فن التفاوض: كيف نجح الملك عبد الله الثاني بينما فشل زيلينسكي أمام ترامب؟
م. وائل سامي السماعين
02-03-2025 10:52 PM
في عالم السياسة والدبلوماسية، يظهر القادة العظماء من خلال قدرتهم على التفاوض بذكاء وتحقيق المكاسب حتى في أحلك الظروف. بين النجاح الباهر للملك عبدالله الثاني في تعزيز مكانة الأردن دوليًا، والفشل الذريع الذي واجهه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لقائه مع دونالد ترامب، يتضح الفرق بين من يتقن فن التفاوض ومن يسقط في فخ الانفعال وسوء التقدير.
في 28 فبراير 2025، دخل زيلينسكي البيت الأبيض بحثًا عن دعم أمريكي إضافي في الحرب ضد روسيا، إلى جانب توقيع اتفاقية اقتصادية تتعلق بالمعادن النادرة. لكنه بدلاً من تحقيق أهدافه، وجد نفسه في مواجهة ساخنة مع ترامب ونائبه جي دي فانس، حيث وجهوا له انتقادات لاذعة، متهمينه بعدم الامتنان الكافي للمساعدات الأمريكية، وتحميله مسؤولية التصعيد العسكري بدلاً من البحث عن حلول دبلوماسية.
لم يتمكن زيلينسكي من احتواء الموقف، بل رد بانفعال، مؤكدًا أن أوكرانيا بحاجة إلى مزيد من الدعم وليس إلى محاضرات حول الامتنان. تصاعدت التوترات، وأُلغيت مراسم توقيع الاتفاقية، كما تم إلغاء المؤتمر الصحفي المشترك. عاد زيلينسكي إلى كييف خالي الوفاض، بعدما خسر دعم أهم حلفائه بسبب سوء التقدير السياسي.
على الجانب الآخر، لطالما نجح الملك عبدالله الثاني في بناء وتعزيز العلاقات الأردنية الأمريكية، بغض النظر عن هوية الرئيس الأمريكي. فمنذ توليه العرش، تعامل بحنكة مع مختلف الرؤساء، من بيل كلينتون إلى جو بايدن، معتمدًا على نهج استراتيجي ثابت يُظهر الأردن كشريك موثوق، وليس مجرد طالب للمساعدات.
عندما التقى الملك عبدالله الثاني بالرئيس دونالد ترامب، كان يدرك تمامًا شخصية ترامب الميالة إلى المدح وحب الإنجازات، فاختار كلماته بعناية لضمان تحقيق مصالح الأردن بأقصى فاعلية. ومن أبرز العبارات الاستراتيجية التي استخدمها الملك:
1."سيادة الرئيس، نحن نقدر بشدة جهودكم في إحلال السلام في منطقتنا. أنتم رجل يسعى إلى السلام، ونحن نقدر دعمكم المستمر لاستقرار الشرق الأوسط."
oبهذه الجملة المدروسة، خاطب الملك غرور ترامب وصورته كـ"رجل صفقات"، مما جعله أكثر انفتاحًا على النقاش.
2."نحن نعمل على حل يخدم الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة."
هذه الصياغة الذكية أوضحت أن الأردن لا يطلب الدعم لمصلحته فقط، بل يطرح رؤية تحقق مكاسب للولايات المتحدة، وهو بالضبط الأسلوب الذي يتبناه ترامب في صنع القرار.
3."استقبال 2000 طفل من غزة مصابين بالسرطان تأكيد على الدور الإنساني الأردني، وسعينا للحلول السلمية بدلًا من الانزلاق في دوامة العنف."
oهذه النقطة أثرت بعمق في الرأي العام الأمريكي، وأظهرت الأردن كدولة تطرح حلولًا إنسانية وليس مجرد طرف في الصراع.
بفضل هذه الدبلوماسية الهادئة، تلقى ترامب كلمات الملك عبدالله بإيجابية، وأثنى عليه خلال اللقاء، مما مهد الطريق لمناقشة ملفات الأردن بمرونة أكبر، وضمان استمرار الدعم الأمريكي على مختلف الأصعدة.
أما زيلينسكي، فبدلًا من التفاوض بحكمة، اختار المواجهة، فكانت النتيجة انهيار المحادثات وخسارته موقعه الاستراتيجي في نظر الإدارة الأمريكية.
الفرق بين الملك عبدالله الثاني وزيلينسكي ليس مجرد أسلوب، بل هو انعكاس لمنهجية تفاوضية تعكس الحنكة السياسية مقابل الاندفاع غير المحسوب. هذا هو الفرق بين قيادة تدرك كيف تحقق مصالح شعبها، وبين قيادة تتخبط في قراراتها، فتخسر في الميدان الدبلوماسي قبل أن تخسر في ساحة المعركة.
الشعوب العربية ابتُليت بحكام لا يفهمون أصول التفاوض، بل يبرعون فقط في القمع وسفك الدماء، ولهذا أوصلوا بلادهم إلى الدمار. في المقابل، يثبت الملك عبدالله الثاني أن الدبلوماسية ليست مجرد كلمات، بل هي سلاح استراتيجي يُستخدم بحكمة لضمان مكانة الأردن في قلب المعادلات الدولية.