إقالة رئيس (الشاباك): بين الفشل الأمني والصراع السياسي
صالح الشرّاب العبادي
17-03-2025 08:13 AM
في خضم الأزمات الأمنية والسياسية التي تعصف بإسرائيل، جاء قرار إقالة رئيس الشاباك( رونين بار ، רונן בר ) ليكون محورًا للجدل والتحليل ، هذا القرار لم يكن مجرد تغيير روتيني في قيادة جهاز أمني حيوي، بل كان نتاجًا لتراكمات من الإخفاقات والصراعات الداخلية التي تعكس عمق الأزمة التي تمر بها الدولة العبرية، وكذلك هو حلقة من سلسلة الإقالات والاستقالات لرؤساء افرع اجهزة الامن والجيش المتلاحقة ، ابرز اسباب الإقالات والاستقالات هو الفشل الاستخباري الكبير لهجوم السابع من أكتوبر المدوي الذي أدى إلى صراعات السلطة داخل المؤسسة الأمنية والسياسية ، حيث تأتي إقالة رئيس الشاباك كحدث يلقي الضوء على تحديات إسرائيل الأمنية والسياسية.
بدأت القصة مع الهجوم المفاجئ الذي شنه تنظيم حماس في صبيحة السابع من شهر اكتوبر عام ٢٠٢٣ ، والذي كشف عن ثغرات أمنية واستخباراتية هائلة في جهاز الشاباك والموساد ، والجيش الإسرائيلي، هذا الهجوم لم يكن مجرد صدمة عسكريّة أمنية ، بل كان أيضًا صدمة سياسية واجتماعية هزت ثقة الإسرائيليين بمؤسساتهم الأمنية، رئيس الشاباك، كرئيس لأحد أهم الأجهزة الأمنية، وجد نفسه في مواجهة اتهامات بالتقصير وعدم القدرة على توقع الهجوم أو منعه ، ومع تصاعد الغضب الشعبي، بدأ البحث عن كبش او أكباش فداء لتحميلهم مسؤولية الفشل وحماية مستقبل نتنياهو.
في هذا السياق، برز بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، كشخصية تحاول توجيه الأنظار بعيدًا عن مسؤوليته السياسية ، نتنياهو، الذي يواجه تحقيقات قضائية بتهم فساد وتحميل مسؤولية الإخفاقات ، وضغوطًا سياسية هائلة والتي يضطلع بها رئيس الشاباك والذي كادت ان تطوق نتنياهو وتودي به ، رأى في إقالة رئيس الشاباك فرصة لتحويل المسؤولية عن نفسه ، بإزاحة رئيس الشاباك، حاول نتنياهو أن يقدم نفسه كشخص يتخذ إجراءات حاسمة لتصحيح الأخطاء، بينما يوجه اللوم نحو القيادات الأمنية.
لكن القصة لا تقتصر على الفشل الأمني فحسب، بل تتجاوزها إلى صراعات السلطة داخل المؤسسة الأمنية والسياسية، رئيس الشاباك، كشخصية مستقلة وذات تأثير كبير، كان يمثل تحديًا لسيطرة نتنياهو على الأجهزة الأمنية ، بإقالته، سعى نتنياهو إلى تعزيز سيطرته على هذه الأجهزة وتعيين قيادات أكثر ولاءً له، لا تعارض او حتى تنتقد قراراته التي وصلت الى حد القول ان نتنياهو بسياساته يعلن الحرب على إسرائيل ويذهب بها إلى الفناء ، هذه الخطوة تعكس استراتيجية نتنياهو طويلة الأمد في محاولة إخضاع المؤسسات الأمنية والقضائية لإرادته السياسية.
رئيس الشاباك الذي انخرط في المفاوضات مع حماس مع دول الوساطة العربية كان يتلقى الانتقادات في عدم قدرته على إتخاذ القرارات حيث كان يذهب ويأتي خالي الوفاض من الصلاحيات الحاسمة والتي كان يحرمه منها نتنياهو ويمنعه حتى من التصرف او التحدث بحرية فبات ليس لديه القدرة على التفاوض امام المفاوضين مما عمق الفجوة بينه وبين نتنياهو، واليمين المتطرف.
أضف إلى ذلك الضغوط التي يمارسها اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يطالب بتغييرات جذرية في القيادات الأمنية التي تحد من قرارتهم المتماهية مع قرارات نتنياهو، الذي يعتمد على دعم هذا اليمين للحفاظ على تماسك حكومته، وجد في إقالة رئيس الشاباك وسيلة لاسترضاء حلفائه السياسيين. هذه الخطوة لم تكن فقط لتوجيه اللوم نحو رئيس الشاباك، بل كانت أيضًا جزءًا من مسعى لتوحيد اليمين حول قيادة نتنياهو في ظل انقسامات سياسية عميقة ومعارضة اصبحت تتنامى وتقوى عودها خاصة من قبل كبار الضباط المتقاعدين والسياسيين القدامى منهم رؤساء وزراء سابقين ورؤساء لأجهزة أمنية سابقة .
إقالة رئيس الشاباك ليست مجرد حدث عابر، بل هي انعكاس لأزمة أعمق تواجهها إسرائيل. هذه الأزمة تتجلى في الفشل الأمني، والصراعات السياسية الداخلية، ومحاولات نتنياهو حماية نفسه من المساءلة ، القرار يطرح تساؤلات كبيرة عن مستقبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقدرتها على التعافي من الإخفاقات، كما يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الديمقراطية الإسرائيلية في ظل صراعات السلطة والفساد.
إقالة رئيس الشاباك ليست مجرد تغيير في قيادة جهاز أمني، بل هي علامة على أزمة متعددة الأوجه تعصف بإسرائيل ، بين الفشل الأمني والصراع السياسي، تبرز هذه الخطوة كجزء من استراتيجية نتنياهو لحماية نفسه وتعزيز سيطرته ، لكنها أيضًا تثير تساؤلات عن مستقبل الأمن الإسرائيلي وقدرة المؤسسات على التعافي من إخفاقاتها.
القرار بإقالة (رونين بار ) خلقت حملة من الانتقادات وساحة صراع سياسي عسكري وتجاذبات من الاختلافات القضائية والقانونية بين المعارضة والتأييد وحلقة من مسلسل الإقالات أدت إلى توسيع الهوة بين نتنياهو وزمرته وقادة الأجهزة المنية والعسكرية وهي من الأزمات الأمنية والسياسية التي باتت تهز الكيان الإسرائيلي وهي متشابكة بشكل عميق، مما يجعل الحلول أكثر تعقيدًا من مجرد تغيير القيادات، ومع كل هذه التحديات الداخلية الاسرائيلية إلا ان السياسة الخارجية تجاه الحروب التي تخوضها وموقفها من الفلسطينيين وغزة والضفة الغربية وما تنفذه من اجراءات أمنية وعسكرية، عليه اجماع بشكل عام من قبل جميع القوى السياسية والعسكرية الاسرائيلية.