ڤارينا رمز ما قدمنا اليهم
م. بسام ابو النصر
25-08-2023 02:06 PM
الأوروبيون هم جيراننا الشماليون، رافقونا عبر حضارة الإنسان القديم جنبًا الى جنب، وإذا كتب لابينا نوح عليه السلام أن يحملنا معًا في قافلة النجاة، فقد كنا الاخوين سام ويافث في ذات السفينة، فقد اتجه يافث بعد الطوفان صوب الشمال الغربي الى حيث تُدعى اليوم بأوروبا، فيما استقر سام شرق بحر الروم " البحر الابيض المتوسط" وتداعت الانبياء الى حيث الشرق الذي حمل ديانات السماء ورسائلها عبر الكثير من الانبياء، ولم يتسن لأوروبا اليافثية أن تنعم بدين سماوي الا بعد انتشار المسيحية والإسلام، وفي الفترة التي أعقبت الهجرة الابراهيمية بين بابل وفلسطين، ذهب محاربين قوامهم ما يقل عن عشرة الاف مصري فرعوني الى شمال البحر المتوسط قاطعين الى اوروبا للوقوف الى جانب احد المتحاربين انذاك فهلك الجيش الا مجموعة صغيرة ضمت فتاة مصرية تدعى ڤارينا حيث ذهبت بمن معها الى جبال الألب فيما يعرف اليوم ب سويسرا، فوجدتهم شعوبًا لا تفقه في الاتيكيت والنظافة والانجاب، ولا تعرف أصول التعامل وبعض فنون التجارة والزراعة، وقد عاشت بينهم كزعيم، وكان لها ولقومها الحظوة والافضلية، وبعدما ماتت وضع لها الاوروبيون في اقصى جبال الالب تمثالا يحمل وسمها واسمها وتعبير للخير الذي اتى من خلالها الى ما صار اليوم من أهم وأفضل الحضارات الانسانية في العالم.
نعلم جيدا كيف افاد الاوروبيون، ابناء عمومتنا من الحضارة العربية التي امتدت في جنوب وشرق المتوسط، وكيف قيض الله لاوروبا جامعات الاندلس كي يبعثوا بابنائهم وبناتهم اليها، وكيف كان يرى شارلمان ملك الفرنجة بالهدية المرسلة اليه من الخليفة العربي المسلم هارون الرشيد وهي ساعة كبيرة، بان فيها جنيًا يحرك عقاربها، وكيف ساعد العرب
الاندلسيون أبناء وبنات أوروبا بنقل المعرفة العلمية والانسانية اليهم من خلال جامعات كانت منارات ما قبل الثورة الصناعية، وما قدمه العثمانيين لأوروبا أثناء وجودهم في المناطق الشرقية منها، وكله جاء في مصلحة الغرب ، بينما أن ما قدمته اوروبا للمشرق العربي وشمال افريقيا بعد الحرب العالمية الاولى وخلال تضعضع الخلافة العثمانية، كان دمويًا، فمن حروب صليبية، وحروب استعمارية، ومحاولات لوقف اي تقدم في المشرق العربي والشمال العربي وحتى تركيا التي قادت الخلافة الأخيرة ، والوقوف بوجه التقدم النووي الباكستاني، واستغلال الربيع العربي لمصلحة الغرب ، وما حدث في العراق وسوريا، كيف للذين يحتفلون بالقديسة ڤارينا في اوروبا ان يتصوروا هذا الذي تحدثه بلادهم بحق البلاد التي انجبت ڤارينا وقادها مصيرها لتكون هي التي تصنع منظومة القيم لديهم، لترسل نابليون بونابرت الى بلدها ويعيث فيها فسادًا ، وكيف للذين تلقوا العلم على أيدي ابن رشد والخوارزمي في جامعات الاندلس ويقدموا للحضارة الاوروبية اروع ما كان ، في حين ترسل الى سوريا والعراق وليبيا جيوشًا ازالت اي أمل في أي تقدم بعد ان بلغت العراق علوًا وتقدمًا، كيف للمحتل الفرنسي ان يحدث ذلك الخراب في الجزائر والمغرب وتونس وسوريا ، في حين استفادت فرنسا مما قدمه العرب لها ابان الحكم العباسي وما بعده.
لقد قدم العرب المسلمون جل ما لديهم للجارة العجوز ، في حين لم يأخذوا منها الا الدم والخراب .