نعم نعرفهم ونعرف بيعتهم للخارج، متنصلين من طينتهم وطنيتهم، وما كانوا يوما أصحاب أجندة وطنية إلا بقدر خدمتها للأجندهم الحقيقية المغردة خارج السرب، والساعين دوما إلى إمتطاء سرج أي حدث له مردود شعبي سريع الحصاد، غير عابئين بالمصالح الوطنية، أو مكترثين بتماسك الجبهة الداخلية، فهم يؤمرون من خارج الحدود، وينتمون بأهدافهم بعيدا عن سياج الوطن ولحمته، ويجاهرون بالبيعة للبيعد التابع للأبعد من أجل مصالح ظاهرها الأمة وباطنها الاستقواء على الداخل ومحاولة فرض واقع مخترق، لتحقق قوى إقليمية غاياتها في إضعاف الأوطان وهز أركان الدول وتفريق الشعوب وإدخالها في دوامات من العنف متعدد الأشكال والمظاهر، نعم نعرفهم ونعرف أن قلبوهم وسيوفهم ليست معنا.
نعرفهم تماما وجربانهم عند كل منعطف، فنجدهم ينعطفون بعكس اتجاه البوصلة، وجدناهم عند كل ضيق ينعقون كالغربان مبشرين بالخراب، وكأنهم يسعون إليه بما يشبه التمني، فالتكاتف الوطني يزعجهم، والإلتفات حول القيادة يضيّق عليهم، فهم فئة تنمو وتترعر من أجل خلق الفوضى ونشر التشكيك، ومحاولة لقلب الموازين، والعمل المضني على تظليل فئة هشة من المجتمع، فهمهم الربح السريع والتصيد في الماء العكر، يعشقون الزوابع الترابية والخماسين جوهم المفضل، نعرفهم ونعرف كرههم للمطر وسنين الخير، فهم يسكنون السنين العجاف دائما.
ويعرفون أنفسهم، يتحسسون رؤوسهم كلما حامت الطيور الحرة في سماء الوطن، هذا الوطن الذي كلما تكالبت عليه مخالب الناهشين وأنياب الطامعين وعيون الحاسدين لم يجد غير أبنائه الخُلص الميامين يتلفون حوله يدافعون عنه بالمهج والأرواح، نعم يعرفون أنفسهم وأن الحادثات الجسام عوامل تعرية وكشف، فمن يلتحف بغير لحاف الوطن سيترك ظهره للريح، وأي ريح بعد الوطن هي ريح صرصر لا تبقي ولا تذر، والحاضر يقظ ويسجل، والتاريخ يحفظ ولا يرحم، نعم يعرفون أنفسهم ويعرفون أننا نعرفهم، إنهم فئة تقتات على مشاعر الناس وتستثمر كل مصيبة في المحيط وفي القريب لتبني رصيدا زائفا سرعان ما تبخره الحقيقة، إنهم طفيليات لا تنمو ذاتيا لكنها تستغل حتى العقيدة والمعتقد لترفع صوت الحناجر بالنعيب، وعندما يحتاجهم الوطن يصمتون، لأن الأوامر لم تأتِ، لأن صاحب الأمر الخارجي لا يعنيه وطنك، فهو بالنسبة له مساحة لأطماعه وأهدافه وغاياته، التي تصب في نهاية الأمر في مصلحة الأعداء، ليس أعداء الوطن وحسب بل أعداء الأمة كلها، لكن عميت الأبصار وغشي على القلوب.
بالتأكيد نعرفكم وتعروفون أنفسكم، إذاً على الحال أن يتغير، وأن تصححوا خطاكم باتجاه بوصلة الوطن، وأن تصدح حناجركم بنشيد الوطن، وإلا فإن القلوب ستلفظكم قبل أن يتنكر لكم تراب الوطن كما تتنكرون له، فالرؤية أصبحت شديدة الوضوح، وما من متسع لمساومة أو " قضبان خاطر " إنه الوطن.