facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عقلية "شوشين" والمستقبل


صالح سليم الحموري
18-01-2025 07:22 PM

العالم الذي نعيش فيه يشهد تغيرات غير مسبوقة في سرعتها وعمقها، تتجاوز الحدود التقليدية وتتسم بطبيعتها العمودية والآسية، هذه التحولات لم تعد مرتبطة بالتجارب والخبرات السابقة أو بأساليب التعلم التقليدية التي اعتدنا عليها، بل تفرض علينا استجابات جديدة تتماشى مع طبيعة عصرنا المعروف بـعالم "الفوكا"، الذي يتميز بالتقلب، وعدم اليقين، والتعقيد، والغموض.

في مواجهة هذا الواقع المتسارع والمليء بالتحديات، يبرز مفهوم "عقل شوشين" (Shoshin) المستوحى من الثقافة اليابانية كأداة فعّالة لمواكبة هذه التحولات. هذا المفهوم يدعونا إلى تبني "إعادة ضبط المصنع للعقل"، أو ما يُعرف بـ"عقلية المبتدئ"، وهي حالة ذهنية تمتلئ بالفضول والانفتاح، خالية من الافتراضات المسبقة أو الأحكام المعلبة، حتى بالنسبة لأولئك الذين يمتلكون خبرة عميقة في مجالاتهم. هذه العقلية تعيد تشكيل الطريقة التي ننظر بها إلى العالم، مما يُتيح لنا استقبال المعرفة بصفاء ذهن وتجديد دائم للرؤية والتفكير.

تكمن قوة عقل شوشين في أنه يمنحنا القدرة على رؤية العالم كما لو كنا نكتشفه لأول مرة. هذه العقلية تتيح لنا التفكير بطرق جديدة، مما يعزز من قدرتنا على إيجاد حلول مبتكرة للتحديات واغتنام الفرص بطرق غير متوقعة. يقول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "من يريد أن يسبق المستقبل عليه أن يفكر بطريقة مختلفة عن الآخرين." هذه المقولة تلخص جوهر عقلية شوشين، حيث تدعونا إلى التفكير بعقلية متجددة خالية من قيود الخبرات السابقة التي قد تعيق الإبداع.

في مجال التعلم، تتيح عقلية شوشين تقبل الأفكار الجديدة، مما يمنع الوقوع في فخ الجمود الفكري. على سبيل المثال، عندما يواجه فريق عمل مشروعًا جديدًا، فإن استخدام عقلية شوشين يشجع على استكشاف الأفكار بحيادية، حتى لو بدت غير مألوفة.

أما في القيادة، فإن تبني هذه العقلية يجعل القائد أكثر انفتاحًا على الاستماع لمقترحات فريقه، مما يخلق بيئة عمل قائمة على الاحترام المتبادل ويعزز من الابتكار الجماعي. تجربة قادة الشركات الناشئة، الذين يتبنون عقلية المبتدئ في تطوير منتجاتهم، مثال واضح على ذلك؛ حيث يركزون على التعلم المستمر من العملاء وتعديل استراتيجياتهم بناءً على التجارب الجديدة.

في مجال الإبداع والابتكار، تلعب عقلية شوشين دورًا محوريًا في التفكير خارج الصندوق. على سبيل المثال، تطبيقات التصميم الإبداعي مثل التفكير التصميمي تعتمد بشكل أساسي على التحرر من الافتراضات التقليدية لرؤية المشكلات بطرق جديدة.

حتى في الحياة اليومية، نجد أن عقلية شوشين تدعونا إلى تقدير الأشياء الصغيرة التي نغفلها أحيانًا بسبب انشغالنا. مثل هذه العقلية تتيح لنا الاستمتاع بالجمال في التفاصيل البسيطة وتقدير قيمة التجارب الجديدة.

عقلية شوشين ليست مجرد "مفهوم فلسفي"، بل هي دعوة لتبني التواضع والانفتاح كأدوات رئيسية للنمو في عالم لا يتوقف عن التطور. في هذا السياق، قال أيضاً سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "أعظم القادة هم من يستمعون ويتعلمون دائمًا." هذه الرؤية تتماشى تمامًا مع عقلية شوشين، حيث يدرك القائد المتواضع أن التعلم المستمر هو المفتاح لتحقيق النجاح والتميز.

في عصرنا الحالي، الذي يتطلب الرشاقة "المرونة وسرعة التكيف"، تصبح عقلية شوشين ضرورة لا غنى عنها. هذه العقلية تمنحنا القدرة على التحرر من قيود الماضي، وتدعونا إلى عدم العيش على "أطلال" النجاحات السابقة، بل إلى تبني نهج متجدد يفتح آفاقًا جديدة. إنها دعوة للعيش بعقل نابض بالحماس، متأهب للتحديات، ومستعد لاستثمار الفرص بإبداع وجرأة.

عندما ننظر إلى التحديات التي تواجهنا بعيون المبتدئ، نصبح أكثر انفتاحًا على الأفكار الجديدة وأكثر قدرة على اكتشاف مسارات مبتكرة لم نكن نراها من قبل. هذا النهج لا يفتح فقط أبواب التفكير والإبداع، بل يُعزز أيضًا من هرمونات السعادة والطاقة الإيجابية التي تجعلنا أكثر إقبالًا على العمل والحياة.

في عالم يتغير بوتيرة لا تهدأ، تصبح "عقلية شوشين" المفتاح الحقيقي للتقدم، فهي تمنحنا "الرشاقة الذهنية" اللازمة لمواجهة المستقبل بثقة وإبداع. هذه العقلية تُحررنا من قيود الماضي وتدعونا إلى التخلي عن التمسك بإنجازاتنا القديمة أو افتراضاتنا الثابتة، مما يفتح أمامنا آفاقًا جديدة مليئة بالطاقة الإيجابية والرغبة في التميز.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل أنت مستعد للقيام بعملية "إعادة ضبط المصنع للعقل"؟ لتبني عقلية المبتدئ التي تمنحك الفرصة لرؤية العالم بعيون جديدة، لتتعلم، وتبتكر، وتنطلق نحو مستقبل مليء بالإمكانات والفرص؟

* خبير التدريب والتطوير / كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :