وعود ترامب بإطفاء الحروب: تغيير الاستراتيجية أم ضرورات المرحلة؟
صالح الشرّاب العبادي
18-03-2025 12:05 PM
عندما عاد دونالد ترامب إلى المشهد السياسي، أعاد معه وعوده التقليدية بإنهاء الحروب الخارجية وتقليل التدخلات العسكرية الأمريكية ، كان نهجه خلال ولايته الأولى قائماً على فكرة “أمريكا أولاً”، حيث سعى إلى الانسحاب من الصراعات الطويلة وتقليل الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط. لكن اليوم، نجد أن السياسة الأمريكية، حتى في ظل التأثير المستمر لترامب داخل الحزب الجمهوري، تتجه نحو تصعيد عسكري ضد الحوثيين في اليمن. فكيف يمكن تفسير هذا التحول؟ وهل هو تناقض في الرؤية، أم أنه استجابة لواقع جيوسياسي فرض نفسه؟
ترامب، الذي قدم نفسه كصاحب نهج براغماتي يرفض الانخراط في حروب الشرق الأوسط، لم يكن غريباً على فكرة استخدام القوة حين يرى ذلك ضرورياً ، ففي عام 2020، أمر باغتيال قاسم سليماني، لكنه في الوقت ذاته تفاوض مع طالبان للانسحاب من أفغانستان ، كان تركيزه الأكبر على إعادة رسم دور أمريكا بعيداً عن التدخلات التقليدية، لكن الواقع العسكري والسياسي اليوم يدفع الإدارة الأمريكية، حتى في ظل تأثير الجمهوريين، إلى اتخاذ مسار مختلف.
التصعيد في البحر الأحمر ليس مجرد أزمة إقليمية، بل هو تحدٍّ مباشر للنظام الاقتصادي العالمي ، الحوثيون، الذين قدموا أنفسهم كجزء من محور المقاومة، استهدفوا السفن التجارية لدعم غزة، مما أثّر على حركة الشحن عبر باب المندب. هذا الممر الاستراتيجي يربط الشرق بالغرب، وأي اضطراب فيه ينعكس فوراً على أسعار الطاقة وسلاسل التوريد. الإدارة الأمريكية، حتى وإن كانت تميل إلى الانسحاب من الصراعات، وجدت نفسها أمام تهديد لا يمكن تجاهله، حيث أصبحت الهجمات الحوثية تضر بالمصالح الأمريكية وحلفائها بشكل مباشر.
لا يمكن النظر إلى التصعيد في البحر الأحمر بمعزل عن النفوذ الإيراني. إيران، التي تدعم الحوثيين عسكرياً ولوجستياً، تسعى لاستخدامهم كورقة ضغط في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل. وبالنسبة لواشنطن، فإن تجاهل هذا التهديد يعني ترك المجال مفتوحاً لطهران لتعزيز نفوذها في المنطقة ، من هنا، جاء القرار الأمريكي بتوجيه ضربات عسكرية تستهدف قدرات الحوثيين، ليس فقط لحماية الملاحة الدولية، بل أيضاً لإرسال رسالة واضحة لإيران بأن الدعم العسكري للحوثيين لن يمر دون رد.
هذا التحول في السياسة الأمريكية يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن تتجه إلى تصعيد أكبر، أم أنها ستكتفي بضربات محدودة لردع الحوثيين دون الانخراط في حرب مفتوحة ، فالضربات الجوية وحدها لن تقضي على تهديد الحوثيين، لكنها قد تفرض عليهم إعادة النظر في استراتيجيتهم ، في الوقت نفسه، يواجه البيت الأبيض تحدياً في تحقيق توازن بين التصعيد العسكري وعدم التورط في مستنقع جديد قد يعيد إلى الأذهان تجربة التدخلات الأمريكية في العراق وأفغانستان.
التغيير في النهج الترامبي من حالة اطفاء الحروب بالقوة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية ( العقوبات) وتحولها إلى استخدام القوة العسكرية الحاسمة يفتح شهية اسرائيل الذي ينتظر رئيسها نتنياهو على احر من الجمر في تغيير هذا النهج الذي ستعاود الحرب حتماً في كل من غزة تحديداً وباقي الجبهات ، والتي ستكون هذه الحرب ذات سطوة اكثر وقوة نار موثرة يؤدي إلى تعقيد المشهد كامل ، حيث ستكون ذات نتائج دامية وخطيرة ولن تتوقف هذه المرة بسهولة حتى لو توقف امريكا حربها ضد الحوثيين فعودة الحرب بالنسبة لإسرائيل هو بمثابة بداية لحرب طويلة قوية بارتفاع معدل التماس مع العدو الذي لم ينقطع بالرغم من كل الهدن والصفقات والاتفاقيات..
ما يجري اليوم يعكس ديناميكيات السياسة الدولية أكثر مما يعكس تحوّلاً جذرياً في نهج ترامب أو الجمهوريين تجاه الحروب. التغيرات في موازين القوى، والتهديدات التي تؤثر على الاقتصاد العالمي، تجعل من الصعب على أي إدارة أمريكية التمسك بشعارات العزلة التامة. وبينما كان ترامب يعد بإطفاء الحروب، فإن الواقع يفرض على أمريكا مواجهة تهديدات قد لا تكون حرباً شاملة، لكنها بالتأكيد مواجهة لا يمكن تجاهلها.