غزة بين أنياب الوحشية وصمت العالم
صالح الشرّاب العبادي
19-03-2025 11:15 AM
غزة اليوم ليست مجرد بقعة على الخارطة، وليست رقعة جغرافية يدور حولها النزاع، بل هي جرح مفتوح في ضمير الإنسانية، نزيف مستمر لا توقفه عبارات الإدانة ولا مسكنات الدبلوماسية الباردة ، تُباد مدن بأكملها، وأطفال يُنتشلون من تحت الأنقاض، وأمهات يحتضنّ فلذات أكبادهن جثثًا هامدة، بينما العالم يراقب بصمت قاتل، وكأن الدم الفلسطيني أقل شأنًا، وكأن الحياة في غزة أرخص من أن تستحق الحماية.
الآلة العسكرية الإسرائيلية تمارس حرب إبادة ممنهجة، لا تفرّق بين صغير وكبير، ولا تعترف بقواعد الحرب ولا بمواثيق حقوق الإنسان. تقصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وتستهدف المستشفيات والمدارس، وتحاصر شعبًا أعزلًا بلا ماء أو دواء أو ملاذ آمن. ورغم ذلك، لا يُسمع في أروقة السياسة الدولية إلا صدى الكلمات الفارغة، والعبارات المكررة التي لا توقف مجزرة ولا تنقذ روحًا واحدة.
أي عالم هذا الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان ثم يشيح بوجهه عن أشلاء الأطفال؟ أين تلك الدول التي نصّبت نفسها حاميةً للقيم الإنسانية وهي تغض الطرف عن المجازر اليومية؟ هل بات القانون الدولي حبرًا على ورق لا قيمة له إلا حين يخدم مصالح الأقوياء؟ إن صمت المجتمع الدولي ليس مجرد تقاعس، بل هو تواطؤ يضفي الشرعية على الجريمة، ويمنح القاتل غطاءً للاستمرار في وحشيته.
ما يحدث في غزة ليس حربًا بين جيشين، بل مجزرة يرتكبها كيان مسلح ضد شعب أعزل، مجزرة تُنفَّذ بأسلحة الفتك الحديثة بينما يقف العالم متفرجًا، كأن الدم الفلسطيني قد فُصل عن منظومة الأخلاق والحقوق التي يتغنّى بها الغرب ، كل دقيقة تمر، كل قذيفة تسقط، كل روح تُزهق، هي وصمة عار على جبين الإنسانية، ودليل دامغ على انهيار النظام العالمي أمام جبروت القوة العمياء.
لكن، ورغم الموت الذي يخيّم على غزة، فإن الشعب هناك لم يرفع راية الاستسلام، ولم يطأطئ رأسه أمام آلة القتل ، غزة تقاتل ليس فقط من أجل البقاء، بل من أجل كرامة أمة بأسرها، من أجل أن يبقى صوت الحق عاليًا رغم الدمار، ومن أجل أن تظل قضيتهم، رغم محاولات الطمس والتشويه، جرحًا مفتوحًا في وجه الضمير العالمي حتى يصحو من سباته.
إن استمرار هذا العدوان دون ردع حقيقي، ودون تحرك دولي فعّال، يعني أن العالم كله شريك في الجريمة، وأن الإنسان لم يعد له أي قيمة أمام منطق القوة الغاشمة ، لكن مهما طال الزمن، ومهما اشتدت آلة الحرب، فإن الاحتلال إلى زوال، فالتاريخ لا يرحم الطغاة، والدم لا يذهب هدرًا، وغزة، رغم الركام، ستظل شامخة، وستبقى رمزًا للصمود في وجه الظلم.