الانتقائية، مرض عقلي يدفع بالإنسان للبحث عن، واستقبال أي رسالة أو فكرة تنسجم مع قناعاته المسبقة بهدف تعزيزها فقط، وليس بحثًا عن الحقيقة، بينما يتجاهل بذات الوقت أي بيانات تتناقض مع قناعاته تلك ، و تصنف هذه من جرائم العقل الكبرى.
الإنسان بطبيعته ضحية للوعي المشروط، وهو غير مستقل ولا حر باختياراته وأفكاره بالمطلق، كونه غالبا متحيز ومتعاطف لأفكار ذاتية ربما تكون غير موضوعية ولا تتصل بالحقيقة.
الإنسان لا يسعى للبحث عن الحقيقة بمقدار ما يبحث بشكل انتقائي عن ما يدعم أوهاما تعزز بقائه وتفوقه، وتحمي نفسيته من الانهيار لحظة الإقرار بالفشل ومواجهة الحقيقة.
الإنكار والتبرير والانتقائية والأدلجة الدوغمائية، هي جريمة بحق العقل والأخلاق المطلقة، إذ ترديه أسيرا مكبلا بأفكار غير متصلة بالواقع والحقيقة.
نعم انها جريمة العقل الفردي ، ولكنها في بعض المجتمعات تتضخم وتتصاعد لتصبح اقرب للظاهرة ، وتتوحد بها عقول عدة لتشكل عقلا جمعيا يكبل المجتمع وتَحُد من انتاجيته وتعود به للوراء بمعتقدات يساء تعريفها و يذهب شططا بتفسيرها حسب هواه وحسب انتقائيته.
خذ مثالا او اثنين، العين والحسد فهما مصطلحان من معتقداتنا ومنصوص عليهما ولا احد ينكرهما، وهناك من الآيات والاحاديث ما يؤكدهما، لكن ارى ان التفكير الانتقائي حملهما ما لا طاقة لهما به واصبحا شماعة ومبرر لأي إخفاق يعترض صاحبه، او حتى لأي غيمة صيف عابرة تمر فوقه ويقوم العقل المتشبع بالتفكير الانتقائي ( بلملمة) جميع انواع الفشل والاحداث السيئة ( والمُسَبَبَة بحكم قوانين الطبيعة) ووضعها جملةً وتفصيلا بخانة العين والحسد تجنبا للبحث عن الاسباب الحقيقية للفشل والاخفاق ، وكذلك اذا ذهب العقل بإنتقائيته للحظ ايضا لتبرير الفشل والتعلق بالاوهام، فيكون العقل بذلك قد ذهب بالانتقائية مذهبا وصل لحد الغباء المستفحل والمستعصي، والله اني اسمع قصصا حول هذا الفهم القاصر حتى من بعض المشايخ وبعض الحاصلين على ارفع الشهادات العلمية، اشفق عليهم ولا املك الا الابتسام واحيانا القهقهة.
اسمع وتسمعون اكثر مني، عن شخص او اشخاص ذائعي الصيت ( مصَيَتين)بالعين والحسد يتناقل الناس اخبارهم، تارة همسا وتارة علنا، ويحذر بعضهم بعضا حتى من القاء التحية عليهم، تخرج من اعينهم او افواههم او رؤوس اصابعهم قوة خارقة جدا تتجاوز قوانين الطبيعة وتحطمها، بحيث انها تردي الجمل ارضا او تهدم بيتا بمجرد لمحة وتركيز من الحاسد فينتهي امر الجمل وما هو اكبر من الجمل وأقل منه.
أقول ان هذا الشخص الحاسد (ان وجد حقا بهذه القدرة العجيبة) فهو ثروة قومية يجب ان يكون محط رعاية وتشجيع من جميع مؤسسات الدولة لاستعمال وتوظيف هذه (القوة الخارقة) لمصلحة الدولة العليا وذلك بتوظيفه واستثماره لحَسَد وتدمير اعدائنا خارج وداخل الحدود، وما اكثرهم فهم يسرحون ويمرحون دون وجود (حاسد وطني) يتكفل بأمرهم، لكن العجيب او الطريف بالموضوع، لا بل المحزن ان هذا الحاسد ليس له (تأثير ) الا ضمن دائرته الضيقة اقاريه وأصدقائه وجيرانه ومنطقته الجغرافية .
كان لأحد الاصدقاء تجربة حول تأسيس مشروع يدر دخلا وفيرا عليه وعلى اسرته وعلى الصالح العام وقد أخذ بجميع الاسباب لإنجاح هذا المشروع واخراجه لحيز الوجود, وقطع شوطا بسبيل ذلك قارب على النهايات، لكن تجريته بالنهاية باءت بالفشل وأغلق ملف المشروع نهائيا....بعد مدة استسر لي احدهم مفتخرا ومزهوا انه هو من كان سببا بإفشال هذا المشروع وبالادلة القاطعة، وسرد ما قام به من استعمال نفوذه وعلاقاته ووشاياته ورشاويه ونجح بذلك....
أقول ايها السادة: هذا هو الحسد، وهذا هو الحاسد، وهذا هو المحسود ،وقس على ذلك.
الملاحظة الاولى: المعجزات التي تتجاوز قوانين الطبيعة وتخرقها، انتهت بإنتقال آخر الانبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم للرفيق الاعلى.
من ناحية ٱخرى هناك ملياردير بريطاني وضع جائزة في عام ١٩٧٦ مقدارها ١٥ مليون جنيه استرليني( تتضاعف مع مرور الزمن) لمن يستطيع ان يخرق اي قانون من قوانين الطبيعة، والجائزة لم يحصل عليها احد لغاية الآن ولا اظن احدا سيحصل عليها.
الملاحظة الثانية : لماذا لا يخيم هذا الفهم الخاطيء والقاصر لهذه المصطلحات الا بمناطقنا؟.
*الدوغماتية: حالة من الجمود الفكري، حيث يتعصب فيها الشخص لأفكارهِ الخاصة لدرجة رفضهِ حتى مجرد الاطلاع على الأفكار المخالفة.