اليوم التالي للحرب في غزة: صراع السيناريوهات
صالح الشرّاب العبادي
12-03-2025 02:32 AM
تتكثف الأسئلة حول “اليوم التالي للحرب في غزة ” وما سيحمله من تغييرات جوهرية، لكن هذه الأسئلة ليست مجرد تكهنات حول رفض التهجير وإعادة الإعمار أو الترتيبات الأمنية، بل هي انعكاس لصراع إرادات ورؤى متضاربة، حيث يسعى كل طرف إلى صياغة سيناريو يخدم مصالحه ويعيد تشكيل خارطة النفوذ وفقًا لأولوياته الاستراتيجية.
في قلب هذا المشهد، تتقاطع المصالح الدولية والإقليمية مع الطموحات المستقبلية حيث يدور الصراع الحقيقي ليس فقط على مستقبل غزة، بل على شكل القضية الفلسطينية نفسها، ودور المقاومة، وموازين القوى في المنطقة، فما الذي يريده كل طرف؟ وما السيناريو الذي يسعى إلى فرضه بعد انتهاء الحرب؟
المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، تدرك أن هذه الحرب ليست مجرد معركة عسكرية، بل اختبار وجودي يتعلق بمستقبل مشروعها السياسي والمقاوم، لذلك، فإن اليوم التالي بالنسبة لها ليس مجرد مرحلة لإعادة الإعمار او البقاء في القطاع ، بل فرصة لتثبيت مكتسباتها الاستراتيجية، وهو ما يتجلى في عدة أهداف رئيسية، فبعد الصمود في وجه الحرب الإسرائيلية، تريد حماس أن تفرض نفسها كفاعل لا يمكن تجاوزه في أي معادلة سياسية قادمة، سواء على مستوى إدارة غزة أو إعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
لذلك فإن وقف الحرب و إعادة الإعمار يجب أن تتم دون المساس بالبنية العسكرية للمقاومة، ودون السماح بإضعافها تحت غطاء المساعدات أو الترتيبات الدولية.
المقاومة وحماس تحديداً تريد ان تصبح أي مواجهة مستقبلية أكثر كلفة لإسرائيل، من خلال تطوير القدرات العسكرية وتعزيز التحالفات مع قوى إقليمية داعمة ، ليس من خلال ترتيبات أمنية تفرضها إسرائيل، بل عبر إجبارها على القبول بحالة جديدة تتجاوز الهيمنة الإسرائيلية على المعابر والحدود وبالتالي على القطاع .
حماس هدفها إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني ، بحيث لا تبقى السلطة الفلسطينية الممثل الوحيد، بل تكون المقاومة في قلب أي صيغة مستقبلية للصراع، سواء من خلال إعادة بناء منظمة التحرير أو فرض واقع سياسي جديد.
في هذا السيناريو، تسعى حماس إلى تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على طابعها العسكري المقاوم وبين إدارة مرحلة ما بعد الحرب دون الدخول في مواجهات داخلية قد تضعف موقعها.
إسرائيل دخلت الحرب بهدف واضح ، إنهاء حكم حماس في غزة وتفكيك بنيتها العسكرية واحتلال غزة وبالتالي تطورت الأهداف الى تهجير شعب غزة واحتلال جزء من القطاع ، لكن مع طول أمد الحرب وعدم قدرتها على تحقيق هذا الاهداف ، تحوّلت استراتيجيتها من “النصر الكامل” إلى “تقليل الخسائر”، مما يجعل سيناريو اليوم التالي أكثر تعقيدًا بالنسبة لها ، السيناريوهات التي تسعى إسرائيل إلى فرضها في وجه اليوم التالي منع حماس من إعادة بناء قدراتها العسكرية بل إنهاءها المطلق ، سواء عبر فرض منطقة عازلة، أو من خلال ترتيبات أمنية تضمن رقابة دولية على إعادة الإعمار، لمنع وصول الدعم العسكري للمقاومة ، السيطرة على المعابر وخاصة معبر رفح ، وهنا تتراوح الخيارات بين إعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع (لكن بشروط إسرائيلية)، أو فرض إدارة أمنية دولية، أو حتى دعم قوى محلية معارضة لحماس ، وقد حاوت مراراً استمالة وخلق معارضة وشخصيات سياسية وإدارية ولكنها فشلت في ذلك لقوة وصلابة الحاضنة الشعبية.
تسعى اسرائيل إلى إبقاء غزة ضعيفة ومعزولة ، بحيث لا تشكل تهديدًا مستقبليًا، وربما دفعها نحو مسار “التهدئة الطويلة المشروطة ” كحل مؤقت بديل عن التسوية السياسية الشاملة.
اسرائيل هدفها استمرار التهاب الجبهات دون توقف وتوجيه الصراع الى كل الاتجاهات ، بحيث يتم استغلال الحرب لإضعاف المقاومة في الضفة، ومنع أي محاولة لتكرار تجربة غزة هناك ، وهاهي اليوم تكرر سيناريو الحرب في الضفة من اغتيالات وتدمير وبناء المستعمرات ، مع استمرار الحرب في جنوب لبنان ، واستغلال الوضع في سوريا التي تسعى بقوة الى خلط الأوراق وتنفيذ مخططها الممتد بعيداً نحو الشرق السوري ، لتعطي صورة انها تقاتل على اربع جبهات داخلية وثلاث جبهات خارجية.
إسرائيل تدرك أن أي فشل في فرض أحد هذه السيناريوهات يعني أن الحرب انتهت بنتيجة صفرية، وهو يعني انتصار سياسي لحماس والمقاومة ، لذلك فإن صراعها الحقيقي بعد الحرب لن يكون فقط مع المقاومة، بل مع شركائها الغربيين الذين قد يفرضون عليها خيارات غير مرغوبة ، وكذلك مع دول الوساطة للمفاوضات، لكن ينتابها التخبط في اتخاذ القرارات المصيرية والتي ترفض الخوض بها وترفضها ، فالصورة قاتمة غير واضحة لغاية الان في اتخاذ قرارات حاسمة في وجه تشابكات داخلية لديها ومع الاقليم والعالم .
بالنسبة للسلطة الفلسطينية، اليوم التالي للحرب هو فرصة ذهبية لاستعادة سيطرتها على غزة، بعد أكثر من 17 عامًا من الانقسام. لكن هذه العودة ليست ممكنة إلا إذا تمت ضمن شروط واضحة، أهمها، استلام القطاع تحت غطاء دولي أو عربي، بحيث لا تبدو السلطة وكأنها تدخل غزة كطرف منتصر على حساب المقاومة، بل كجزء من ترتيبات إقليمية ، وهي تحاول تحجيم نفوذ حماس سياسيًا وعسكريًا، بحيث لا تكون شريكة فعلية في الحكم، بل يتم دمجها ضمن صيغة تضمن تفوق السلطة.
التحكم في إعادة الإعمار والمساعدات الدولية، مما يعزز نفوذ السلطة في القطاع، ويعيد لها بعضًا من الشرعية التي فقدتها.
لكن العقبة الرئيسية أمام هذا السيناريو هي أن أي عودة للسلطة دون توافق فلسطيني داخلي قد تؤدي إلى صراع داخلي جديد، وربما إلى اندلاع مواجهات بين الأجهزة الأمنية والفصائل المسلحة في غزة ، مع وجهات نظر اقليمية داعمة وغير داعمة لهذا الحل بدون ايجاد ارضية صلبة لقيام الدولة الفلسطينية تحت عنوان ( حل الدولتين) .
بالنسبة للغرب، فإن الأولوية ليست فقط إنهاء الحرب، بل ضمان عدم تكرارها، مما يدفعه إلى دعم سيناريوهات تشمل،
فرض ترتيبات أمنية دولية على غزة، ربما من خلال قوة متعددة الجنسيات تشرف على إعادة الإعمار.
دفع حماس نحو خيار “التسييس” مقابل تخفيف الحصار، أي تحويلها إلى حركة سياسية تقبل بحل الدولتين وتتخلى عن الكفاح المسلح تدريجيًا.
دعم مسار تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، بحيث تكون تهدئة غزة جزءًا من صفقة إقليمية أوسع تشمل ترتيبات سياسية وأمنية في المنطقة.
والسيناريو الذي لا يزال يتردد هو تهجير سكان القطاع بالكامل وإخلاءه واعادة ترتيب الديمغرافية فيه وهذا ما تصر عليه اسرائيل بعد قرارات وتصريحات ترامب التي يرفضها العالم اجمع ( إقليمياً وشرق أوسطياً ودولياً) باستثناء امريكا وإسرائيل..
دول الاقليم بعضها تريد تهدئة طويلة الأمد ومعظمها تمنع وترفض التهجير القسري والطوعي وتضمن دورها كوسيط رئيسي في أي تسوية وبعض الدول العربية
وتدعم بقاء حماس كلاعب رئيسي، لكن مع ترتيبات تضمن استقرار القطاع.
وبعض الدول العربية تميل إلى سيناريو يقضي بعودة السلطة، كجزء من ترتيبات التطبيع مع إسرائيل ، فدول الاقليم العربي تتفاوت استراتيجياتها من انهاء المقاومة حماس او تسيسها او إبقاءها كركن اساسي في اليوم التالي ، وبعض دول الاقليم الخارجي تعمل على إبقاء المقاومة قوية كجزء من استراتيجيتها الإقليمية كذراع لها لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة كما تدعي ، فلا يوجد اتفاق واضح جداً لليوم التالي لمستقبل غزة فيما يخص المقاومة حماس ومستقبلها في القطاع .
في ظل هذا التشابك، لا يوجد سيناريو محسوم للواقع التالي للحرب التي فرضت حقائق جديدة، لكن قدرتها على إعادة تشكيل الواقع ستعتمد على موازين القوى التي ستتبلور في الأسابيع المقبلة، اليوم التالي للحرب ليس مجرد نهاية للمعركة، بل بداية لصراع جديد على مستقبل القضية الفلسطينية والمنطقة بأكملها ، لتبقى حماس هي اللاعب الرئيس في أي ترتيبات مستقبلية وما أدلّ على ذلك الاتصالات المباشرة فيما بينها وبين الادارة الأمريكة التي خلطت الأوراق في جميع الاستراتيجيات المستقبلية للقطاع .
المقاومة قوية وكجزء من استراتيجيتها الإقليمية كذراع لها لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة كما تدعي ، فلا يوجد اتفاق واضح جداً لليوم التالي لمستقبل غزة فيما يخص المقاومة حماس ومستقبلها في القطاع .
في ظل هذا التشابك، لا يوجد سيناريو محسوم للواقع التالي للحرب التي فرضت حقائق جديدة، لكن قدرتها على إعادة تشكيل الواقع ستعتمد على موازين القوى التي ستتبلور في الأسابيع المقبلة، اليوم التالي للحرب ليس مجرد نهاية للمعركة، بل بداية لصراع جديد على مستقبل القضية الفلسطينية والمنطقة بأكملها ، لتبقى حماس هي اللاعب الرئيس في أي ترتيبات مستقبلية وما أدلّ على ذلك الاتصالات المباشرة فيما بينها وبين الادارة الأمريكة التي خلطت الأوراق في جميع الاستراتيجيات المستقبلية للقطاع .