بيان القمة العربية الطارئة على المحك
د. عماد عواد
06-03-2025 01:41 PM
شهدت القضية الفلسطينية خلال العامين الماضيين العديد من التطورات الخطيرة التي طالت كل من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشريف. فبالنسبة للقطاع جاء الرد الإسرائيلي على العملية التي أطلقتها حركة حماس ضد مستوطنات غلاف غزة لتتجاوز كافة المعايير الدولية المتعلقة باستخدام القوة سواء من حيث النسبية في الرد، أو حماية المدنيين وفقاً لما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بمعاملة المدنيين في أوقات الحروب والأعباء الملقاة على عاتق دولة الاحتلال في هذا الصدد.
وكانت محصلة ذلك خلق واقع جديد في غزة تمثل في عملية دمار هائلة للمنازل والبنية التحتية اللازمة للعيش من مياه وصرف صحي ومدارس ومستشفيات، وسقط الآلاف من الضحايا الفلسطينيين اغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ العزل بين قتيل وجريح، أما من تبقي على قيد الحياة منهم فقد عانى من الجوع والبرد والقصف العشوائي وأضطر للنزوح من منطقة إلى أخرى داخل القطاع بناء على أوامر قوات الاحتلال دون توافر للحد الأدنى لمواصلة الحياة. أما بالنسبة للضفة الغربية، فإنها لم تسلم من عبث المستوطنين وقوات الاحتلال التي قامت بفتح جبهة ثانية هناك والدفع بآلة الحرب لمهاجمة مخيمات اللاجئين وتدمير منازلهم والبنية التحتية وإجبار ما يقرب من 40 ألف شخص على النزوح حتى الآن وذلك بحجة مواجهة "العناصر الإرهابية". وأخيراً، كان للقدس المحتل نصيبه من الأذى حيث تعمل حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل على ضم مستوطنات جديدة إليها بما يعنيه ذلك من اقتطاع أراضي جديد من الضفة الغربية ووأد أي تحرك يهدف إلى جعل المدينة الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية محتملة.
في مواجهة هذه الأوضاع المتردية تعالت الأصوات في كافة بقاع العالم منددة بما يجري من انتهاكات في حق الفلسطينيين بالمخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وجاء الطرح الذى قدمه الرئيس ترامب، أثناء المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، في الخامس من فبراير 2025 ليصيب العالم بصدمة حيث تضمن تهجير سكان القطاع إلى "مناطق أكثر أمناً" في مصر والأردن، وسيطرة واشنطن علي المنطقة وتوليها الإشراف على عملية إعادة الإعمار من منطلق استثماري لخلق ما أطلق عليه "ريفييرا الشرق الأوسط"، كملتقي للأغنياء من كافة بقاع العالم للاستمتاع بموقع جغرافي ومناخ متميز، وقد تلقفت الدوائر الإسرائيلية هذه الفكرة لتعيد طرحها من وقت لآخر تحت مسميات وصياغات مختلفة، بل ووصل الأمر إلى حد إنشاء وكالة خاصة "بالهجرة الطوعية" لتسهيل ذلك على من يرغب من سكان القطاع إزاء تردى الأوضاع، قادت مصر بالتنسيق مع الأردن حملة دبلوماسية واسعة تحت شعار "إعادة الإعمار دون تهجير"، وانضمت إليهما عدد من القوي العربية ذات الثقل، لينتهي المطاف بعقد قمة عربية طارئة في القاهرة في الرابع من مارس الجاري، عرضت خلالها القاهرة خطتها المتكاملة لإعادة إعمار غزة مع بقاء سكانها في القطاع، وتم تبنى هذه الخطة لتصبح عربية في البيان الختامي الصادر عن القمة والتي حضرها سكرتير عام الأمم المتحدة، والذى ضم صوته إلى الأصوات الرافضة للتهجير والمطالبة بتخفيف أعباء الحياة على الفلسطينيين وضرورة التزام إسرائيل بما يفرضه القانون الدولي الإنساني عليها.
بالإضافة إلى الخطة المفصلة لإعادة إعمار قطاع غزة، تبنت القمة بياناً ختامياً من 23 بند شملت كافة جوانب القضية الفلسطينية في كل من القطاع والضفة الغربية والقدس، وأكدت على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967 لتعيش جبناً إلى جنب مع دولة إسرائيل في أمن وسلام، مع عرض للتفاصيل الخاصة بالأمن الداخلي للقطاع والنص على قيام آلية محايدة من الفلسطينيين التكنوقراط الذين لا ينتمون إلى الفصائل، وإرسال قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، وبدء تنفيذ خطة إعادة الإعمار، وإيقاف الاستيطان والهجمات على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وإطلاق عملية تقود إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
ولم يكد حبر البيان أن يجف حتى ورد الرد الإسرائيلي وأعقبه الأمريكي السلبي على مضمون البيان بشكل عام مقتضب على النحو التالي:
1) الموقف الإسرائيلي: أصدرت الخارجية، بعد انتهاء أعمال القمة العربية الطارئة بساعات محدودة، بيانا يتضمن رفض الخطة العربية للتعامل مع غزة واصفاً إياها بأنها "لا تعالج حقيقة الوضع في غزة"، كما انتقد عدم ذكر الهجوم الذي قامت به حماس في السابع من أكتوبر 2024، واعتماد الدول العربية على كل من السلطة الفلسطينية ووكالة الأونروا "الفاسدتين"، واختتم البيان بالنص على ضرورة تشجيع سكان غزة على الهجرة الطوعية استناداً إلى ما سبق وأن طرحة الرئيس ترامب.
2) الموقف الأمريكي: على الرغم من تأكيد الرئيس المصري، رئيس القمة، في كلمته الافتتاحية على حقيقة أن "الرئيس الأمريكي قادر على تبني السلام في المنطقة، مشيراً إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة بوساطة أمريكية في مارس 1979 كنموذج، وحقيقة نص البند التاسع من البيان الختامي للقمة من النص على حملة لشرح الخطة العربية لإعادة إعمار غزة للعواصم العالمية، جاء الرد الأمريكي في صباح الأربعاء، الخامس من مارس 2025، على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي لينص على ما يلي: "لا يعالج المقترح الحالي حقيقية أن غزة غير صالحة للسكن حالياً وأن السكان لا يستطيعون العيش بشكل إنساني في منطقة مغطاة بالحطام والذخائر غير المنفجرة" ، وأضاف المسئول الأمريكي أن "الرئيس ترامب يتمسك برؤيته لإعادة بناء غزة خالية من حماس".
على الرغم من ردود الفعل السلبية المشار إليها تلزم الإشارة إلى النقاط التالية حول كيفية التعامل مع هذا الواقع وإبقاء الخطة العربية مطروحة على الطاولة في مواجهة خيار "التهجير":
1) اختتم المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي تصريحه بالتعبير عن "تطلع الإدارة إلى مزيد من المحادثات لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة"، وتتماشي هذه النقطة مع تضمنه البند التاسع من البيان الختامي من ضرورة القيام بحملة لشرح خطة إعادة الإعمار على المستوى الدولي، مما يتيح فرصة لعرض الموقف بشكل مبسط وواضح من خلال لجنة تقودها المملكة العربية السعودية التي طالما عبر الرئيس ترامب عن تقديره لزعامتها وما تقوم به من أجل تحقيق السلام في ضوء استضافتها للمحادثات الأمريكية- الروسية.
2) بعد انتهاء القمة، علق الرئيس المصري على صفحته الرسمية على الفيسبوك بقوله: "نرحب بأي مقترحات أو أفكار من المجتمع الدولي لضمان نجاح هذه الخطة والتي يجب أن تسير جنباً إلى نب مع خطة أكبر للسلام" كما عبر عن تطلعه" للعمل مع الأشقاء العرب والرئيس الأمريكي والمجتمع الدولي من أجل تبني خطة تهدف إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية وإنهاء جذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبما يضمن أمن واستقرار شعوب المنطقة كافة وإقامة الدولة الفلسطينية".
3) أهمية حث الإدارة الأمريكية على استكمال استحقاقات اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة، والتي كان لها دوراً كبيراً في التوصل إليها، لفتح الطريق أمام اتخاذ خطوات عملية للمرحلة الأولي من الخطة والتي ستجعل سكان القطاع يعيشون في مناطق آمنة لحين الانتهاء مع عملية الإعمار التي سيشاركون فيها.
4) التأكيد على أن الشعب الفلسطيني، وهو الطرف الرئيسي المعنى، قال كلمته ورفض فكرة "التهجير" وتمسك بأرضه وهو أمر لا يمكن تجاهله في معادلة تحقيق السلام في المنطقة وتجنب المزيد من المواجهات والمعاناة.
*السفير أ. د. عماد عواد