قتل المدنيين واحتجازهم كرهائن ومن ثم توزيع الحقائب "هدايا" بمناسبة إطلاق سراحهم هو الانفصام الأكبر، المشهد برمته يعكس خسة جماعة بلباس مدني وقت الحرب توشحت بالزي العسكري وقت الهدنة، فيما الخسة الأقل درجة تجدها بزوايا واعمدة المقالات التي تبرر الإرهاب.
وصلنا إلى هنا لأن القضية الفلسطينية بالفعل قضية الفرص الضائعة ، صفقة القرن لم تحتوي على اي بند للتهجير ، في الواقع قبل ٧ اكتوبر لم يكن هناك جندي اسرائيلي واحد في غزة، لا موت لا دمار، مدينة جميلة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
(٧ اكتوبر مأساة لكنهم ينسون ذلك) يقول ذلك ترامب ، ويقول بخطاب التنصيب: أريد من العالم والتاريخ أن يتذكرني كرجل سلام ، فمن الذي أعاق رجل السلام وأثار المتاعب ووضع العراقيل.
السفير الأمريكي السابق في إسرائيل يذكرنا بأن (الفلسطينون قتلوا الملك عبد الله الأول), نعم سعادة السفير وإن بدا حديثك متناقض ، إلا أنها ذكرى قاتمة لموت السلام ، من هناك بدأت العراقيل ، عندما استشهد الملك في العام ١٩٥١، وضاعت الفرصة الأولى.
في العام ١٩٧٤ تم سحب البساط من تحت القيادة الأردنية والعالم العربي بقرار قمة الرباط (منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني), أخبرني الراحل دولة عبد السلام المجالي بحضور الإعلامي محمد الحباشنة أنه كان حاضراً لهذه القمة ، بعد القرار خرج الملك حسين وتبعه عبد السلام ، قال وجدت الملك حسين قد أكمل تدخين ثلاث سجائر من الغضب ، قال للملك ( يا سيدي قضيتهم وهم أحرار) قال الملك: يا عبد السلام القضية ضاعت!.
ضاعت الفرصة الثانية وأصبحت مصر حرة باتخاذ قرار السلام، وكذلك الأردن الذي كان بإمكانه تجنب خمسة وعشرين عاماً من حرب الاستنزاف والأحكام العرفية ، ولكنه رفض التوقيع قبل الفلسطينيين على أي حل للقضية بالرغم من تقزيمها على مستوى (منظمة).
هل قرأتم معاهدة أوسلو ؟ لو اطلعتم عليها لن يفاجئكم مرض الملك حسين رحمه الله ، بل لن يفاجئكم أي قرار للضم، فبقاء ٦٠ بالمية تحت السيادة الإسرائيلية من المنطقة ج في الضفة الغربية هو قرار فلسطيني!!, القيادة الفلسطينية وقعت على ذلك ، بالسر دون علم الأردن ، ضاعت الفرصة الثالثة بعدم إشراك الأردن والدول العربية في المفاوضات بل وعدم اطلاعهم عليها.
عندما جاء ترامب بصفقة القرن ، الفرصة الأخيرة ، نحن الذين قتلوا ملوكنا وسحبوا البساط من تحت أقدامنا ووقعوا على أوسلو بغيابنا, بعدما لم يتبقى من القضية شيء أصبحنا نحن المسؤولون عن تقرير مصيرهم!، وعلينا أن نقف (بوز مدفع) بوجه الصفقة!..
خطة التهجير لم تكن خطة ترامب ، هل علينا الانتظار لعقود طويلة حتى نفهم حجم الخسارة في استشهاد الملك عبد الله الأول وقرار قمة الرباط ومعاهدة أوسلو ، هل علينا الانتظار طويلاً لنفهم أن ٧ اكتوبر هي خطة التهجير.