facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




اليرموك .. عندما تتحدث الأرقام تسقط الأوهام


د. محمد بني سلامة
09-02-2025 08:38 PM

في مقاله المنشور في موقع عمون بعنوان "تنمّر على اليرموك", حاول السيد ذوقان عبيدات رسم صورة رومانسية عن واقع جامعة اليرموك، وكأنها ضحية "مؤامرات" و"استهداف ممنهج"، متجاهلًا أن الحقيقة أكثر وضوحًا من أن تُخفى بمثل هذه التبريرات المتهافتة، وأن الأرقام، وهي لغة العلم والمنطق، تكشف حجم الانحدار الذي وصلت إليه الجامعة في عهد إدارتها الحالية.

إذا تركنا العواطف والمجاملات جانبًا، وفتحنا تقارير ديوان المحاسبة والهيئات الرقابية الرسمية، فسنجد كارثة إدارية ومالية وتعليمية تتكشف أمامنا. المديونية في عهد الإدارة الحالية وصلت إلى أرقام قياسية غير مسبوقة، تعكس فشلًا ذريعًا في إدارة الموارد المالية، وتراجعًا مقلقًا في قدرة الجامعة على استقطاب التمويل والدعم الأكاديمي. فكيف يُمكن لجامعة كانت يومًا منارة علمية أن تتحول إلى مؤسسة مثقلة بالديون والعجز المالي؟

أما عن البحث العلمي، فلا حاجة لسرد القصص الطويلة، فقد تم إهماله بشكل غير مسبوق، وأصبحت الجامعة مكانًا لطحن المحاضرات الروتينية، وإصدار قرارات إدارية عبثية، بينما تتراجع جودة الأبحاث، وتقل فرص دعم الباحثين، ويُستبعد كل من يُطالب بتطوير البيئة البحثية لصالح سياسات قائمة على الولاءات والمحاباة. لم يعد الإنتاج البحثي معيارًا أساسيًا للتقييم الأكاديمي، بل أصبح التقرب من "المركز" هو المفتاح الوحيد للترقيات والمناصب.

وفي هذا السياق، أصبحت معايير النزاهة والجدارة والاستحقاق مجرد شعارات مفرغة من مضمونها. فالجامعة التي كان يُفترض أن تكون نموذجًا للعدالة الأكاديمية، تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات، وتقسيم المجتمع الجامعي إلى "موالين" يتم مكافأتهم بالمناصب والامتيازات، و"غير موالين" يتم إقصاؤهم، وتهميشهم، وحرمانهم من حقوقهم الوظيفية والأكاديمية. بهذا النهج، لم تعد الجامعة مؤسسة علمية، بل تحولت إلى نموذج إداري قائم على الولاء للأشخاص لا الولاء للمؤسسة.

أما القيم والأعراف الأكاديمية، فقد تعرضت لانتهاكات صارخة. لم يعد الاحترام للمكانة الأكاديمية والإنجاز العلمي هو الأساس، بل باتت الجامعة تُدار بعقلية بيروقراطية، تفتقد إلى الرؤية والتخطيط، ولا تعترف بالكفاءة كمعيار أساسي للتوظيف والترقية. هذه الممارسات لم تقتصر على الجانب الإداري فحسب، بل امتدت إلى تهديد النسيج الوطني داخل الجامعة، عبر خلق حالة من الاستقطاب والاستعداء، وتحويل الاختلاف في الرأي إلى صراع شخصي.

وما يزيد الوضع كارثية، هو الارتفاع الكبير في عدد القضايا المرفوعة ضد الجامعة في المحاكم، والتي تعكس حجم التخبط الإداري، وغياب العدالة، وتنامي الظلم الوظيفي، واستخدام القانون كأداة للقمع بدلًا من كونه وسيلة لتحقيق الإنصاف. وليس هذا فحسب، بل تم اللجوء إلى قانون الجرائم الإلكترونية لمحاولة إسكات الأصوات الناقدة، وتهديد كل من يجرؤ على كشف الحقيقة أو المطالبة بالشفافية والمحاسبة. ففي الوقت الذي يُهمل فيه البحث العلمي والبنية التحتية للجامعة، تُوجه الجهود نحو تلميع صورة الرئيس، والترويج لإنجازات وهمية لا أثر لها سوى في التصريحات الإعلامية.

وفي ظل هذا الواقع المزري، فإن البنية التحتية للجامعة تعاني من إهمال ممنهج، حيث لم تُعد مرافق الجامعة صالحة لتوفير بيئة تعليمية متكاملة. المباني تفتقر للصيانة، المختبرات بلا تحديث، والقاعات الدراسية أشبه بمخلفات عصور سابقة، بينما تصرف الموارد على فعاليات العلاقات العامة التي لا تخدم سوى صورة الرئيس وإدارته. في الوقت الذي يتهاوى فيه مستوى التعليم والبحث العلمي، نجد أن الأولوية تُعطى لاستعراضات إعلامية تعكس إنجازات وهمية لا تمت للواقع بصلة.

ورغم كل هذا التراجع، يتحدث البعض عن "التمديد" وكأنه مكافأة مستحقة! هل يُكافأ الفشل بالتمديد؟ هل يتم منح سنوات إضافية لإدارة فشلت في الحفاظ على استقرار الجامعة، وأغرقتها في الديون، وقسمت مجتمعها الأكاديمي، وأهملت البحث العلمي، وسحقت معايير النزاهة والجدارة؟

إن من يُريد الدفاع عن الإدارة الحالية عليه أن يواجه الحقائق بالأرقام، وليس بالشعارات والتبريرات الجوفاء. جامعة اليرموك بحاجة إلى إصلاح حقيقي، لا إلى مزيد من المجاملات التي تُعمّق أزمتها. هذه المؤسسة لم تُؤسس لتكون ساحة للولاءات، ولا ميدانًا لصراع المصالح الشخصية، بل وُجدت لتكون منارة للعلم والبحث والنزاهة.

أما حديث السيد عبيدات عن "التنمّر على اليرموك", فهو في الحقيقة محاولة للالتفاف على جوهر المشكلة الحقيقية. التحدي اليوم ليس في "الهجوم على الجامعة"، بل في حمايتها من عبث إداري يهدد مستقبلها، ويجرها إلى الهاوية. فهل من يسمع نداء العقل والمنطق قبل فوات الأوان؟





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :