من لجوءٍ وابتزازٍ سياسي واقتصادي ومنغصات كبيرة كنا نخرج منها بحكمة قيادتنا ووعي شعبنا دوماً وتصميمنا على البقاء والاستمرار. ثم فك الارتباط مع إخوتنا الفلسطينيين في نهاية حقبة الثمانينيات، وحروب الخليج الثلاث، واللجوء العراقي، ودخول جيوش الغرب الى المنطقة، والأحداث الإرهابية الدموية التي كانت بفنادق عمان الحبيبة على يد أؤلئك الأفاقين في 9/11/2005م، والتي شكلت تحديا جديدا للرؤية الوطنية لأحداث المنطقة، وخاتمة القول ذلك الربيع العربي الذي بيته أوهن من بيت العنكبوت.

فكان المهم في كل ذلك أن الاستجابة للتحدي عند كل الأردنيين كانت في مستوى التوقعات، فقد شكل الأردنيون مقابل كل تلك الأحداث موقفهم السامي، وتصرفوا بصبر القادر، وهدوء الحكيم، وتسامح الكبير، ودخلوا في دائرة الفعل لحماية أمنهم ووطنهم دون أن يتخلوا عن دورهم الإنساني، وكان دائماً ووسط كل تلك الأحداث الجسام كان يقضي بطلٌ هنا أو هناك شهيداً ليرسم بدمِ شهادته لكل الأردنيين طريقاً يشقوه وسط كل هذا الزحام العابث ِ في المنطقة.

إن ظروف نشأة دولتنا، وارثة الثورة العربية الكبرى والرسالة السمحة المعتدلة للاسلام، تُحمِّلُ الشخصية الأردنية من الأعباء ما لا تتحمله شخصية وطنية أخرى في المنطقة، وتجعلها يقظة حاضرة، فهي تخرج من غبار معركة لتدخل في معركة تالية. وهل وصف هذه الشخصية بالعناد، والصبر، والخلق الوعر، والمبالغة في ردود الفعل، والتسامح الا من هذه الحمولة الكبيرة التي يتقاسمها كل الأردنيين؟؟

وليعرف الجميعُ أن عزَّنا في الكرامة لم يكن صدفةً بل انطلق من بوتقة المروءة وعناوين الكبرياء. وحين كشف الاستعمار خططه بعد الحرب العالمية الأولى، وانقض على الدولة العربية الأولى بزعامة فيصل بن الحسين سنة 1919، قال الأردنيون كلاماً لا أغلى ولا أجمل، احتجوا على قرار التجزئة، ورفضوا الصهيونية، وطالبوا بالاستقلال التام، وأعلنوا استعدادهم للدفاع عن الدولة والوطن، وهذه برقيات مشايخ عجلون، والطفيلة، والبلقاء، والكرك، ولجان الدفاع الوطني التي أسسوها شاهدة على وعيهم في زمن اشتدت فيه ظلمات الاستعمار، لكنهم اجتازوه إلى تاريخ جديد يحمون فيه المكان، ويرسمون الحلم للقادم من الأجيال، والأزمان.

وبين تأسيس الدولة الأردنية، التي بدأناها بعد ساعة الصبر ظل هذا الوطن ملجأ للأحرار والمظلومين، مما شكل صيغة نضالية باهرة، فهو أردني، ولكل الأردنيين الذي اختارهم أهلاً، واختاروه وطناً، والذين أورثهم المكان والزمان كل ما تقدم من مروءة وقبول للتحدي، وصبر على الزمان نفسه.

إن الحديث عن يوم الكرامة هو حديث كله انبعاثاتٌ أمسح الغبار والكلام الردئ عن جدرانه وحصونه وقلاعه الشماء، وأن حماية وحدة هذا الوطن الذي هو فارسٌ نبيلٌ يخجل أن يترجل ما دام يرى أن هناك جائعين، وخائفين، ومقهورين في أي مكان، وإن حماية هذا الوطن هو سرنا الكامن في أحشائنا، وهذا ما أفاض به أبطالنا يوم الكرامة حين لقنوا شراذم العدو الدرس الأقسى وأذاقوهم اللوعة الأمضى.

لقد كانت الكرامة تجسيداً لكرامتنا، وكانت الكرامة مشتقةً من مرؤءتنا، وكانت الكرامة تخليداً لقيمة الأرض من غور الأردن التي خاطبها الله سبحانه في حديثه القدسي عندما قال ( يا شام أنت صفوتي من أرضي وأهلك صفوتي من خلقي، فطوبى لمن له مربض عنزٍ فيك ) فطوبى لنا بكرامتنا وطوبى لنا بأرضنا وطوبى لنا بشهدائنا.
فسلامٌ على الأردن العربي،

وسلامٌ على كبريائه وعنفوانه وصبره ومروءته،

وسلامٌ على دم كايد المفلح، وعودة أبو تايه، ومحمد الحنيطي، وفراس العجلوني، ومنصور كريشان، ووصفي التل، وهزاع المجالي، ومعاذ الكساسبة وحسين حرب وراشد الزيود
وبلال الشريدة ومصطفى الدومي ومعاذ بني حمد وكل الشهداء الأبرار.

وسلامٌ للقدس التي حمى وطيس المعركة حول أسوارها واقترب بإذن الله يوم تحريرها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :