الوطن في شعر حبيب الزيودي
قاسم الدروع
25-02-2025 10:28 PM
يشكل الوطن هاجسا كبيرا في التكوين العاطفي للإنسان أيا كان، فلا نتصور مثلا أن إنسانا يستطيع أن يعيش سويا من الناحية العاطفية وهو فاقد لوطنه، هذه العاطفة الوطنية التي تشكل الرباط الروحي للإنسان وهي بدورها - عاطفة حب الوطن - التي تملي على الإنسان حب التضحية وفداء الوطن بكل غال ونفيس للمحافظة على الوطن واستقلاله وهيبته وجلاله. وبعبارة أخرى، إن الوطنية عاطفة نبيلة يستشعر بها المواطن تجاه وطنه من خلال مجموعة من الروابط الروحية التي تتنامى في داخله وتنعكس في سلوكه.
وهكذا فالوطن " هو البلاد التي يقيم فيها الإنسان ويتخذها مستقرا دائما له، وهو من هذا القبيل شبيه بالبيت ، فالبيت هو الملجأ الصغير الذي يأوي إليه الفرد مع أعضاء أسرته، والوطن هو البيت الكبير الذي يضم عددا كبيرا من الأفراد والأسر، ولئن كان اتساع البيت يعرف بعدد غرفه وردهاته ، فإن اتساع الوطن يقاس بعدد مدنه وقراه.
ولأهمية الوطن، نجد حضوره لافتا في أكثر قصائد الزيودي، فهو يتغنى بكل مدينة وقرية ومعلم من معالم وطنه " الأردن " في حالة من العشق الذي لا يتحول، وهو يعطي لهذا العشق ما يتطلبه من بذل وتضحية .
والزيودي في شعره الوطني لا يغفل أحوال الأمة وطموحاتها الكبرى التي تجثم على صدرها نظرا لتعرضها لكثير من المشكلات والأزمات، وهذا ما لمسناه في دواوينه المتعاقبة التي شكلت أحاسيسه تجاه الوطن وهمومه التي يعبر عنها في شعره الوطني الذي جسد الهاجس الأول والهم الأكبر في نفسه كلما ادلهمت الخطوب حول قضايا الوطن المصيرية، ففي إحدى قصائده، يستحضر صورة أحد شهداء الوطن ليعزز في النفوس من جديد تنامي حب الوطن والحرص على مصيره، ومن هنا برزت قيمة التوافق بين الذات والآخر في شعر الزيودي من خلال تجليات كثيرة أهمها نظرته إلى الشهيد الذي قضى دون وطنه حائزا على فضل الشهادة وهذا بطبيعة الحال يعبر عن المعرفة العالية لقيم التراث لدى الشاعر ، ففكرة الشهادة.
والتسابق إليها من أرقى القيم التراثية والإسلامية التي نجد لها حضورا دائما في قصص التراث
الإسلامي .
حيث قال في مرثيته للشهيد الطيار " فراس العجلوني :
نهار من النار
غطى القتام جراحي
وحط على الرمل نسر قتيل
يخبيء في قلبه برتقال أريحا
وينثر آذار فوق جبال الكرك
وحين هوى ، صرح النهر : هذا جوادي
أعدوا له منزلا بين جنبي
أغطية إن جاع زادي
وأسقيه روحي
فأطلعه قمرا في دروب الجنود
وطيبا على الضفتين
وغارا يظفر شعر البلاد
يجسد النص الشعري السابق، قمة التلاحم بين الضفتين الشرقية والغربية تعبيرا عن الحس القومي الذي يعتمر فكر الزيودي مبرزا إحدى القرائن الدالة على عمق الترابط بين هذين المكانين من خلال إشارته إلى نهر الأردن الذي أعقب ذكره البرتقال أريحا وجبال الكرك.
نال الشعر الوطني حيزا كبيرا في قصائد الزيودي وهو ينشد للوطن وشهدائه حيث يرى أن لا احد يستحق الشعر أكثر من الوطن والبلاد التي يعيش ويتفيا ظلالها صباحا ومساء، كما في قوله :
سكبت أجمل شعري في مغانيها
هذي بلادي ولا طول يطاولها
لا كنت يا شعر لي؛ إن لم تكن فيها
في ساحة المجد ؛ أو نجم يدانيها
ومهرة العرب الأحرار لو عطشت
نصب من دمنا ماء وترويها
لو سألتني الأغاني حين أنظمها
الصغت نجم الليالي في قوافيها
ويرمز الزيودي فيما سبق إلى الوطن بالمهرة تعبيرا عن منزلتها وجمالها، هذا الوطن المعطاء فالوطن لحن جميل على أوتار الزيودي"، وسيمفونية تسيل عذوبتها ولذتها على حبره والوطن خمرة الشعراء المعتقة، ومواطن الجمال والسحر والروعة والقداسة، وهو تميمة تعلق
على صدور العشاق :
جرارها الراعيات السمر واشغفي
بالساكنات تباريحي وإحساسي لكم عمرن بنفح الطيب صومعتي
وكم تفلئن من أهل وحراس
شكل حبيب الزيودي وطنه الأردني من ترنيمة موسيقية وإيقاعية جميلة، فهو خمرة صوفية تسبح في ذهنه وأفكاره وفلسفته في الحياة، وهو مسكون بحب المكان، ومهووس بأشعة شمسه الشتوية، والربيعية، والخريفية، والصيفية، فرأى من سهول (العالوك) مرأة حقيقية للوطن الأجمل والأوسع، وأسقط جماليات المكان الصغير (قرية العالوك) على المكان الكبير وطنه الأردن فرأى فيه نشوة الخمرة، وهي تسيل على حبر قلمه وريشته، وشكل هذا المكان الصغير علاجا له من السقم المزمن، بل هو تعويذة تقيه براثن الحسد يلوذ به كلما ضاقت عليه الأرض بما رحبت فيجد بيته القديم الملاذ والموئل الذي يأنس به.
رحم الله حبيب الزيودي الذي انغمس بحب الوطن والتغني به فتمكن من رفد المكتبة الغنائية الأردنية بنحو ثلاثين قصيدة مغناه عكست ما كان يعتمر في قلبه ووجدانه في حب الوطن والتغني به.