رمضان: شهر التغيير والارتقاء الروحي والإنساني
صالح الشرّاب العبادي
28-02-2025 07:39 PM
شهر رمضان المبارك هو هديةٌ إلهيةٌ للإنسان، فرصةٌ ذهبيةٌ لتجديد الروح وتهذيب النفس وإعادة تشكيل الذات ، ليس رمضان مجرد شهر للامتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسةٌ تربويةٌ تعلمنا قيم الصبر، والتسامح، والتعاطف، والاعتدال ، في هذا الشهر، نتعلم كيف نتحكم في رغباتنا ونوجهها نحو الخير، وكيف نعيش حياةً أكثر توازنًا بين الجسد والروح.
الصيام في رمضان ليس حرمانًا جسديًا فحسب، بل هو تدريبٌ روحي وأخلاقي ، الهدف الأساسي منه هو تحقيق التقوى، كما قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183). التقوى هنا تعني الوعي الدائم بوجود الله، والحرص على تجنب كل ما يغضبه، والالتزام بالأخلاق الحميدة ، الصيام يُذكرنا بضعفنا البشري وحاجتنا الدائمة إلى الله، وهو أيضًا وسيلةٌ لتعزيز الإحساس بالفقراء والمحتاجين الذين يعانون من الجوع والعطش يوميًا.
رمضان هو شهر القيم السامية ، في هذا الشهر، نتعلم قيمة الصبر من خلال تحمل الجوع والعطش، ونعيش قيمة التعاطف من خلال التفكير في معاناة الآخرين ، كما يُعزز رمضان قيم التضامن الاجتماعي، حيث تكثر الصدقات والأعمال الخيرية، ويشعر الأغنياء بمعاناة الفقراء ، هذه القيم ليست مقصورة على الشهر الفضيل، بل يجب أن تكون جزءًا من حياتنا اليومية.
تحولت موائد رمضان في بعض المجتمعات إلى مظاهر للإسراف والتبذير، وهو ما يتنافى تمامًا مع روح الشهر الفضيل ، رمضان يدعونا إلى الاعتدال وعدم الإفراط في الاستهلاك ، يجب أن نتذكر أن هناك ملايين الأشخاص حول العالم الذين لا يجدون ما يفطرون عليه، وأن الإسراف في الطعام والشراب هو إهدارٌ للنعم التي أنعم الله بها علينا. الاعتدال ليس فقط في الطعام، بل في كل جوانب الحياة، بما في ذلك الوقت والطاقة.
رمضان هو شهر التسامح والمغفرة. في هذا الشهر، نتعلم كيف نتحلى بالصبر ونغفر للآخرين، حتى لو أساءوا إلينا ، التسامح ليس مجرد كلمة، بل هو فعلٌ يُعزز العلاقات الإنسانية ويُحقق السلام الداخلي. النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان مثالًا رائعًا للتسامح، خاصة في رمضان، حيث كان يعفو ويصفح حتى عن الذين أساءوا إليه ، التسامح يجعلنا أقرب إلى الله وإلى أنفسنا، ويساعدنا على بناء مجتمعاتٍ أكثر تراحمًا.
الصيام ليس فقط عبادة روحية، بل له فوائد صحية عديدة ، فهو يُساعد في تنقية الجسم من السموم، ويعزز صحة الجهاز الهضمي، ويُحسن من وظائف الدماغ. ومع ذلك، يجب أن نحرص على تناول وجباتٍ متوازنة أثناء الإفطار والسحور، وأن نتجنب الإفراط في تناول الأطعمة الدسمة والحلويات. الصيام يُذكرنا بأهمية التوازن بين الجسد والروح، وأن العناية بصحتنا هي جزءٌ من العبادة.
رمضان هو فرصةٌ لتهذيب الأخلاق وتصحيح السلوكيات. في هذا الشهر، نتعلم كيف نتحكم في غضبنا، ونحسن تعاملنا مع الآخرين، ونبتعد عن الغيبة والنميمة. الصيام يُذكرنا بأن الأخلاق هي جوهر الدين، وأن العبادة الحقيقية لا تكتمل إلا بحسن الخلق. رمضان هو شهرٌ لتعزيز القيم الأخلاقية التي تجعلنا أفضل كأفراد وكمجتمعات.
تحول الصيام في بعض المجتمعات والأفراد إلى عادةٍ اجتماعية أكثر منه عبادة روحية، يجب أن نعيد تعريف الصيام في أذهاننا كفرصةٍ لتغيير أنفسنا وتحسين علاقاتنا مع الله ومع الآخرين ، الصيام يجب أن يكون وسيلةً لتعميق الإيمان، وليس مجرد حرمانٍ مؤقت من الطعام والشراب ، رمضان هو فرصةٌ لإعادة اكتشاف ذواتنا وإعادة تعريف أولوياتنا في الحياة.
رمضان هو الوقت المثالي لتغيير العادات الاجتماعية السيئة التي تتعارض مع قيمه السامية. على سبيل المثال، يجب أن نقلل من السهر الطويل الذي لا فائدة منه، وأن نبتعد عن الإسراف في التسوق والتبذير ، بدلًا من ذلك، يمكننا استغلال الوقت في قراءة القرآن والكتب القيمة ، والعبادة، ومساعدة المحتاجين ، رمضان يدعونا إلى إعادة تقييم عاداتنا وتوجيهها نحو ما يفيدنا ويفيد مجتمعاتنا.
شهر رمضان هو هديةٌ من الله لنا، وهو فرصةٌ ذهبية لإعادة تشكيل ذواتنا وتحسين علاقاتنا مع الله والناس ، لنستغل هذا الشهر في تغيير أنفسنا للأفضل، ولنعمل على تعميق معاني الصيام في حياتنا اليومية ، رمضان ليس مجرد شهرٍ للطعام والشراب، بل هو شهرٌ للتغيير الروحي والأخلاقي والاجتماعي ، فلنحاول أن نجعل من رمضان نقطة تحولٍ في حياتنا، ولنعمل على تعزيز قيمه السامية في كل ما نقوم به.
شهر رمضان هو وقت للعبادة والتقرب إلى الله، وليس لمتابعة الملهيات التي جُهزت لهذا الشهر تحديداً فهي وغيرها من الأشياء التي تشغل وتلهي عن العبادات ، هذا الشهر الكريم فرصة عظيمة لتركيز القلب والذهن على الطاعات، مثل الصلاة وقراءة القرآن والدعاء والذكر، وكذلك الصدقة والإحسان إلى الآخرين.
مشاهدة الملهيات أو أي شيء يشتت الذهن عن هذه العبادات قد يفوت على الإنسان فرصة الاستفادة الكاملة من الغنيمة العظيمة للشهر المبارك ، لذلك، من الأفضل الابتعاد من ، وعن هذه المشتتات والملهيات الدنيوية ..
نأمل ان يكون رمضان هذا العام يعكس القيم الإسلامية الأصيلة والقيم النبيلة والتي يجب ان تتوائم مع فضيلة الصيام واهدافه الدينية والاجتماعية ، وأن يكون الشهر الكريم المبارك هو بداية لتغير العادات الرمضانية المخالفة لتعاليمه وواجباته وقيمه وشعائره،
خاصة ونحن نعيش حالة استثنائية من الاوضاع الاقتصادية الصعبة وكذلك ما ما تمر به الامة العربية من تداعيات خطيرة وما يمر به الشعب الفلسطيني من أوضاع قاسية وصعبة في غزة والضفة والغربية المحتلة من قمع وتنكيل واعتقال وظلم وتجويع وتعطيش من جراء ما تقوم به السلطات الإسرائيلية المتطرفة ضدهم …
نسأل الله أن يعيننا جميعًا على اغتنام هذا الشهر الفضيل بما يرضيه، وأن يجعلنا من العتقاء من النار.
حفظ الله بلادنا وقيادتنا وجيشنا ، رمضان كريم ، وكل عام وانتم بالف بخير وعافية.