المعشر .. مقاربة تحليلية للتحديات الاستراتيجية الاردنية
د. محمد بزبز الحياري
17-12-2025 08:26 PM
في ندوة حوارية عُقدت في مدينة السلط بعنوان "التحديات السياسية التي تواجه الأردن"، قدّم الدكتور مروان المعشر، بما راكمه من خبرة سياسية ودبلوماسية واسعة، طرحًا فكريًا جريئًا وغير تقليدي ، اتسم بالصراحة والوضوح الى حد بعيد، ولامس قضايا حساسة طالما جرى التعامل معها بحذر أو صمت.
المعشر قدّم أفكارًا وآراءً غزيرة ومن الوزن الثقيل، اتفقنا معه أو اختلفنا، لكنها في مجملها تعكس فكر رجل دولة خَبِرَ مواقع القرار سفيرًا ووزيرًا ونائبًا لرئيس الوزراء، وترأس لجانًا مركزية في محطات مفصلية من تاريخ الدولة الأردنية. ولهذا، فإن ما طُرح يستحق الوقوف عنده مطولا وأن يُؤخذ مأخذ النقاش والحوار العميق لا الاستهلاك السريع.
أبرز ما ورد في حديثه تأكيده بأن مبررات معاهدة السلام الأردنية–الإسرائيلية قد انتهت عمليًا. فهذه المبررات التي سوَغَت المعاهدة وسوقتها في لحظة ما عند توقيعها، من مثل اعتبارات الأمن والمياه والحدود وما الى ذلك، تآكلت مضامينها بفعل التحولات الإسرائيلية المتسارعة وتنكرها للمعاهدة، وإعادة تشكيل الإقليم على أسس جديدة، مما جعلها قائمة شكليًا، فارغة من جوهرها السياسي والاستراتيجي.
وهنا يبرز السؤال الواقعي: ما البديل؟
في ظل فوضى إقليمية عارمة، واختلال توازنات القوى، واصطفافات دولية تُدار بعقلية مصلحية ضيقة، لا تنظر للأردن إلا من زاوية المصالح الإسرائيلية، فضلًا عن التراجع النسبي للأهمية الجيوسياسية الأردنية لأسباب موضوعية، لا داعي للخوض بها في هذا المقام، هنا يصبح طرح البدائل أكثر تعقيدًا من مجرد تشخيص الحالة.
وتناول المعشر أيضًا حل الدولتين، الذي طُرح عربيًا منذ مطلع الألفية، اطلقته السعودية وتبناه العرب والفلسطينيون كمخرج سياسي واقعي. لكنه أكد أن هذا الحل انتهى فعليًا، ويمكن القول إن هذا الحل ولد ميتا؛ إذ أدركت إسرائيل مبكرًا ومن منطلق أمني، أن القبول به يشكّل تهديدًا استراتيجيًا لمشروعها وكيانها، من ناحية ٱخرى وفي ظل موازين القوى الحالية والدعم الغربي المطلق لإسرائيل، لا يوجد حقيقة ما يجبرها على تنفيذه، حتى انها حاليا تصرح ان مجرد نقاش هذا المقترح هو مكافئة للإرهاب.
الحديث عن السلطة الوطنية الفلسطينية لم يكن جديدًا، حين أشار إلى أنها لم تعد تمثل أحدًا. فسلطة وُلدت من رحم أوسلو، وصُممت بما يخدم المصالح الإسرائيلية، لا يمكنها إقناع شعب يتطلع للتحرر وكسر القيود. ويبقى السؤال الأصعب: ما البديل، في ظل الانقسام الفلسطيني، والتراجع العربي، وتداعيات المغامرات الاخيرة التي أعادت القضية الفلسطينية إلى المربع الاول؟.
أما توصيفه لفشل المشروع الصهيوني على المدى التاريخي، والمستقبلي، فهو طرح قابل للنقاش. فالمعطيات على الأرض تشير إلى تمدد هذا المشروع لا انحساره، وحقيقة الامر انه لا يتمدد إلا بمقدار ضعفنا. وإكتفينا بالوعود الربانية والنبوءات لمواجهته ليس الا، ورغم إيماننا المطلق بحقيقتها، لكن لا يعفينا من مسؤولية الإعداد الواقعي،لمواجهة هذا المشروع لأن تحققها مرتبط بالاستعداد الفعلي على الأرض الذي لا يلوح بالافق حاليا.
وأشار المعشر حول فتور العلاقة الأردنية–السعودية، ويمكن ربط ذلك بمكانة السعودية بوصفها الدولة العربية الأكثر تأثيرًا في واشنطن، وهو ربط منطقي إذا ما قُرئ في سياق طبيعة العلاقات العربية–العربية وتشابكاتها المعقدة.
في المحصلة، لم تكن طروحات المعشر سردًا للماضي بقدر ما كانت إشارات تحذير وإضاءات نحو المستقبل، وسهام فكرية في مياه راكدة، تستدعي نقاشًا وطنيًا هادئًا وعميقًا، مؤطرا بالشجاعة اللازمة حول موقع الأردن،وخياراته، وأدواته في مرحلة إقليمية ودولية بالغة الاضطراب والتوتر.