facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




فلسطين تستحق الجلال والإكرام


د. موسى برهومة
21-03-2024 05:35 PM

عندما تنتهي الحرب، ولن تنتهي، ستندلع حروب كثيرة. حروب صغيرة، لكنّها ستكون أشدَّ ألماً من حرب الصواريخ "الذكيّة" التي سوّت غزة وأهلها وأشواقها بالتراب.

سينهض المصطلح العتيق من أدراج الماضي: "الأخوة الأعداء"، وستكون حرب ضروس حول الحقّ في الجلوس على الكرسيّ، وسيسيل دم وألم، لا لأنّ الفلسطينيين يعشقون ذلك، بل لأنّ التمزّق نال من كلّ شيء: المؤسسات، والشخوص، والميراث النضاليّ المشترك الذي صنعته المقاومة الفلسطينيّة، منذ ثورة البراق التي اندلعت لحماية المسجد الأقصى من التهويد عام 1929، حتى الطوفان الذي أغرق، أو يكاد يغرق الجميع، بعد أن تغادر دبّابات العدوّ الإسرائيليّ خانيونس ورفح ودير البلح.

العدوان سيتوقّف على غزة، ولو بعد حين. لكنّ الأخوة الأعداء لن يتوقّفوا عن التربّص ببعضهم. وقد تطايرت، في الآونة الأخيرة، شرارات انقسام فلسطينيّ مقبل، بعد البيانات والبيانات المضادة التي أصدرتها فصائل فلسطينيّة لها تاريخ عريق وشهداء رصّعوا الذاكرة الوطنيّة، لكنّها لم تحافظ على قداسة اللحظة الفلسطينيّة المشتركة التي تقضي بتناسي الخلافات "التكتيكيّة" والذهاب إلى ما يجعل الشهداء الفلسطينيين الذين نيّفوا عن الثلاثين ألفاً، ينامون بهدوء، لأنّ الوطن يستحق التضحيات، ولو فاقت الخيال.

لا يبدو أنّ ثمة في الأفق عقلاً جامعاً وراشداً وائتلافياًّ يلغي الفوارق والحسابات السياسيّة، ويقفز من سجن "التمكين" إلى فضاء تداوليّ تشارك فيه كلّ المكوّنات الفلسطينيّة، من فصائل، وأحزاب، وتيّارات ناشطة، ونقابات، وهيئات منتخَبة، ومرجعيّات دينيّة، وأطر أكاديميّة، ومثقفون من الوطن والشتات؛ من أجل إعادة صياغة الهويّة الفلسطينيّة، بما يتعدّى الهياكل التقليديّة لمنظمة التحرير، والمجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، وسواه من المؤسّسات التي أضحت هرمة.

فلسطين ليست مُلكاً لفصيل دون سواه يقتسم الغنائم، فالذين دفعوا الثمن غالياً، ليسوا، وحسب، أهل غزة على جلال تضحياتهم وصبرهم المعظّم، بل الفلسطينيين في كلّ مكان، ومعهم الأحرار الذين قالوا (لا) في وجه التوحّش الصهيونيّ، ومزّقوا أقنعته، وخلقوا وعياً إنسانيّاً ثوريّاً في سبيل نصرة المستضعفين في الأرض.

وإذا كان هناك مشروع حقيقيّ للحوار الوطنيّ الواسع، فعليه أن يضع الخُطط التوافقيّة المشتركة والخلّاقة من أجل اليوم التالي لانتهاء الحرب. فمن العار أن يسيل الدم الفلسطينيّ بسبب نزاع "فتح" مع "حماس"، لأنّ ذلك يعني فاتحة لحرب أهليّة لا تُبقي ولا تذر.

وكيلا تقع هذه الكتابة في التعميم العدميّ، وتدّعي أنه لا يوجد لدينا "نخب فلسطينيّة"، فإنّ التوازن يستدعي أن نسأل: أين دور النخب الفلسطينيّة، من المكونات التي ذكرناها سابقاً؟ وهل ستبقى هذه "النخب" صامتة، كما فعلت، بشكل شبه مطلق، أثناء الحرب؟ هل ستلتئم هذه النخب وتتوحّد على نواة جوهريّة تتعدّى الأحزاب والفصائل، وتكون ضميراً للفلسطينيين بمختلف تعدّدياتهم.

الساسة المؤدلَجون سقطوا في اختبار الوعي؛ فكلّ يُضمر ما لا يُعلن، وكلّ يريد أن يدير النار نحو قُرصه، وأغلبهم ربما لا يعنيه لو ذهبت غزة وأهلها إلى الجحيم. المهم أن تنتصر فكرته الاستحواذيّة الضيّقة، ويبقى ممثلاً لفئة، لا لشعب أمضى عمره في التضحيات والمعتقلات والمنافي.

قيل كثيراً إنّ التاريخ لا يرحم. لكنّ الأخوة الأعداء لا يكترثون بالتاريخ، ولربما يأتي مزيِفون، فيصوّرون العميل بطلاً، والشهيد قتيلاً في حادث سير. أي أنّ التعويل على التاريخ لن يهزّ شَعرة في الأبدان السميكة لهؤلاء.

الذي يهزّ وتهتزّ له الدنيا هو الفعل المقاوم، وهذه المرّة لن تكون المقاومة بالسلاح، بل بالأفكار المنزّهة عما يلوّث المقاصد الوطنيّة الجليلة.

فلسطين تستحقّ الجلال والإكرام.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :