مُهَرِّج الْسُّلْطَان .. للدكتور الشاعر محمد عبد الرحيم العطيات
21-02-2011 06:28 PM
لأَنّنِي جَبَان
لا أَسّتَطِيّع أَن أَبُوْح بِالَّذِي يَفُوْر فِي الْوِجْدَان
أَنَا الَّذِي لا مَال لِي أَو شَان
يُصَفِّر وَجْهِي رَهْبَة وَتَذْبُل الْعَيْنَان
وَتَرْتَخِي مَفَاصِلِي وَيُخْرِس الْلِّسَان
يَجِف حَلْقِي هَلَعَا وتُرَعِش الْيَدَان
إِذَا لَمَحْت لَحْظَة مُمَثِّل الْسُّلْطَان
***
أَخَاف مِن عَيْنَيْه أَو مِن رَكْلَة الْنَّعْلَيْن
أَخَاف أَن يَسْجُنُني عَامَيْن
إِذَا هَمَمْت أَن أَقُوْل كَلِمَة أَو كِلْمَتَيْن
عَن ثَرْوَة سَرَّيَّة يَكْنِزُها بِالْنَّهْب وَالْبُهْتَان
أَو بُحْت عَن شُذُوْذُه الَّذِي تَلُفُّه سَتَائِر الْكِتْمَان
أَو قِصَرِه الْمُنَيَّف كَيْف صَار شَامِخ الْبُنْيَان
مَعْجُوْنَة جُدْرَانَه بِالْلَّحْم وَالْدْمَاء
تُطِل مِن سُقُوفَه عِظَام أَبْرِيَاء
تَفُوْح مِن أَسَاسِه عُفُوْنَة الْفُسُوْق وَالْبغَاء
لَكِنَّنِي جَبَان
أَخَاف مِن أَقْبِيَة الْتَّعْذِيْب فِي بِنَايَة بيضاء
أَخَاف أَن يَبْلَعُنِي الْسِّرْدَاب أَو تَخْطَفَنِي الْسَّمَاء
أَنَا الْمَوَاطِن الَّذِي يَقُوْدُه الْضَّيَاع وَالْنِّسْيَان
أَخَاف مِن مُّمَثِّل الْسُّلْطَان
وَحَامِل الأَخْتَام وَالنِيْشَان
أَخَاف مِن هِرَاوَة الْشُّرْطِي أَو مِن غَضْبَة السَّجَّان
أَخَاف أَن يَصْفَعُنِي كَفَّيْن
أَخَاف أَن يَجْلِدُنِي سَوْطَيْن
فَالْخَوْف فِي بَلادْنا يَسْتَوْطِن الْدِمَاغ وَالابْدَان
وَالْصَّمْت فِي حَيَاتِنَا مَن أَضْعَف الإِيْمَان
*****
فِي وَطَنِي الْمُمْتَد أَو فِي وَطَنِي الْصَّغِيْر
مُمَثِّل الْسُّلْطَان فِي دِيَارِنَا مُنَافِق كَبِيْر
تَنِز مِن جَبِيْنُه زَّنَاخَة الْخِنْزِيْر
يَحْتَرِف الْتَّهْرِيْج وَالْتَّزْوِيْر
حَدِيْثِه مُنَمَّق وَنَاعِم كَأَنَّه الْحَرِيْر
لَكِنَّه يَعَض فِي وَحْشِيّة كَالَّذِّئْب وَالثُّعْبَان
وَنَحْن أَنْقِيَاء الْوَجْه وَالْيَدَيْن وَالْضَّمِيْر
يَحْسَبُنا فِي شَرْعِه نَوْعَا مِن الْحَمِيْر
فَرِيْسَة جَدِيْرَة بِالْطَّرْد وَالْتَّطْهِيْر
تَارَة مِن فَضْلِه يَحْسَبُنا
صِنْفَا فَرِيْدَا طَيِّعَا مِن الْبغَال وَالأَتْان
قَد خُلِقَت لِلْحَرْث وَالْرُّكُوب بِالْمَجَّان
***
مُمَثِّل الْسُّلْطَان أَو مُهَرِّج الْسُّلْطَان فِي أَعْرَافَنا سِيَّان
لأَنَّه عَلِمْنَا أَن نَكْرَه الأَوْطَان
فَهَكَذَا قَد قَتَلُوَا فِي دَاخِلِي الإِنْسَان
وَهَكَذَا اتَّقِنَت فَن الْرَّقْص وَالتَّمْثِيْل كَالْسَّعْدَان
فَلَا تَلُمْنِي سَيِّدِي فِي هَذِه الأَزْمَان
إِذَا انْضَمَمْت مُرْغَمَا لِجَوْقَة الْطَّرْشَان
أَبُوْل شِعْرا مَن فَمِي فِي أَي مِهْرَجَان
أَقَيْء نَثْرَا سَاذَجَا فِي مَنْطِق الْصِّبْيَان
أَحُوْل الْأَقْزَام فِي بَسَاطَة لأُضَخِّم الْحِيَتَان
أَخُوْر مِثْل الْثَّوْر فَوْق مِنْبَر الْخَطَابَة
أَصِيْح كَالْمَجَذُوب فِي الْمِذْيَاع وَالتِّلْفَاز لا غَرَابَة
بِنَثْرِي الْمُمَجوَّج,أَو بِشِعْرِي الَّذِي يَطِن
مِثْلَمَا طَنَّت عَلَى قُمَامَة ذُبَابَة
وَهَكَذَا يَا سَادَتِي الْكِرَام وَالشُّجْعَان
أَتْقَنَت دّرْس الْعُهْر وَالْنِّفَاق جَيِّدَا
فِي غَايَة الإِتْقَان
فَأَصْبَحَت تَفِيْض جَيْبِي ذَهَبا وَتَطْفح الْيَدَان
بِالْدُّر وَالْمَرْجَان
وَاللَّقَب الْفَضْفَاض فَوْق الْكَتِف يَزْهُو
شَاعِر الْسُّلْطَان
***
مُمَثِّل الْسُّلْطَان أوَمُهَرّج الْسُّلْطَان فِي بِلَدِنَا سَوَاء
مُسْتَأْثِر بِالَجْاه وَالْمَناصِب الْغَرَّاء
وَالْخَيْل وَالْضِّيَاع وَالْعُطُوْر وَالْنِّسَاء
وَشَاشَة التِّلْفَاز وَالِحَفِلات وَالأَضْوَاء
وَفَاخِر الْشَّرَاب وَالْطَّعَام وَالأَزِياء
لَه الْرِّقَاب تَنْحَنِي,لَه الْهُتَاف وَالْرِّيَاء
أَو سِمَة ثَمِيْنَة,وَفَخَامَة الأَلْقَاب مَع زَخَارِف الأَسْمَاء
سَيَّارَة فَارِهَة لَوَّحَتْهَا حَمْرَاء
تَمِيْس كَالْعَرُوْس فِي تَمُوْج وَفِي بَهَاء
***
وَنَحْن جِيْل الْفَقْر نَسْل الْشُّهَدَاء الْشُّرَفَاء
الْحَامِلُوْن بِالاكْرَاه رَايَة الْتَّعْمِيْر وَالْوَلاء
مِن دَمِنَا وَقُوَّتِنَا تَبْذِيْر,أَو تُرْقَيْه هَؤُلاء
لَنَا الصِّيَام وَالْطَوَى وَفَضْلِه الْطَّعَام وَالْرِّدَاء
لَنَا شُحُوْب الْوَجْه وَالْيَدَيْن وَالْعَنَاء
وَالْصَّمْت وَالأِغْضَاء
وَنِعْمَة الذُّل الَّتِي تَغْسِلُهَا ضَراعَة الْبُكَاء
كَأَن أُمَّهَاتِنَا أَنَجُبْنَنا لنحرُس الْفَسَاد وَالْثَّرَاء
***
لَكِنَّنِي جَبَان
مُدْجِن فِي الْفِكْر وَالْوِجْدَان
مُهَدَّد بِالْجُوْع وَالتَّعْذِيْب وُالْحِرْمَان
كَأَرْنَب مُحَاصَر بِالسُّوَر وَالْجُدْرَان
أَخَاف مِن خَيَالِي الْمُمْتَد فَوْق الأَرْض كَالَّثُّعْبَان
وَمَن وَشَاة الْسُّوَء فِي حَاشِيَة الْسُّلْطَان
***
وَجَسَدِي يَا سَيِّدِي الْسُّلْطَان لَم يَعُد يُطِيق
يَهْتَز كَالْمَحْمُوْم فِي مُفْتَرَق الْطَّرِيْق
فِي وَطَنِي المُحَاصْرَالْغَرِيق
لأَنَّه مُهَدَّد بِالْهَدْم وَالتَّخْرِيْب وَالْحَرِيْق
فَالَقَهَر وَالتَّجْوِيع وَالْبَطَالَة
قَد فَرَّخَت فِي أَرْضِنَا شَتَّى صُنُوْف الْخِزْي وَالْنَّذَالَة
فَالْمُتَرِفُون فِي ثِيَاب الْخَز يَرْفُلُون
مِن لَحْمِنَا الْبَرِيء يَأْكُلُوْن
كَالْنَّمْل كَالْجُرْذَان يَكْثُرُوْن
كَالْسُّوْس كَالْبَعُوض يَنْسِلُوْن
وَمَا دَرَوْا بِأَنَّهُم مِن عَظَمِنَا الْكَسِيْر سَوْف يُخْنَقُون
وَدَمُّنَا الطُّهُوْر سَوْف يُشَرِّقُون
وَفُقَرَاء أُمَّتِي فِي الْفَقْر يَغْرَقُون
لِلْقَعِر لِلْمَجْهُوْل يَهْبِطُون
شَبَابِنَا الْذَّكِي فِي الْبُيُوْت عَاطِلُوْن
الْمُبْدِعُون فِي شَوَارِع الضَيَاعَ يَذَرْعُون
مِن مَطْعَم الْوُعُود الْكَاذِبَات يَشْبَعُون
وَمَنْبَع الْتَّخْدِيْر يَشْرَبُوْن
فَلْنَحْذَر الْبُرْكَان
وَالْرِّيح وَالَّطُّوْفَان
***
لَو مَرَّة تَفَتَّقَت عَن سَتْرِهَا الْأَذْهَان
لَو مَرَّة أُقِابِل الْسُّلْطَان
أَو مَرَّة يَمْنَحُنِي مِن فَضْلِه الأَمَان
مِن قَبْل أَن يَجْرُفُنَا مِن أَرْضِنَا الْطُّوفَان
لَقُلْت لِلْسُّلْطَان
مَا جَاء فِي الْقُرْآَن
بِأَن كُل مُتْرَف مُبَذِّر مِن إِخْوَة الْشَّيْطَان
وَمُهْلِك لِلْنَّسْل وَالْإِبْدَاع وَالْعُمْرَان
فَكَيْف للمُهرِجَين الْخَامِلِين يُطْلِق الْعِنَان؟
فَلِلْفَسَاد فِي بِلادِنَا حُكُوْمَة سَرَّيَّة تُدِيْرُها غَيْلَان
تَغَوَص فِي الْفَسَاد لِلأَذْقَان
فَلَا تَسَلْنِي سَيِّدِي إِن ضَاعَت الأَوْطَان
الْجُوْع سَيِّد الْزِّنَا
وَخِدْن كُل رِشْوَة وَسَقْطَة وَمُوْبِقَة
وَقَابِع مِن خَلْف كُل جُنْحَة وَمِشْنَقَة
وَيَقْتَفِي آَثَار كُل صَادِق مُحَاوِلا أَن يَخْنُقَه
لَو أَن لِي سِيَادَة وَقُوَّة فَرِيْدَة وَمُطْلَقَة
صَادَرت مَا يَزِيْد عَن حَاجَات أَغْنِيَائِنَا
وَشَدَت فِيْه مُصَنَّعا وَمَزْرَعَة
مُنْشَأَة لِلْفُقَرَاء صَدَقَة
فَهَل تَكُوْن كَلِمَاتِي لِبِلادِي شَرْنَقَة
أَو قُرْعَة وَصَرْخَة وَمِطْرَقَة
***
أَرْوِي لَكُم عَمَّا يَرَاه الْنَّائِم الْيَقْظَان
عَن مُرَّة وَقَفَت فِي شَجَاعَة وَفِي شَرَف
وَقُلْت لِلْمُدِيْر وَالْوَزِير وَالسُّلْطَان
إِنِّي أَمَام الْلَّه وَلْإِنسَان أَعْتَرِف
بِأَنَّنَا عَلَى شَفَا هَاوِيَة رَهِيْبَة نَقِف
وَأَن دَاء أُمَّتِي الْعُضَال قَد عَرَف
الْجُوْع وَالأَرُهَاب وَالْتَّرَف
جُرْثُوْمَة تَقُوْد كُل أُمَّة قَوِّيَّة الَى الْحَتْف
وَسْوَسَة نَاخِرَة فِي جَسَد الأَوْطَان
قَد أَهْلَكْت مِن قَبْلِنَا قُرَى فِي سَالِف الْزَّمَان
وَأُمَمَا كَثِيْرَة قَوِّيَّة الأَرْكَان
***
فَلْنَحْذَر الْبُرْكَان
وَالْرِّيح وَالَّطُّوْفَان
مِن قَبْل أَن يَقُوْل عَنَّا وَارِث لِهَذِه الأَوْطَان
قَد كَان يَامَا كَأَن
***
إِلَيْكُم يَا سَادَتِي الْكِرَام صُوْرَة عَن حَالَة الْأَوْطَان
حَكَيِّمَنَا مُخِدّر وَالْعَقْل فِي إِجَازَة,فَانْضَم لِلخَرْسَان
قَوَّيْنَا قَد أَظْلَمَت فِي عَيْنِه الْدُّرُوب
فَسَار فِي قَافِلَة الْعُمْيَان
ثَرْثَارْنَا مُهَرْوِل طَلِيْقَة يَدَاه
صَار فَارِس الْمَيْدَان,مُلَعْلِع الْلِّسَان
فَلْيَرْحَم الْرَّحْمَن,وَلَيمْنَح الْأَمَان
لِهَذِه الأَوْطَان.