facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




صور من حياة السكن والترحال لدى البدو في شرق الأردن كما نقلها الرحالة الأجانب


09-02-2024 07:41 PM

عمون - مريم ملهي النويران - شهدت بلاد الشام عموماً ومنطقة شرق الأردن على وجه التحديد قدوم عدد كبير من الرحالة والمستشرقين وعلماء الآثار الأجانب الذين عملوا على دراسة أشكال الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، كما كان هدف جزء منهم دراسة الاحياء البرية في المنطقة ، فيما سعى البعض الآخر لدراسة علم الآثار ، ولكن بغض النظر عن الهدف الذي جاء من أجله هؤلاء الرحالة والمستشرقين إلا أنهم نقلوا صوراً حية عن طبيعة الحياة في شرق الأردن منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى مطلع القرن العشرين ويجب علينا التمعن في الملاحظات التي تركها هؤلاء الرحالة عن طبيعة الحياة في شرق الأردن من أجل إيضاح بعض النواحي الاجتماعية في تلك الفترة ، وسوف يركز هذا المقال على عادات السكن و الترحال لدى البدو كون هذه الظاهرة كانت محط جذب لانتباه الرحالة والمستشرقين الأجانب الذين زاروا منطقة شرق الأردن في التاريخ الحديث.

فيرى الرحالة وعالم الآثار الألماني ماكس فون اوبنهايم ( Max von Oppenheim) ( ت 1946 م ) أن القبائل البدوية كان لها تجمعات واضحة في المناطق الممتدة من سهل حوران في الشمال وصولاً إلى مرج بني عامر في فلسطين بينما ينتقلون في الخريف وصولاً إلى عمق الصحراء قرب واحة الأزرق ثم إلى وادي السرحان وجبل طبيق شمال الجزيرة العربية.

كما لاحظ عالم الآثار الأمريكي سيلاه ميريل (Selah Merrill) ( ت 1909م ) أن البدو كانوا يتركزون في الشتاء حول الخرب الأثرية لما توفره لهم من دفئ وحماية من الأمطار الغزيرة وهذا ما ذكره عنهم في العام 1876 م ، عندما لاحظ تركزهم في الخرب المجاورة لجبل نبو غربي مأدبا ، كذلك استفادتهم من الآثار في كل من زيزيا وماعين ومأدبا والقسطل وغيرها ، وهذه


الرواية ذكرتها ايضاً الرحالة وعالمة الآثار البريطانية غيرترود بيل (Gertrude Bell)( ت 1926 م )عندما لاحظت تبلور شكل الاستقرار البدوي في الخرب الأثرية والكهوف في منطقة عمان ، وكان ذلك الأمر شائعاً لدى البدو للاحتماء من الانواء الجوية في الشتاء البارد إذ أن بيت الشعر لا يوفر لهم تلك الحماية ، وتصف بيل شتاء عام 1905 م بأنه شتاءاً بارداً جداً، وكان الطقس قرب منطقة خريبة السوق جنوب عمان شديد الهطول المطري لذلك كان هناك عدد قليل من بيوت البدو في السهل الواقع الشرقي عمان إذ أن الأغلبية يفضلون البقاء في البادية الشرقية الدافئة ، ولكن من بقي في عمان فضلوا اللجوء إلى الخراب الموجودة هناك فقالت : " أن البدو بشكل عام يفضلون الرحيل إلى المرتفعات العالية في حالات الهطول المطري الغزير اتقاءً لمداهمة السيول المفاجأة أو كانوا يلجؤون إلى المواقع الأثرية والكهوف ".

وكان استخدام الآثار كإصطبلات للخيول لدى البدو يثير حفيظة الرحالة وعلماء الآثار الأجانب فعلقت بيل على ذلك بقولها : " إن استخدام المواقع الأثرية الحصينة في الموقر كإسطبلات لخيول البدو أمر أفسد الكثير من الملامح الأثرية والجمالية لتلك المباني " ، وفي إشارة أخرى تذكر بأن البدو كانوا يستخدمون الآثار كمخازن للعلف ، وحصون عسكرية في حال حدوث أي غزو مفاجئ أو مخبأ للأسلحة وهذه العادة كانت رائجة لدى البدو إذ تقول :" أن البدو قد اتخذوا قصر الموقر كحصن منيع للاحتفاظ بأشيائهم الثمينة".

أما الفرنسي انطوان جوسان (Antonin Jaussin) (ت 1926م) فيقول : " أن البدو كانوا يلجؤون إلى الكهوف والمغر والآثار القديمة في حالات كثيرة في الشتاء ، فكان يعتبر الكهف مكاناً للمبيت فقط حيث كان البدو ينتشرون في بيوت الشعر ولكن إذا ما دهمهم هطول مطري شديد كانوا يلجؤون إلى الكهوف للنوم وينتشرون في اليوم التالي لمزاولة أعمالهم اليومية كرعي الماشية.

ويمكن تفسير لجوء البدو للعيش في محيط القصور الصحراوية لأنها كانت مليئة بإبار الجمع وهي أبار أثرية تتجمع فيها مياه الشتاء فكانت القبائل تتخذها في الصيف كمقر لها بينما كان البدو يختارون أكثر ردهات هذه القصور متانة كي يستخدموها لجميع غلالهم وأعلاف الدواب.

ثم تحولت هذه الخرب في مطلع القرن العشرين لتصبح تجمعات قروية شكلت اللبنة الأساسية للقرى والبلدات الموجودة في وقتنا الحاضر كأم العمد ، أم الوليد ، وأم قصير، وأم الرصاص ، والحلابات ، وزيزيا ، وحسبان ، والطنيب ، واللبن ، والقسطل ، وعمرة ، والخرانة، واليادودة ، وما إلى ذلك.

ويذكر الرحالة النمساوي ألويس موزيل (Alois Musil) ( ت 1944م ) أن البدو كانوا ينتشرون في محيط الخرب الرومانية والأموية عام 1909 م ، فكانوا في محيط كل من قصر عمرة والخرانة وقلعة الأزرق وحمام الصراح وقصر الحلابات فيقول : " نزلنا في خرب قصر الصراح وهو شبيه بجدران قصر عمرة ، ثم غادرنا قصر الصراح في اليوم التالي متجهين إلى الحلابات وهو من خرب المعسكرات الرومانية.
بينما يقول الرحالة وعالم الأحياء البريطاني دوغلاس كاروثرز (Douglas Carruthers) (ت 1962م ) " إن البدو ما زالوا يحافظون على المنشآت الفرنجية ، فسيطروا على قصور الفرنجة والأمويين والرومان فكان شيوخ القبائل يتخذون أفضل الغرف الأثرية لكي يقيموا فيها في الصيف كما كانوا يفعلون في القسطل ، كما سكن مجموعة منهم في آثار الموقر.

إن هذا المشاهدات ذكرت استقرار البدو في الشتاء في الخرب الأثرية ، ولكن بالرغم من كل ذلك إلا أن بيت الشعر يبقى هو المنزل الأول والحقيقي للبدوي إذ يذكر كلوب باشا (Sir John Bagot Glubb ) (ت 1986م ) قائد القوات البريطانية في الشرق الأردن أن البدو يعتبرون بيت الشعر هو منزلهم الأول لأنه يسهل نقله وإقامته حيث ما أرادوا كون ذلك متوافق مع طبيعة حياة الترحال الدائمة في البادية القاسية (1) ، ويعتبر بيت الشعر إنتاج محلي تقوم بصناعة نساء القبائل وتختلف مواصفاته من بيت إلى أخر حسب الحالة المادية لصاحب البيت.

فيما صنف الرحالة الإيطالي كارلو كلاوديو جوارماني (Carlo Claudio Guarmani ) ( ت 1884م ) بيوت الشعر إلى بيت شعر مكون من حجرتين أو أكثر ويطلق عليه اسم بيت الشعر ، أو بيت مكون من حجرة واحدة يطلق عليه اسم " خربوش" وهو بالعادة يكون بيت للفقراء أو يستخدم في حال انقسام العائلة في مواسم الحصاد والرعي والترحال (3) ، فيما يذكر الرحالة والمبشر البريطاني ارتشيبولد فوردر(Archibald Forder) ( ت 1934م ) أن البدو كانوا يحافظون على إبلهم قريبة من بيوت الشعر على السفوح الجبال والتلال ، وفي المساء كانت تتجمع الحيوانات حول بيوت أصحابها.

وبالنسبة للترحال فهي السمة الأبرز للبدو وكانوا يطلقون على هذه العملية اسم " الرحيل" ويتنقلون من خلالها من مكان إلى أخر مرتبطين بعوامل مناخية كدرجات الحرارة والبحث عن الكلأ والهروب من مجاري السيول ، أو خشية من التعرض إلى الغزو المفاجئ من القبائل الأخرى ويصف الرحالة وعالم الآثار السويسري يوهان لودفيغ بيركهارت ( Johann Ludwig Burckhardt) ( ت 1817م ) حياة الترحال فيقول : " أن السبب الرئيسي للترحال

لدى البدو هو البحث عن مصادر جديدة للغذاء ورعاية المواشي والإبل فالبدو يكثرون الترحال حسب الحاجة ففي الربيع يقتربون من الأراضي التي تسيطر عليها الدولة العثمانية في أطراف الشام والعراق ، وفي الشتاء يعودون أدراجهم إلى عمق الصحراء ، وهناك عدة مصطلحات يستخدمونها في عملية ترحالهم فكانت الخيام تنصب على شكلين : الأول دائري إذا كان عدد الخيم قليل وكان يسمى " الدوار " ، والثاني بشكل مستقيم إذا كان عدد الخيام كثير وكان يطلق عليه اسم " النزل" ، ويختلف شكل النزل في الشتاء فتصبح الخيام قريبة من بعضها على شكل تجمعات ويسمى هذا النوع من التخييم " الفريق" ، وكان بيت الشيخ يبنى في الجهة الغربية لبيوت الشعر ، كما كانت الإبل والخيول تجتمع أمام بيوت الشعر ، أما بقية الماشية فتنام حول البيت بما يسمى " مراح الغنم".

وعندما يرحل البدو فتكون العملية كالتالي : عادة ما يتقدم العرب الرُحّل مجموعة من الفرسان من خمسة إلى ستة ، تتقدم الرحيل بأربعه أميال ، والهدف منهم استكشاف
المنطقة يطلق عليهم اسم " السلف " ، أما قوة الفرسان الرئيسية فتنتشر بشكل طولي بمساحة ثلاث أميال بين السلف وباقي الرُحلّ ، ثم تأتي صفوف النوق وهي ترعى بشكل صفوف عريضة أثناء مسيرها ، ثم يليها الجمال المحملة بالأمتعة وتسمى " الظعن " أو التي تحمل الهودج الذي تجلس به بعض النساء ، أما بقية النسوة والأطفال فيكونون في ذيل الرحيل ، بينما يتوزع الرجال سواء الفرسان أو الراجلة حول القافلة ، إما الماشية مع الرعاة فـ " تخطم " أي تسبق قافلة الرحيل بمدة زمنية لا بأس بها ، وقبل الرحيل يطلق البدو أمر " هد البيوت " أي طوي بيوت الشعر حتى تحمل على الظعن فيقولون " هدوا و مدوا " أي ازيلوا البيوت وسيروا نحو مضارب جديدة ، أما أمر " ابنوا البيوت " تعني اختيار المكان المفضل للتخييم لدى البدو" .

فيما يصف الرحالة كاروثرز عملية الانتقال من مرعى إلى أخر لدى القبيلة أو ما يصطلح عليه بالعرف المحلي " الرحيل " فيروي مشاهدته الحية لرحيل عشائر كاملة من إحدى القبائل نحو مقرهم الصيفي بالقرب من البلقاء عام 1909م فيقول:" لقد كان مشهداً مثيراً أن ترى تحرك القبيلة بكاملها فتتحرك أولاً

قطعان الأبل يحدها الفتيان والفتيات ، ثم تتبعها الأباعر المحملة بالمتاع من خيام وأغراض منزلية وأطفال صغار بينما تمشي النساء أو تمتطي أعلى الأحمال وهي تنشد أغاني بدوية أو تتحدث عن جيرانها ، أما الرجال المسلحون فيمتطون صهوات جيادهم ، تتقدمهم فرقة الكشافة أو تسير في المؤخرة لمراقبة الأعداء والانخراط بين الحين والأخر في مسابقة الكلاب السلوقية ، أو إرسال صقورهم لصيد الحبارى أو الأرانب البرية ، وعندما يجد شيخ القبيلة الأرض المناسبة يشعل ناراً كإشارة منه لباقي أفراد القبيلة المنتشرين على مساحات واسعة في الصحراء ، ويدل مكان الدخان على الموقع الجديد لبيت الشيخ ، أما البقية فيجتمعون حوله على شكل مجموعات ، في الأغوار أو على حواف الوديان ، كي يكون مأوى لهم ليتجنبوا الرياح ، وبذلك تنصب المقصورات السود ".

فيما يصف ميريل مشاهداته الحية عن رحيل البدو فيقول : " سأقدم ما يمكنني نقله عن انتقال البدو من مضارب شتائهم في وادي الأردن ، فالقافلة تسير على طول ثلاث إلى أربعة أميال ، وتكون مكونة من عدة قطعان من الجمال والأغنام والماعز ، وتكون مجموعة من الجمال محملة بالأمتعة من خيام وأدوات طبخ ، كانت تحمل على شكل رزم وتشد على الجمال ويكون لكل من الرجال والنساء والأطفال دوره المناسب في القافلة ، وكان يظهر التفاوت في المستوى الاجتماعي للأسر من خلال لباسهم ، وتساق قطعان الغنم والماعز بواسطة الأطفال ، والحملان أيضاً تعزل عن الغنم وتساق من قبل الأطفال ، فيما يحمل الرجال بين أيديهم الأطفال ممن ظهر عليه التعب ، أو الحملان الصغيرة جداً ، أما على الحمير فيثبت الأطفال الرضع بالحبال وهم نائمون ، ويوضع بعضهم في صناديق صغيرة على ظهور الحمير ، فيما تقف النساء بين فترة وأخرى لتثبيت الأحمال على الحمير ، ويقطع البدو في مسيرة الرحيل بين عشرة إلى خمسة عشر ميل في اليوم ولا يتجاوزن ذلك والراحة بالنسبة لهم نسبية ، ومع ذلك تشعر بأنهم مسرورون في حياة التنقل ، ولا يشعرون بالانزعاج من ضجة أصوات الحيوانات حولهم على الدوام .

وكانت حياة التنقل لدى البدو مرهونة بالمراعي فها هو الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي قسطنطين فرانسوا فولني (Constantine François Volnay) (ت 1820م ) يقول أن حياة الرعي
لدى البدو مرهونة بالمواسم المطرية فكانت امتدادات البدو من شمال الحجاز إلى جنوب بلاد الشام تعتمد على الهطول المطري فبمجرد ما كان الموسم جيد حصل البدو على مراعي واسعة إذ كانت تتكاثر النباتات الصحراوية المهمة لغذاء الحيوانات كنبات العوسج والشيح والحوذان كما يتجمع القصب في المستنقعات المائية الكبيرة كواحة الأزرق.

فيما يعود كاروثرز ليعبر عن مخاوفه من هجوم البدو عليه كونه عالم أحياء برية وسلك الطريق بين دمشق والجزيرة العربية بهدف دراسة الأحياء البرية ولا سيما الغزلان المتواجدة بكثرة في شرق الأردن في فترة عبوره المنطقة عام 1909م ويقول : " أن البدو كانوا يرتحلون من أطراف بركة زيزيا باتجاه وادي باير في جنوب بلاد الشام وكانوا يعتمدون على مطاردة الغزلان لبضعة أسابيع الأمر الذي هيأ لي الدخول في أحماء القبائل والاندماج مع ابنائها دون مضايقات تذكر، وكان التنقل البدو في تلك المناطق طبيعي بسبب حاجتهم الماسة إلى توفير مصادر للغذاء اللازم لهم " .

ومن خلال تلك الصور السريعة التي تم اقتباسها من روايات مجموعة من الرحالة الأجانب يمكن التعرف على جزء من طبيعة الحياة في شرق الأردن في العصر الحديث ، والتي كانت تعتمد على حياة الترحال والتنقل من مكان إلى أخر بسبب الظروف المعيشية والعوامل البيئية في المنطقة .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :