الزيارة السورية إلى الأردن: فرص جديدة وتحديات معقدة في ظل تحولات إقليمية
صالح الشرّاب العبادي
26-02-2025 10:58 PM
أتت زيارة الرئيس السوري إلى الأردن في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية كبيرة، حيث تتقاطع المصالح الإقليمية والدولية في ملفات أمنية واقتصادية وسياسية شائكة ، هذه الزيارة، التي جاءت بعد سنوات من التوتر والانقسام وثورة طويلة انبثقت عنها حكومة ورئيس دولة جديدان ، تحمل في طياتها إمكانية إعادة تشكيل العلاقات بين البلدين، مع التركيز على قضايا الحدود، الأمن، اللاجئين، والتعاون الاقتصادي ، لكنها في الوقت نفسه تواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل العقوبات الدولية المفروضة على سوريا والوضع الأمني المتقلب في المنطقة ، واحتلال إسرائيلي جديد لسوريا .
الحدود السورية الأردنية: أمن مشترك في مواجهة التهديدات المتصاعدة
تشكل الحدود السورية الأردنية نقطة ساخنة في العلاقات بين البلدين، حيث التهديدات الأمنية المتعددة، أبرزها عمليات تهريب المخدرات والأسلحة، بالإضافة إلى تسلل الجماعات المسلحة ، في السنوات الأخيرة، تصاعدت هذه التهديدات، مما دفع الأردن إلى تعزيز إجراءاته الأمنية على الحدود التي وصلت الى تحديث وتغير في قواعد الاشتباك المسلح ، هذه القضية كانت محورًا رئيسيًا في المباحثات، فتعزيز التعاون الأمني مع دمشق لضبط الحدود ومكافحة التهريب من الملفات المهمة في هذه الزيارة، خاصة في ظل تقارير تشير إلى تورط جهات خارجية في دعم هذه الشبكات التهريبية والتخريبية والتي تنشط في ظل الظروف الراهنة.
الضربات الإسرائيلية في جنوب سوريا: تداعيات إقليمية وأمنية
تثير الضربات الإسرائيلية المتكررة في جنوب سوريا قلقًا كبيرًا لدى الأردن، حيث يتوقع من أن تؤدي هذه الهجمات إلى تصعيد إقليمي يمتد تأثيره إلى الحدود الشمالية ، هذه الضربات، التي تستهدف مواقع عسكرية وميليشيات ومواقع أسلحة تزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة ، ناقشت القيادتان سبل الحد من هذه التهديدات، بما في ذلك تعزيز التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين لاحتواء أي تداعيات سلبية على الأمن القومي الأردني ، في ظل تعدي عسكري مباشر على الأمن القومي الأردني والسوري على حد سواء .
التواجد الإسرائيلي على الحدود: تحديات جيوسياسية
يشكل التواجد الإسرائيلي المتزايد قرب الحدود الشمالية الغربية للأردن مصدر قلق إضافي، خاصة مع تقارير تشير إلى توسع النشاط العسكري الإسرائيلي في المناطق السورية المتاخمة للحدود الشمالية الغربية ، هذا التواجد يهدد بتغيير موازين القوى في المنطقة، مما استدعى نقاشًا استراتيجيًا بين الأردن وسوريا حول كيفية التعامل مع هذا التهديد ، فكان التباحث في ضمان عدم تحول هذه المناطق إلى ساحة لتصعيد إقليمي قد يؤثر على الاستقرار الداخلي الأردني ، من اهم التحديات الخطيرة التي يجب ان يكون بموجبها تفاهم جاد ثنائي واقليمي ودولي لردع اسرائيل واعادة ما احتلته من اراضي متجاورة بذلك خط الهدنة واتفاقية ١٩٧٤ ..
وحدة الأراضي السورية: رفض التقسيم ودعم الاستقرار
تُعتبر وحدة الأراضي السورية قضية محورية بالنسبة للأردن والدول العربية، خاصة في ظل وجود قوات أجنبية وميليشيات مسلحة في بعض المناطق السورية لم تنطوي بعد تحت القيادة السورية الجديدة.
الأردن أكدت وتؤكد دعمها لوحدة سوريا، والسعي إلى منع أي سيناريو قد يؤدي إلى تقسيم البلاد ، والأردن بذلك يعزز الموقف الداعم لإعادة إدماج سوريا في المنظومة العربية، بما يساهم في تحقيق الاستقرار الطويل الأمد في المنطقة، إضافة إلى دعم الجهود المبذولة للمؤتمر الوطني ومخرجاته لخدمة سوريا وشعبها .
ملف اللاجئين السوريين: عبء اقتصادي وحلول مستدامة
يظل ملف اللاجئين السوريين أحد أكبر التحديات التي تواجه الأردن، حيث تستضيف المملكة مئات الآلاف من اللاجئين الذين يشكلون ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد والبنية التحتية والخدمات العامة ، ملف اللاجئين في الأردن لابد من إيجاد حلول مستدامة وهذا ما تم مناقشه بين البلدين ، سواء من خلال دعم عودة اللاجئين إلى وطنهم أو عبر تعزيز المساعدات الدولية ، و سبل تسهيل العودة الطوعية للاجئين وتأمين الظروف المناسبة لهم داخل سوريا.
التعاون الاقتصادي وإعادة الإعمار: فرص وتحديات
على الصعيد الاقتصادي، الأردن يسعى الى تعزيز التعاون التجاري والاستثماري مع سوريا، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تمر بها المنطقة والبلدين تحديداً ، فالأردن وحسب موقعه الجغرافي الحدودي والضامن لتلك الحدود لابد ان يكون شريكًا فاعلاً في إعادة إعمار سوريا فهي الأقرب الى سوريا والداعم الأكبر لها وسيكون ذلك من خلال الشركات الأردنية أو عبر تسهيل مرور المواد والبضائع إلى الداخل السوري والغاء العوائق العالقة للتبادل التجاري ، ومع ذلك، فإن العقوبات الدولية المفروضة على دمشق تشكل عائقًا رئيسيًا أمام أي تعاون اقتصادي موسع، مما يستدعي جهودًا دبلوماسية لتخفيف هذه العقوبات والغاء قانون قيصر .
المياه والطاقة
تواجه الأردن نقص حاد في المياه وخاصة بعد ان سرقت وحولت إسرائيل منابع المياه الى داخلها علماً ان هناك اتفاقيات بين الأردن وسوريا حوّل التزود بها من خلال سد الوحدة الذي كان هدفه تزويد الأردن بكميات كافية من المياه ولكن لم تتحقق لغاية الان بسبب قلة تدفق المياه لإنشاء سوريا سدودًا فرعية على اليرموك وعدم تنفيذ النظام السابق لبنود الاتفاقية، إضافة الى نقص الطاقة في سوريا واحتياجها من الطاقة من خلال الأردن والتي من المحتمل تزودها بها وبشمل مستدام .
إعادة سوريا إلى الحضن العربي: خطوة نحو الاستقرار الإقليمي
تمثل هذه الزيارة جزءًا من الجهود العربية لإعادة سوريا إلى المنظومة الإقليمية، حيث تتطلع الدول العربية إلى تحقيق استقرار طويل الأمد في سوريا وإنهاء حالة العزلة السياسية التي فرضتها سنوات الحرب ، عودة سوريا إلى الجامعة العربية ودمجها في المشاريع الاقتصادية والسياسية العربية قد تكون عاملاً رئيسيًا في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ، وما هذه الزيارات وخاصة زيارة الأردن إلا فتح أفق جديد وبوابة للعمل المشترك العربي ..
اختبار للإرادة السياسية في مواجهة التحديات
زيارة الرئيس السوري إلى الأردن مثلت فرصة لتعزيز التعاون الثنائي ومعالجة القضايا العالقة، لكنها في الوقت نفسه تواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل العقوبات الدولية والوضع الأمني المتقلب ، نجاح هذه الزيارة سيعتمد على الإرادة السياسية في سوريا والاستقرار الداخلي للوصول إلى حلول عملية تضمن تحقيق المصالح المشتركة وتعزز الاستقرار المتوازن المتبادل المستمر .
اخيراً لدى القيادة السورية ملفات تحمل في طياتها تحديات كبيرة وخطيرة في نفس الوقت سواءاً كانت داخلية وهي تحديات أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وادارية او خارجية وهي أمن واستقرار سوريا ، الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء منها، وحدة البلاد ، التجاذبات الطائفية الاقليمية.. وغيرها من التحديات ، وما هذه الزيارة المهمة إلا تمهيد واضح لايجاد ارضية صلبة للتعاون فيما بين البلدين الشقيقين…