في شوارع عمّان، لم يعد الرصيف ملكاً للمشاة فقط، بل تحول إلى مساحة مستباحة للمركبات، والمحال التجارية، والأشجار المزروعة عشوائياً، مما يجبر الكثير من المواطنين على السير في الطرقات وسط حركة السيارات المتسارعة، وهذا الواقع لا يعكس مجرد تجاوزات فردية، بل هو مشكلة حضرية تتطلب تدخلاً حاسماً من الجهات المعنية، وعلى رأسها أمانة عمّان الكبرى.
يُعرّف الرصيف قانونياً بأنه جزء من الطريق مخصص للمشاة، ولا يجوز التعدي عليه بأي شكل من الأشكال، إلا أن الواقع في عمّان يعكس صورة مختلفة تماماً، حيث نجد الأرصفة محتلة بمركبات متوقفة عشوائياً، أو مستغلة من قبل المقاهي والمحال التجارية، أو تعج بعوائق مثل الأعمدة ولوحات الإعلانات، مما يجعل عبور المشاة أمراً صعباً وخطيراً أيضاً.
هذه التجاوزات لا تمثل فقط انتهاكاً لحقوق المشاة، بل تؤدي إلى مشاكل مرورية خطيرة، أبرزها اضطرار المارة للسير في الطرقات، مما يزيد من معدلات حوادث الدهس؛ حيث تشير الإحصائيات إلى أن حوادث الدهس تشكل نسبة كبيرة من إجمالي الحوادث المرورية في الأردن؛ إذ شهد العام قبل الماضي نحو 1400 حالة دهس وهو رقم كبير.
وبالطبع، أسباب هذه الحوادث متعددة، لكنها ترتبط بشكل مباشر بغياب الأرصفة الصالحة للمشي، واضطرار المواطنين، خاصة الأطفال وكبار السن، إلى استخدام الطرقات، مما يعرضهم لمخاطر كبيرة، كما أن العوائق المرورية الناتجة عن استغلال الأرصفة بشكل غير قانوني تساهم في ارتفاع معدلات الحوادث، خاصة في المناطق المكتظة بالسكان.
استجابة لهذه التحديات، قامت أمانة عمّان الكبرى، وهذا يحسب لها، بحملات متكررة لإزالة الاعتداءات على الأرصفة، في محاولة لإعادة تنظيمها وضمان حق المشاة في استخدامها بأمان، ورغم أهمية هذه الجهود، إلا أن المشكلة لا تزال قائمة، بسبب غياب الرقابة المستمرة والتراخي أحياناً في تنفيذ القوانين، مما يسمح بعودة الاعتداءات بعد كل حملة إزالة.
لذا فالحل لا يكمن فقط في إزالة التعديات، بل في تبني سياسة صارمة ومستدامة تتضمن تشديد العقوبات على المخالفين الذين يستغلون الأرصفة بشكل غير قانوني، وتوفير حلول بديلة لأصحاب المحال التجارية والمقاهي، مثل تخصيص مساحات محددة خارج الأرصفة، فضلا عن توعية المواطنين بأهمية الحفاظ على الأرصفة كحق عام وليس كمساحة للاستغلال الشخصي، مع تحسين البنية التحتية للأرصفة، بحيث تصبح أكثر أمانًا وسهولة في الاستخدام، خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، وفق "كود" بناء قانوني محدد من قبل الجهات المعنية.
إعادة الأرصفة للمشاة ليست مسؤولية الأمانة وحدها، بل هي مسؤولية جماعية تبدأ من وعي المواطن وتنتهي بتطبيق صارم للقانون، لذلك، إن كنا نريد أن نجعل من عمّان مدينة أكثر أماناً، فلابد من إعادة النظر في كيفية التعامل مع الأرصفة وحمايتها من الاعتداءات المستمرة؛ فالأرصفة ليست رفاهية، بل حق أساسي يجب أن يعود لأصحابه الحقيقيين: وهم المشاة.