خطة ترامب تعود إلى الواجهة
د. عماد عواد
11-03-2025 03:45 PM
على حين أعلن الرئيس دونالد ترامب، في الثاني والعشرين من فبراير 2025، أنه لن يفرض رؤيته بشأن تهجير سكان قطاع عزة وإعادة إعماره بطريقة تجارية تجعل منه "ريفييرا الشرق الأوسط، وأنه سيكتفي بالتوصية بها، عادت هذه الرؤية إلى الواجهة خلال مؤتمر عُقد في الكنيست الإسرائيلي، يوم 9 الجاري، على لسان وزير المالية الإسرائيلي، بتسائيل سموتريش، زعيم حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف، والذي صرح بأن أن خطة الرئيس دونالد ترامب لنقل سكان قطاع غزة إلى دول أخرى بدأت تتبلور.
وكشف الوزير عن الملامح الرئيسية لبرنامجه لوضع تلك الخطة موضع التنفيذ، والتي تتضمن ما يلي: الاستعدادات الحثيثة لإنشاء إدارة لتهجير الفلسطينيين بوزارة الدفاع وتكون تحت إشرافه بصفته يتولى إلى جانب وزارة المالية منصب وزير دولة بوزارة الدفاع، مشيراً إلى ما سمعه خلال مناقشاته مع المسئولين في الإدارة الأمريكية من أنه "لا يمكن السماح لمليوني شخص يكرهون إسرائيل بالبقاء على مسافة قريبة جداً من حدودها".
وفيما يتعلق بالبرنامج التنفيذي أوضح زعيم حزب "الصهيونية الدينية" أنه إذا قامت إسرائيل "بترحيل (تهجير) خمسة آلاف شخص يومياً فإن الأمر سيستغرق قرابة العام، أما إذا ارتفع عدد المُهجرون إلى عشرة آلاف يومياً فإنه يُمكن إنجاز المهمة في ستة أشهر فقط.
وبالرغم من تأكيد بتسائيل سموتريش على أن الميزانية لن تمثل عائقاً، إلا أنه اعترف بأن العملية تواجه تعقيدات لوجستية؛ حيث يلزم معرفة من سيذهب إلى أي بلد، وهو الأمر الذي تعمل إسرائيل والإدارة الأمريكية لتحديد الدول التي ستستقبل المهجرين من القطاع من خلال عقد صفقات تُمكن تلك الحصول على مكاسب أو تحقيق أهداف تسعي إليها.
تلزم الإشارة إلى أنه في الوقت الذي كان فيه الزعماء العرب مجتمعون في قمة طارئة في القاهرة لاعتماد الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، لم يعر وزير المالية الإسرائيلي أي اهتمام لهذا الحدث بل أعلن في منشور عبر منصة "أكس" أرفقه بصورة له من داخل الطائرة، في اليوم ذاته قائلاً إنه "في طريقة لزيارة خاطفة إلى الولايات المتحدة حيث سيلتقي مسئولين حكوميين بينهم وزير الخزانة الأمريكي". وقد اكتسبت هذه الزيارة أهميتها من كونها الزيارة الرسمية الأولي له للعاصمة الأمريكية خلال 4 سنوات، إذ لم تسمح له الإدارة الديمقراطية السابقة بعقد اجتماعات مع مسئولي الولايات المتحدة نظراً لمواقفه المتطرفة.
ومن جانب آخر، جاءت الزيارة بناء على دعوة من وزير المالية الأمريكي الذي صرح بأنه: "مثلما اعتبر الرئيس دونالد ترامب أنه من المهم مقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي في بداية ولايته، كان من المهم بنفس الدرجة لي مقابلة سموتريش لإظهار الدعم لإسرائيل".
في ضوء ما تقدم يتضح بجلاء أن إسرائيل لا تبالي بخطة إعادة إعمار قطاع غزة التي مصر، واضحت فيما بعد خطة عربية تحظي بتأييد المؤتمر الإسلامي، وتسعي جاهدة لوضع خطة الرئيس ترامب موضع التنفيذ مستخدمة في ذلك مجموعة من الآليات لتحالف في مجملها التزاماتها وفقاً للقانون الدولي الإنساني باعتبارها قوة احتلال وعضو في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين وقت الحروب، ومن بن تلك الآليات نخص بالذكر ما يلي:
أولاً- استخدام سلاح التجويع لدفع سكان القطاع للقيام بما يتم الترويج له تحت مُسمى "الهجرة الطوعية"، حيث أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في الثاني من مارس 2025 عن إيقاف دخول المساعدات الإنسانية للقطاع بذريعة رفض حركة حماس قبول المقترحات الأمريكية لتمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقت إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية- مصرية- قطرية، وتمسكها بضرورة الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق دون أي التفاف أو تعديل.
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى ترحيب وزير المالية الإسرائيلية بهذا القرار حيث صرح قائلاً: "القرار الذي تم اتخاذه بوقف إدخال المساعدات حتى تدمير حماس أو استسلامها الكامل وإعادة جميع الرهائن هو خطوة في الاتجاه الصحيح- فتح أبواب الجحيم".
وقد جاءت الخطوة الثانية من التصعيد الإسرائيلي على لسان وزير الكهرباء، إيلي كوهين، الذي أصدر أوامره، في التاسع من مارس 2025، بوقف نقل الكهرباء إلى غزة والتي تُستخدم فقط لتحلية المياه وسط غزة، كما تم الإعلان عن أن الخطوة التصعيدية الثالثة ستشمل قطع المياه عن شمالي القطاع، وبعبارة أخرى خلق الظروف المواتية لانطلاق عملية التهجير المخطط لها.
ثانياً- التلويح بالضغط العسكري لدفع سكان القطاع على ما يتم الترويج له تحت مُسمي"الهجرة الطوعية"، وقد تجلي ذلك بوضوح في أعلن الجنرال إيال زامير، بعد ساعات من تعيينه رئيساً جديداً لأركان جيش الدفاع الإسرائيلي، في الخامس من مارس 2025، أن الضغوط العسكرية على قطاع غزة ستستمر، وأن عام 2025 " سيكون عام الحرب، مع التركيز على غزة وإيران.
وكذلك عام الحفاظ على الإنجازات وتعميقها في ساحات أخرى".
وأكد رئيس الأركان الجديد على أن "إعادة المختطفين هي التزام أخلاقي. وأن جيش الدفاع سيعمل على إعادتهم جميعاً" وقرر أن صورهم "ستبقي معلقة في مكتبه حتى يتم إطلاق سراحهم من غزة".
ثالثاً- بذل كافة الجهود اللازمة لاستكمال استعدادات الحكومة الإسرائيلية "لتسهيل تهجير سكان القطاع" في حال توفرت دول لاستقبالهم. وفي هذا الخصوص ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" في عددها الصادر بتاريخ 6 مارس 2025. أن الآلية التي تم انشاؤها تحت إشراف وزير الدفاع، يسرائيل كاتس"، في اعقاب إعلان الرئيس الأمريكي عن خطته، من شأنها أن تسمح لألفين وخمسمائة من سكان القطاع بالمغادرة يومياً. سواء بحراً، عبر ميناء أشدود، أو جواً من مطار "رامون" في إيلات، بالإضافة إلى معبر رفح، والذي تم إجلاء نحو 35 ألف شخص عبره منذ بداية الحرب.
وأوضحت الصحيفة أنه في كثير من الحالات واصل المغادرون رحلتهم من مصر إلى وجهات أخري في العالم. وتم التأكيد على أن إسرائيل مهتمة بالسماح لأكبر عدد ممكن من سكان غزة بمغادرة القطاع وذلك فإن سياستها تتلخص في السماح لأفراد عائلات المرضي والجرحى بالمغادرة معهم.
رابعاً- نشرت حركة "الاحتياط الإسرائيلي- جيل النصر" إطاراً خاصاً للهجرة الطوعية لسكان القطاع متضمناً إبعاد 1.7 مليون من سكان غزة عبر الطرق الجوية والبحرية والبرية إلى بلدان أخرى مضيفة حول العالم، مع رصد تمويلاً كاملاً للمغادرة من غزة وحلولاً سكنية مؤقتة ومنحة مالية للمهجرين.
في ضوء ما تقدم، يصبح من الضروري التحرك السريع، ليس فقط من أجل الترويج للمقترح المصري الذي اعتمدته كل من القمة العربية الطارئة، المنعقدة بالقاهرة في الرابع من مارس الجاري، ومجلس وزراء منظمة التعاون الإسلامي المنعقد في جدة في الثامن من الشهر الجاري، ولكن والأهم ما أجل سرعة وضعه موضع التنفيذ.
فالأمر لم يعد يقتصر على إصدار قرارات تأييد وإنما لتحركات فعلية تهدف إلى إقناع الإدارة الأمريكية، على وجه الخصوص، بجدية المقترح وما قد يعود عنه من فوائد تتصل بإحلال السلام والاستقرار الدائم في المنطقة وليس خلق تعقيدات جديدة تنعكس في المستقبل على الجميع.
* سفير مصري