دخول الآليات القتالية الثقيلة إلى شمال الضفة الغربية
صالح الشرّاب العبادي
24-02-2025 08:23 PM
بعد ان أعلنت إسرائيل الحرب على المقاومة في غزة والتي استمرت خمسة عشر شهراً ، ثم خلالها توجهت الى جنوب لبنان من اجل مقاتلة حزب الله ، تدخل إسرائيل الحرب الثالثة من من سلسلة حروبها ضد المقاومة الفلسطينية، حيث تشهد الضفة الغربية، وخصوصًا شمالها، تصعيدًا عسكريًا خطيرًا مع إدخال الجيش الإسرائيلي دباباته وآلياته الثقيلة إلى مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم ومناطق أخرى لأول مرة منذ أكثر من عقدين ، هذا التحرك يعكس تحولًا جوهريًا في طبيعة استراتيجية العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث انتقلت من كونها عمليات أمنية تهدف إلى تنفيذ اعتقالات محددة إلى عمليات حربية واسعة النطاق ، فإدخال الدبابات والجرافات المجنزرة وناقلات الجند يشير إلى نية الاحتلال فرض واقع جديد في الضفة الغربية، مما يطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا التصعيد، وتداعياته على مستقبل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ادخال الاليات القتالية الحربية الثقيلة هي خرق واضح لاتفاقية السلام والتي قسمت الضفة الغربية بموجبها الى ثلاث مناطق وفق اتفاق أوسلو :
المنطقة “أ” (18% من مجموع مساحة الضفة الغربية ) تحت السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية وتشمل المدن الكبرى مثل رام الله ونابلس وجنين، لكنها تتعرض لاقتحامات إسرائيلية متكررة.
المنطقة “ب” (22%) تخضع لإدارة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية إسرائيلية-فلسطينية مشتركة، وتشمل القرى والبلدات المحيطة بالمدن الفلسطينية.
أما المنطقة “ج” (60%) فهي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وتشمل المستوطنات، الطرق الالتفافية، وغور الأردن، حيث تمنع إسرائيل أي تطوير فلسطيني وقد استعمرت واستوطنت بها إسرائيل ببناء آلاف المستوطنات ونقلت الاف المستوطنين الإسرائيلين علبها ..
كان هذا التقسيم مؤقتًا لخمس سنوات، لكنه استمر حتى اليوم، مع استمرار التوسع الاستيطاني والعمليات العسكرية الإسرائيلية في جميع المناطق، مما يشكل خرقًا واضحًا للاتفاق الذي تم برعاية دولية .
أبعاد إدخال الدبابات والمعدات الثقيلة
إدخال الدبابات والمعدات العسكرية الثقيلة إلى المخيمات الفلسطينية يحمل أبعادًا استراتيجية عديدة توحي بأن الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع شمال الضفة كجبهة قتال مفتوحة ، ويمكن تلخيص أهم دلالات هذا التصعيد فيما يلي:
تحول العمليات الأمنية إلى عمليات حربية واسعة : لم تعد العمليات العسكرية تقتصر على المداهمات والاعتقالات، بل أصبحت مواجهات مباشرة تشمل استخدام المدرعات والقذائف والأسلحة الثقيلة.
التعامل مع المخيمات الفلسطينية كميادين معارك مفتوحة ، يعكس تحولًا خطيرًا في طريقة إدارة الاحتلال للصراع داخل الضفة الغربية .
استمرار العمليات لأطول مدة ممكنة:
نشر الدبابات والمعدات العسكرية الضخمة يشير إلى نية الجيش الإسرائيلي البقاء في هذه المناطق لفترة طويلة، ما يعني استمرار العمليات لفترات ممتدة بدلاً من كونها عمليات خاطفة.
الاعتماد على الآليات الثقيلة يعزز فكرة التحصن داخل المناطق المحتلة وفرض سيطرة ميدانية دائمة كما يبدو.
تمهيد لهجوم واسع بالقصف المدفعي والدبابات:
إدخال هذه الآليات العسكرية الضخمة يتيح تنفيذ ضربات مدفعية مكثفة وقصف بالدبابات، وهو ما لم يكن يحدث بشكل موسع في الضفة الغربية سابقًا.
هذا يعزز احتمال تنفيذ هجمات استباقية واسعة النطاق ضد مراكز ومواقع المقاومة الفلسطينية ، والمخيمات والمدن شمال الضفة الغربية ، خاصة بعد عمليات النزوح القسري الذي تفرضه اسرائيل على المواطنين من بيوتهم وقراهم ومزارعهم .
فرض طوق عسكري وحصار خانق:
الدبابات والجرافات تساعد في إحكام الحصار على المخيمات والمدن الفلسطينية، مما يؤدي إلى تقطيع أوصال شمال الضفة ومنع التواصل بين الفصائل والمناطق المختلفة ، وقطع طرق التزويد والإمداد .
يمكن أن تستخدم هذه الآليات لتنفيذ إغلاقات طويلة المدى وعزل مناطق محددة بشكل كامل عن محيطها.
الخوف والرعب من تكرار خسائر العدو :
تحصن الجنود الاسرائيليين وتحركهم ضمن الاليات الثقيلة والمصفحة تخوفاً من ضربات المقاومة والهجمات ضد لجنود ، وعدم تحركهم بدون حماية خوفاً من تكرار ما واجهته هذه القوات المحتلة في غزة وما تلقته من ضربات وقتل وتدمير وعدم تحقيق الاهداف العسكرية…
تأثير نفسي ودفع الفلسطينيين للنزوح: مجرد رؤية الدبابات في الشوارع والمخيمات يخلق حالة من الذعر بين السكان، مما قد يدفع المزيد منهم للنزوح خشية القصف أو المواجهات العسكرية المباشرة.
هذا قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لإفراغ بعض المناطق من سكانها وإضعاف المقاومة الشعبية والمسلحة.
سيناريوهات التصعيد العسكري القادمة
إذا كان هذا التصعيد مقدمة لعملية عسكرية واسعة في شمال الضفة الغربية، فمن المتوقع أن نشهد تطورات خطيرة خلال الفترة المقبلة، يمكن تلخيصها في السيناريوهات التالية:
تكثيف الاقتحامات والاعتقالات
استمرار عمليات الدهم والهدم للبنية التحتية الفلسطينية باستخدام الجرافات والدبابات.
تصعيد عمليات الاغتيال والاستهداف المباشر لقادة الفصائل المسلحة في الضفة الغربية.
فرض حصار عسكري طويل الأمد:
قطع الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدن والمخيمات الفلسطينية ومنع التنقل بحرية.
إقامة حواجز عسكرية دائمة قد تؤدي إلى تقسيم المناطق الشمالية وعزلها عن بقية الضفة.
تمهيد لضربات جوية ومدفعية:
قد يشمل التصعيد قصفًا جويًا ومدفعيًا يستهدف مواقع المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو ما قد يشبه جزئيًا ما يحدث في غزة.
إمكانية تنفيذ عمليات اغتيال جوية لقادة الفصائل الفلسطينية كما حدث في حربها مع حزب الله والمقاومة في غزة .
توسيع العمليات العسكرية لتشمل مدنًا أخرى:
قد يمتد التصعيد ليشمل نابلس ورام الله ومدنًا أخرى، مما قد يؤدي إلى اشتعال الضفة الغربية بالكامل.
تعزيز العمليات العسكرية في جميع أنحاء الضفة الغربية، مع التركيز على المناطق التي يُعتقد أنها تحتوي على نشاط مسلح مكثف لقوات المقاومة..
التداعيات المحتملة لهذا التصعيد
تصاعد المقاومة الفلسطينية:
قد يؤدي التصعيد العسكري الإسرائيلي إلى رد فعل عنيف من الفصائل الفلسطينية، مما يزيد من احتمالات وقوع اشتباكات واسعة النطاق ، وقد تتوسع هذه العمليات وفق المعطيات على الارض فقد تتحول إلى حرب عصابات وقتال شوارع وعمليات استشهادية وقنص وتفجيرات محضره مسبقاً اضافة إلى عمليات التسلل والاختراق لتنفيذ عمليات داخل العمق الإسرائيلي وهذا سيؤدي إلى تنفيذ عمليات فدائية داخل الخط الأخضر كرد مباشر على العدوان العسكري في الضفة.
تدخلات إقليمية وضغوط دبلوماسية
قد يؤدي التصعيد إلى ردود فعل من أطراف إقليمية، مثل حزب الله والحوثيين في اليمن ، مما يزيد من احتمال اندلاع مواجهات إقليمية أوسع ، وقد تندلع المواجهات في غزة فيما فشل صمود الصفقة او تعاود اسرائيل الحرب في حال نفذت الصفقة واستلمت اسراها ، وفشلت الجهود الاقليمية والدولية في تثبيت وقف الحرب .
إذا تصاعدت الأوضاع إلى حد كبير ونتج عنها سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين ، فلن تتوقف الحرب هذه المرة الا بضغوط دولية كبيرة وموقف عربي حاسم .
مزيد من النزوح والضغط الإنساني
استمرار العمليات العسكرية لفترات طويلة سيؤدي إلى تهجير آلاف الفلسطينيين من منازلهم، مما يفاقم الأزمة الإنسانية في الضفة الغربية ، وهذا بدأ بالفعل وكما كان هو متوقع مما يكون هناك تحديات كبيرة على دول الطوق والاقليم .
زيادة الاستيطان الإسرائيلي في المناطق التي يتم تفريغها من سكانها، مما يعزز مشروع الاحتلال طويل الأمد.
ما يجري في شمال الضفة الغربية ليس مجرد حملة أمنية، بل هو تصعيد عسكري ممنهج يهدف إلى فرض معادلات جديدة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. إدخال الدبابات والمعدات الثقيلة يشير إلى أن إسرائيل بصدد تنفيذ عملية عسكرية طويلة الأمد، قد تكون مقدمة لمخطط أكبر يستهدف السيطرة الكاملة على المناطق الشمالية من الضفة بحجة القضاء على المقاومة المسلحة في تلك المناطق.
في ظل هذه التطورات ، هل سيؤدي هذا التصعيد إلى تدخل عسكري واعادة حرب وحدة الساحات من جديد؟
وماهي خيارات المقاومة الفلسطينية في صد هذا التصعيد والهجوم على مواقعهم ومراكزهم ؟
والسؤال المهم : هل سيجبر الاحتلال النازحين الفلسطينيين وهم بالالاف الى النزوح الى داخل الضفة الغربية ام ستكون هناك عمليات تهجير خارج الحدود الامر الذي من الممكن ان يفجر الأوضاع وتكون الشرارة لحرب اقليمية ؟