منذ عام 1990 وأنا أتابع حكم مبارك في مصر، أي منذ غزو قوات التحالف العراق الشقيق، وأذكر حينها موقفه المُذّل لشعبه وأمته، فقد تواطأ مع الغزاة، وتمثّل في تصريحاته، وفتح قناة السويس أمام جحافل الجيوش الغازية بدباباتهم وجراراتهم لغزو بلد شقيق لم يقصّر يوما في الدفاع عن أمته في حروبها مع العدو الصهيوني، أو غيره، وقد توّج مبارك خيانته وتحديه لشعبه بأن أرسل قوات مصرية تعمل مع الأمريكيين والصهاينة في خندق واحد لغزو العراق، وقتل أهله، في حالة إذلال لجيش العبور لم يشهدها التاريخ الحديث.

يمكنني تخيّل الأمر بالنسبة للشعب المقهور، والمغلوب على أمره، الذي كان لزمن طويل شعبا حرا عظيما يقود أمته إلى النصر والتحرير، وكيف أصبح يُقاد للذل والهوان؟ ويُجيّر عرقه لبطون شرهة لا تشبع من أسرة مبارك، وثلّة من التجار الذين يتاجرون بلقمة الشعوب وكرامتها.
واليوم، وقد انتفض شباب مصر المحروسة، يريدون استعادة كرامتهم المهدورة في وطنهم، ويريدون استرجاع خيرات بلدهم، ومكتسباتهم التي حققوها بعرق جبينهم، فما أنت فاعل يا طاغية مصر؟ وإلى متى ستبقى مختبئا؟

لم تكفِك مدة ثلاثين عاما من السرقة والنهب والخيانة، وإذلال شعبك، لم تكفك وقد وصلت إلى أرذل العمر، الذي قضيته في التآمر على أمتك، واستهداف شعبك بكل ما هو مذل، وما هذا القلق الإسرائيلي والأمريكي على مصيرك إلا دليل على حجم الخدمات التي كنت تقدمها لهم؛ مما كشف دعاة الديمقراطية الزائفة الذين ينادون بحرية الشعوب، وهم اليوم يتدثرون بأثواب الخزي والعار، يريدون خنق إرادة شعب مصر، ومصادرة إرادته في تقرير مصيره.
لم يكفِ طاغية مصر كل ما فعله في الثلاثين عاما الماضية من عمر أمته وشعبه ذلا وقهرا، وقتلا وتعذيبا وإهانة، فقد أراد مصر أرضا محروقة، فأخرج شرطته السرية، وبلطجيته لترويع شعبه، وحرق مؤسساته، ونهب خيراته، وتدمير حضارته، وسرقة تاريخه، في صورة تذكّرنا بما فعله الأمريكيون في العراق، وإن لم ينفع هذا كله في ترويع شعبه، فلا بأس من طلب النجدة من الصهاينة، فهم يملكون الأساليب الأكثر ترويعا، فقد بدأت الطائرات الإسرائيلية تنقل لعميلها المختبىء من أهله، وأبناء شعبه ما تملكه إسرائيل من وسائل قمع، وقد جربتها في غزة.
هل تذكر يا مبارك غزة؟! أظنك تذكرها جيدا، فهي جارتك القريبة التي تآمرت عليها وعلى حكومتها المُنتخبة؟ هل تذكر برد أطفالها، وجوع شيوخها؟ هل تذكر نساءها الثكالى؟ هل تذكر معاناتهم لسنين طويلة؟ وهم جيرانك الأكثر قربا، والألصق تاريخا! هل تذكر قوافل المساعدات التي منعتها من الدخول إلى غزة؟ وجدارك العازل؟ هل تذكره؟ هل تذكر الغاز الذي تبيعه لإسرائيل بثمن بخس، وتمنعه عن جيرانك في غزة؟!
جاء يوم الحساب يا مبارك، ولم أرك يوما مُحَمّدا، ولا مباركا، فهؤلاء الملايين من أبناء شعبك الذين خنقتهم لمدة ثلاثين عاما يهتفون بكرهك، ورفضك، ورغبتهم بلفظك خارج حياتهم ووطنهم، فها هم بعد صبر طويل يقولون لك:اخرج مطرودا مدحورا.
فرحتي التي انتظرتها عشرين عاما أملا بخلاص الأمة العربية منك، حين تآمرت على شعبك، وعلى العراق، وغزة، هل تتحقق اليوم؟