الحمد والشكر لله: غزة تنتصر رغم الجراح
د. هاني الضمور
17-01-2025 11:44 AM
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله يُرفع البلاء ويُكتب الفرج بعد الكرب. الحمد لله الذي أوقف الحرب على أهلنا في غزة، فخفف عنهم وطأة الظلم وأعاد لهم أملاً بالحياة بعد أيام طويلة من القهر والخوف والموت. نسأل الله أن يجعل هذا الانتصار بداية لسلام دائم وطمأنينة تستقر في قلوب من عانوا أشد المحن.
غزة، تلك البقعة الصغيرة التي تسكن في قلوب الملايين، ليست مجرد مدينة، بل رمز للصمود والإيمان. في أيام الحرب، عاش أهلها في ظلال الموت، حيث كانت السماء تمطر نارًا، والأرض تُدفن تحتها الأحلام. لم يكن هناك بيت في غزة إلا وذاق من هذه المحنة؛ بيت فقد أحبّاءه، وآخر انهار على رؤوس ساكنيه، وعائلة لم يبقَ منها سوى ذكريات وآثار أقدام صغيرة في الركام.
رغم ذلك، يظل أهل غزة أقوى من المحن، وأشد إيمانًا بقضاء الله وقدره. لقد رأينا صبرًا لا حدود له، وإرادة تُلهم العالم. ومع أن الحرب أوقفت صوت الطائرات وهدأت أصوات الانفجارات، فإن آثارها لا تزال محفورة في كل زاوية من زوايا غزة. فما الذي يجب علينا، نحن أصحاب القلوب المؤمنة والضمائر الحية، أن نفعله الآن؟
الحرب توقفت، لكن الجرح عميق. غزة اليوم تحتاج إلى كل يد تمتد بالخير. تحتاج إلى دعمٍ مادي يُعيد بناء المنازل التي انهارت، ومستشفيات تعيد الحياة للجرحى، ومدارس تعيد للأطفال مستقبلهم. الدعم ليس خيارًا أو تفضلاً، بل واجب شرعي وإنساني على كل قادر. قال الله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى.” وهذا هو وقت البر الحقيقي.
ليس الدعم المادي فقط هو ما تحتاجه غزة، بل أيضًا الدعم المعنوي. أهلنا هناك بحاجة إلى أن يشعروا بأن العالم لم ينسهم، وأن هناك من يشاركهم آلامهم ويسعى لتضميد جراحهم. كل رسالة أمل، كل دعاء يُرفع لله، كل كلمة طيبة تُقال، لها أثر عظيم في تقوية عزيمتهم ودعمهم نفسيًا.
في الإسلام، العطاء هو من أعظم أبواب الخير. قال رسول الله ﷺ: “من فرّج عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة.” وما أعظم الكربة التي يعيشها أهل غزة اليوم! مساعدتنا لهم ليست مجرد فعل عابر، بل هي عبادة ووسيلة لتقربنا من الله، ووسام شرف يُسجّل في صحائف أعمالنا.
غزة لا تحتاج منا إلى كلمات فقط، بل إلى أفعال تترك أثرًا حقيقيًا. لا تنتظروا حتى يسألوكم، فالسخاء الحقيقي هو أن تعطي دون طلب. لا تنتظروا شكرًا من أحد، فجميعنا يعلم أن جزاء هذا الخير عند الله، الذي يجزي بالإحسان إحسانًا أعظم منه.
فلنتحرك الآن، ولنكن جزءًا من إعمار غزة وبناء الأمل فيها. فلنساعد الأيتام الذين فقدوا أهلهم، والنساء اللواتي أصبحن بلا معيل، والمرضى الذين يعانون في غياب الدواء. لنتبرع، لندعم، ولننشر رسائل الحب والتضامن.
غزة تنادي، ونداؤها ليس لأهلها فقط، بل لكل إنسان يؤمن بالرحمة والعدل. اليوم، نحن أمام فرصة عظيمة لنثبت أن الإنسانية لا تزال حية، وأن الإيمان لا يزال يشكل جوهر حياتنا.
اللهم اجعل ما نقدمه خالصًا لوجهك الكريم، وارفع عن أهلنا في غزة كل ألم، واجعلهم مثالًا للعزة والقوة والإيمان، ووفقنا لنكون جزءًا من جبر كسرهم وتضميد جراحهم. آمين.