كيف يمكن للأردن توسيع خياراته الاستراتيجية؟
محمد حمادات
29-01-2025 12:44 PM
في ظل التحولات العميقة التي يشهدها النظام السياسي الأمريكي مع عودة ترامب إلى كرسي الرئاسة، وفي ظل ما يمكن وصفه بـ”القيصرية الترامبية”، تبدو السياسة الخارجية الأمريكية أكثر انحيازًا إلى نزعات أحادية وشروط صارمة على حلفائها، حيث إن عاصفة القرارات الحاسمة التي بدأت تفرزها هذه الإدارة، خاصة تجاه منطقتنا، تضع الأردن أمام تحديات جديدة في إدارة علاقاته مع واشنطن، تتطلب بناء استراتيجيات أكثر مرونة وشمولية لضمان حماية المصالح الوطنية.
أمام هذه التحديات، يبرز خيار تنويع الاستراتيجيات كأحد البدائل الأكثر واقعية لتأمين مصالح الأردن الوطنية وتعزيز قدرته على الصمود. وللتوضيح، تنويع الخيارات لا يعني أبدًا التخلي عن الحليف الأمريكي، بل تعزيز أدوات السياسة الأردنية لتوسيع مجال المناورة والحفاظ على استقلالية القرار.
ورغم أهمية تنويع الخيارات الاستراتيجية للأردن كخطوة لتعزيز استقلالية القرار الوطني إلا أن هذه المقاربة محفوفة بالمخاطر وتحتاج إلى إدارة دقيقة، فالتحرك في رقعة جيوسياسية معقدة يتطلب توازناً بالغ الدقة بين الانفتاح على فرص التحالفات الجديدة أو التناقض مع المصالح الوطنية.
تمثل تركيا أحد الخيارات البارزة ضمن هذا السياق؛ فهي قوة إقليمية صاعدة تتقاطع مع الأردن في ملفات جوهرية، أبرزها ملف إعادة الإعمار في سوريا، حيث يمكن لأنقرة أن تتشارك مع الأردن عبر مشاريع تنموية كبرى في المنطقة، إلى جانب ذلك، يحمل الموقف التركي من القضية الفلسطينية، لا سيما دعمها لحل الدولتين، أبعادًا سياسية يمكن الاستفادة منها.
إلا أن التحالف مع تركيا لا يخلو من المحاذير؛ فهي دولة ذات سياسة براغماتية ، تعتمد على تقديم مصالحها القومية على أي اعتبار آخر، ومشروعها الإقليمي، الذي يحمل أبعادًا توسعية، وبناء على ذلك، يصبح التعامل مع تركيا أشبه بالسير على حبل دقيق؛ يمكن أن يكون دعمها سندًا مرحليًا للمملكة، لكنه يحتاج إلى إدارة حصيفة ومراجعة مستمرة.
يتمتع الأردن، بفضل دبلوماسيته الهادئة ورؤية قيادته الواضحة، بتاريخ ممتد من العلاقات الإيجابية مع الاتحاد الأوروبي، أسهم في بناء قاعدة صلبة للتعاون المشترك، هذه العلاقات تستند إلى فهم أوروبي لأهمية الأردن في تحقيق استقرار المنطقة -وهذا ما يغيب عن ترامب الذي لا يعترف بأهمية الأردن اقليميا-، وإلى إدراك أردني بأن الاتحاد الأوروبي يمثل شريكًا استراتيجيًا يمكن الوثوق به في القضايا المحورية.
ومع اقتراب الأردن من نقاط تحوّل حساسة في مواجهة الضغوط الجيوسياسية، فإن الملك عبد الله الثاني بحنكته الدبلوماسية وشبكة علاقاته العميقة مع صناع القرار الأوروبيين قادر على إيجاد مساحات تقاطع جديدة ترتكز على المصالح المشتركة والتحديات المتبادلة.
وفي عصر يعاد فيه توزيع القوى الاقتصادية والسياسية عالميًا، أصبحت آسيا، بقيادة الصين والهند، لاعبًا محوريًا في إعادة تشكيل النظام الدولي، لا يمكن للأردن أن يبقى غائبًا عن هذا التحول. العلاقة الأردنية الصينية، رغم بداياتها المتواضعة، تمتلك إمكانيات للتوسع، الصين، بوصفها قوة اقتصادية عالمية صاعدة، تقدم فرصًا كبيرة للأردن في مجالات التجارة والبنية التحتية، خاصة عبر مبادرة الحزام والطريق، فهذا المشروع يمكن أن يضع الأردن كحلقة وصل لوجستية بين آسيا والشرق الأوسط، لكن تعميق هذه العلاقة يصاحبه حذر مدروس، ما يستدعي التعلم من التجارب السابقة.
أما الهند، التي تسعى لترسيخ مكانتها كقوة عالمية متنامية، فتمثل شريكًا آخر يتمتع بإمكانات تعاونية مهمة، في مجالات التكنولوجيا، والصناعات الدوائية، والزراعة الحديثة، وهي قطاعات تنسجم مع أولوياتنا التنموية.
وكما أن خيار الانضمام إلى تكتلات عالمية ودولية يبقى مفتوحًا لما يحمله من إمكانيات لفتح قنوات جديدة للتعاون الدولي، ففي عالم يسارع فيه الفاعلون الدوليون نحو تعزيز تحالفاتهم وتأمين مصالحهم عبر منصات متعددة، يصبح من الضروري للأردن أن يبقي هذا الخيار متاحًا ضمن آليات اتخاذ قراراته المستقبلية، ليظل قادرًا على استثمار الفرص المتاحة بما ينسجم مع تطور متطلبات السياسة الدولية.
وبالطبع لن تكتمل خريطة الحلفاء دون تعزيز الاقتصاد الوطني الذي يمثل الركيزة الأولى لأي قرار سياسي مستقل.
وعبر تاريخه، واجه الأردن كثيرًا من التحديات، وعلمتنا تجاربنا أن الأردن خرج من الأزمات أقوى، فنحن الأردنيون ومع قيادتنا الهاشمية، مثال حيّ على قدرة الدول على التعلم من تحدياتها وإمكانية استثمارها، مما يجعلنا دائما أكثر قدرة على الصمود والتأثير في محيطنا المعقد.
وفي التاريخ عبرة، وتاريخ الأردن شاهد على مواقف معقدة، صمد فيها الأردن قيادة وشعبًا، في وجه الضغوط الأمريكية وتحمل الأردن فاتورة باهظة إزاء مواقفه من القضايا العربية وكان لتلاحم الشعب مع القيادة دور كبير في تعزيز الصمود الأردني والتماسك بالمواقف الوطنية والحفاظ على استقلال القرار الوطني والسيادة الوطنية، حينما رفض الملك الحسين وخلفه الأردنيون حصار العراق.