براعة القيادة القطرية في تأمين الضمانات الأمنية الأمريكية
م. وائل سامي السماعين
02-03-2025 10:37 AM
في أوائل التسعينيات، أدركت القيادة القطرية، بقراءة دقيقة للمشهد الجيوسياسي الإقليمي، الحاجة إلى بناء شراكات أمنية استراتيجية، خصوصًا في أعقاب حرب الخليج عام 1991. ومع تصاعد التوترات الإقليمية والتنافس بين القوى الكبرى مثل السعودية وإيران، سعت قطر إلى تحقيق توازن استراتيجي عبر تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، ما وفر لها مظلة حماية من أي ضغوط إقليمية محتملة.
اعتمدت قطر دبلوماسية نشطة قائمة على الاستثمارات الاقتصادية، التعاون الدفاعي، والانخراط في الشؤون الإقليمية، مما جعلها حليفًا محوريًا للولايات المتحدة في المنطقة. فعلى المستوى الاقتصادي، فتحت قطر أبوابها أمام الاستثمارات الأمريكية، حيث شهدت فترة التسعينيات من القرن الماضي تدفقًا كبيرًا لرؤوس الأموال الأمريكية في قطاعات حيوية مثل الطاقة، البنية التحتية، التكنولوجيا، الخدمات المالية، والطيران.
وكان قطاع الطاقة والغاز الطبيعي المسال (LNG) هو المحور الأبرز لهذا التعاون، حيث تمتلك قطر ثالث أكبر احتياطي عالمي للغاز، مما جعلها شريكًا استراتيجيًا لعمالقة الطاقة الأمريكية مثل إكسون موبيل (ExxonMobil)، شيفرون (Chevron)، وكونوكو فيليبس (ConocoPhillips). وقد أدى الاستثمار الأمريكي في مشاريع ضخمة مثل "راس غاز" و"قطر غاز"، اللتين لعبتا دورًا محوريًا في تصدير الغاز إلى الأسواق العالمية، إلى تعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين، مما مهد الطريق لاتفاقيات أمنية لاحقة.
ولضمان استقرارها وحماية استثماراتها، وقّعت قطر اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة عام 1992، والتي شكلت أساسًا لعلاقة دفاعية قوية، عززتها فيما بعد بتقديم تسهيلات عسكرية غير مسبوقة. ففي عام 1996، سمحت قطر بإنشاء قاعدة "العديد" الجوية، التي تحولت لاحقًا إلى إحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، وتضم مقر القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط. وجاءت هجمات 11 سبتمبر 2001 والتدخل الأمريكي في أفغانستان لتؤكد أهمية قطر كشريك استراتيجي، حيث نقلت الولايات المتحدة مركز عملياتها الجوية الإقليمية إلى قاعدة العديد، مما عزز موقع قطر كلاعب رئيسي في الترتيبات الأمنية الأمريكية في المنطقة.
إلى جانب التعاون العسكري والاقتصادي، برزت قطر كوسيط رئيسي في النزاعات الإقليمية، ما منحها دورًا سياسيًا محوريًا عزز قيمتها لدى واشنطن. فبفضل قدرتها على التوسط بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، أصبحت قطر شريكًا لا غنى عنه في ملفات أمنية واستراتيجية مهمة للولايات المتحدة.
بفضل الاستثمارات الاقتصادية، الاتفاقيات الدفاعية، والدور الدبلوماسي الفاعل، تمكنت قطر من تأمين التزام أمريكي طويل الأمد بحمايتها، مما منحها نفوذًا استراتيجيًا في المنطقة، وعزز مكانتها كحليف رئيسي للولايات المتحدة في الخليج.
waelsamain@gmail.com