بين الفوضى والإعمار: تحديات تواجه سوريا بعد الإطاحة بالنظام
د. إياد الخصاونة
11-12-2024 08:54 PM
إنّ حالة الفراغ السياسي التي تعيشها سوريا منذ الإطاحة بنظام الأسد تخلق بيئة غير مستقرة، حيث تتصارع القوى الداخلية والخارجية على النفوذ ،فالفصائل المسلحة المدعومة من قوى إقليمية ودولية، لا تزال تسيطر على مناطق واسعة، في وقت تسعى فيه الحكومة الانتقالية الجديدة إلى إيجاد موطئ قدم في المشهد السياسي السوري. وفي ظل هذا الواقع، تبقى عملية تشكيل حكومة ذات شرعية واسعة التمثيل أمرًا معقدًا ،فكل طرف يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة، مما يعيق الوصول إلى اتفاقات حقيقية من شأنها أن تحقق السلام الدائم.
إضافة إلى ذلك، فإن الوضع الأمني في سوريا ما يزال هشًا، إذ تواصل العديد من الجماعات المسلحة فرض السيطرة على مناطق استراتيجية، مما يعوق قدرة الحكومة على استعادة الأمن والنظام في معظم المناطق. وفي ظل هذا التفكك الأمني، يعاني المواطنون السوريون من عدم القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية، التعليم، والكهرباء. ونتيجة لذلك أيضاً يبقى العديد من السوريين محاصرين في مناطق النزاع، مما يزيد من معاناتهم اليومية.
أحد التحديات الكبرى التي تواجه سوريا بعد الحرب هو عودة الملايين من النازحين الذين اضطروا للفرار بسبب الصراع المستمر ،حيث يقدر عدد النازحين السوريين داخل وخارج البلاد بأكثر من 13 مليون شخص، منهم حوالي 6.7 مليون نازح داخل البلاد، بينما فر أكثر من 5.5 مليون إلى دول الجوار والدول الأوروبية.
إعادة هؤلاء النازحين تتطلب جهودًا هائلة في مجال إعادة تأهيل البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم ،بالإضافة إلى ذلك، فإن العودة الجماعية للسوريين ستخلق ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الذي يعاني بالفعل من انهيار ،إعادة تأهيل المنازل، إنشاء أماكن للإقامة، وتجهيز البنية التحتية الضرورية لتلبية احتياجاتهم، هي تحديات هائلة تتطلب دعمًا ماليًا ضخمًا.
من أجل تحقيق الاستقرار وإعادة البناء، تعتبر الدعوة للحصول على الدعم الدولي ضرورة ملحة. حيث تواجه سوريا تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، ولا يمكنها التغلب عليها بمفردها. من هنا، فإن تنسيق جهود المجتمع الدولي، وخاصة الدول الإقليمية، يعد أمرًا بالغ الأهمية. دول الجوار مثل الاردن ،تركيا، لبنان، التي استقبلت ملايين اللاجئين، لديها مصلحة مباشرة في استقرار سوريا. لذا، يجب أن تكون هناك قنوات تنسيق مفتوحة بين الحكومة السورية الجديدة والدول الإقليمية لضمان الوصول إلى الدعم المالي، التقني، والإنساني.
الدعم الدولي يجب أن يتجاوز المساعدات الإنسانية ليشمل دعمًا لإعادة الإعمار في كافة المجالات، بدءًا من البنى التحتية الأساسية مثل الطرق والجسور، وصولًا إلى إعادة بناء المؤسسات الحكومية والجيش الوطني. ويجب أن يترافق هذا مع جهود لإصلاح الدستور والقوانين وتفعيل النظام القضائي لضمان تطبيق حكم القانون في البلاد. وبذلك يمكن للأطراف الدولية أن تساهم في خلق بيئة مستقرة، حيث يمكن لسوريا أن تتعافى من آثار الحرب وتستعيد سيادتها على أراضيها.
إنَّ مستقبل سوريا يعتمد على الوصول إلى حل سياسي شامل يمكن أن يحقق التوافق بين جميع الأطراف السورية ، وإعادة بناء الدولة يتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية، وتنسيقًا فعالًا مع الدول الإقليمية لضمان النجاح ،مع الإرادة السياسية من جميع الأطراف ، مما سيمكن سوريا من طي صفحة الحرب المظلمة والبدء بمرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار.